هل يستفيق «السلفيون»؟
عبد العزيز كحيل/
تيار تعددت أسماؤه وجوهرُه واحد…هل بقي عاقل مترددا في حقيقة من يزعم اتّباع السلف الصالح ويحتكر عنوان السلفية؟ أظن أن الشك قد زال عن كل متردد وكل من كان يحسن الظن بهذه الفرقة، فقد عرّاها طوفان الأقصى تعرية كاملة وأزال كل شك من حولها، ولم أندم أني ألاحقها منذ ثلاثين سنة، أبيّن حقيقتها وأحذر من خطرها على الإسلام والمسلمين، فسواء زعمت أنها «علمية» أو مدخلية أو جهادية فهي تُصدر عن إيديولوجيا واحدة وتستعمل أسلوبا واحدا وتنتهي إلى نهاية واحدة هي تخذيل المسلمين وإعاقة حركة الأمة والاصطفاف مع الأعداء – إلا قلة قليلة من أصحاب السلفية الوسطى – وليس القراء في حاجة إلى تذكيرهم بمواقف شيوخها من الحرب على غزة، فهم جميعا – من الحجاز إلى الجزائر مرورا بمصر والسودان والكويت – دأبوا على تخطئة المقاومة والسخرية من المجاهدين والتشفي في الشهداء وإيجاد الأعذار للعدو والاصطفاف الكامل مع الأنظمة المطبعة المتصهينة، لكن السؤال الكبير هنا يتعلق بأتباعهم، فهل سيستفيقون بعد ما رأوا خروج طائفتهم عن الإجماع الإسلامي وقيام شيوخهم بليّ أعناق الآيات والأحاديث لشيطنة الجهاد وتبرير خيانة الحُكام والتماس الأعذار للأعداء؟ ألم يروا في شيوخهم قسوة القلب وإغلاق العقل وتحريف الكلم عن مواضعه؟ ألا يربكهم هذا الانحراف الخطير عن منهج السلف والخروج عن إجماع الأمة؟ ألا يرون العلمنة الحثيثة تغزو بلاد الحرمين حيث العلماء والدعاة في السجون بلا تهمة ولا محاكمة والبساط الأحمر يفرش للتافهين والتافهات والمفسدين والفاجرات من كل حدب وصوب لإقامة حفلات المجون في أطهر بقعة على وجه الأرض؟ ألم يسمعوا بالمنكرات الكبرى في موسم الرياض ومسابقة الكلاب العالمية والاحتفالات الصاخبة لعبدة الشيطان في الإمارات – أي في جزيرة العرب – بإشراف رسمي؟ أين منهج السلف من كل هذا؟ إلى متى تبقى الأوهام تقودهم باسم التوحيد والعقيدة والفرقة الناجية والسلف الصالح؟ إن التوحيد الذي تعلمه الصحابة من الرسول صلى الله عليه وسلم صنع جيلا أخرج اليهود من الجزيرة العربية أما التوحيد الذي تلقاه الوهابيون من شيوخهم فقد أعاد اليهود الى الجزيرة، فمتى ينتبه المغرر بهم إلى حقيقة التوحيد؟ أيها «السلفي» التوحيد ألا تخشى مع الله أحدا، أما إن كنت مثل كثير من شيوخك منبطحا للأنظمة المتصهينة عميلا للصهاينة تبيع دينك ومقدساتك وإخوانك بعرض من الدنيا قليل فاعلم أنك أنت الذي وقعت في الشرك، فتعلّم التوحيد ممن يدفع نفسه وولده وماله في سبيل الله هناك في غزة، فغزة هي اليوم مدرسة التوحيد الخالص ومجاهدوها هم بقية السلف الصالح وأهلها هم الفرقة الناجية لأن الدين عندهم ليس جدالا ومراء واستغراقا في المسائل المختلف فيها بل هو ممارسة ميدانية لذروة سنام الإسلام.
متى يستفيق هؤلاء «السلفيون»؟ ألا يتساءلون كيف نجا اليهود المعتدون ومساندوهم من المسيحيين والكفار من شيوخهم ولم ينجُ منهم المجاهدون والشهداء؟ ألا يرون كيف يجهدون أنفسهم لنفي الشهادة عن موتى غزة ويتبارون لنفي الجهاد عن الحرب هناك بشكل يُفرح الصهاينة إلى أبعد حد؟ أليست هذه خيانة لله ورسوله والمؤمنين؟ ألم يتساءلوا لماذا اختفت فجأة داعش والقاعدة والنصرة – التي تصف نفسها جميعا بالسلفية الجهادية – ولم يظهر لها أثر منذ طوفان الأقصى بينما سقط على أيديها آلاف المسلمين في العراق وسورية وغيرهما؟ أليس هذا دليلا على أنها أدوات أنشأها أعداء الإسلام لضربه من الداخل؟ ألم يقتنع الأتباع بعد أنها معركة الإيمان ضد الكفر والقلة ضد الكثرة وطالوت ضد جالوت والرشاش ضد الطائرة والطهر ضد النجاسة؟ ألم يتساءلوا أين موقعهم منها؟ ألا يحدثون أنفسهم بالانتقال من موقع صناعة الهزيمة إلى موقع صناعة النصر؟
بما أنهم يزعمون اتّباع شيخ الإسلام ابن تيمية أذكّرهم بأنه شارك بنفسه في الجهاد ضد التتار وأنكر على الحٌكام المتخاذلين في مصر والشام، وهذه بعض أقوله (وهم يقدسون أقواله في المسائل البسيطة المختلف فيها)، قال: الرباط في الثغور أفضل من المجاورة بمكة والمدينة، والعمل بالرمح والقوس بالثغور أفضل من صلاة التطوع»…وقال « أما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه فإن دفع ضررهم عن النفس والدين والحرمة واجب إجماعا» – الفتاوى الكبرى 5/ 537.
أرى أن ينهض العلماء والدعاة والمربون بتبصير هؤلاء الأتباع ومحاولة إقناعهم بالعودة إلى الجادة والتصالح مع الأمة ومحاربة قسوة القلب التي تربوا عليها بحيث لا يحسون بآلام المسلمين، وكذلك إغلاق العقل الذي حجب عنهم الحقائق وهي ماثلة أمامهم، مجسدة بين أيديهم، أما إذا تمادوا في غيّهم فهم خنجر مسموم في جسم الأمة يجرّ عليها مزيدا من الويلات في كل مكان.