طوفان الأقصى.. المقدّمات والمآلات
اعداد واقتباس:
سالم .ب (المركز الفلسطيني للإعلام)
يُعدّ طوفان الأقصى الذي انطلق في السابع من أكتوبر 2023، حدثاً مفصلياً في التاريخ الحديث، ليس على مستوى فلسطين فحسب، بل على المستويين الإقليمي والعالمي.
وعلى الرغم مما ارتكبه الاحتلال من إبادة جماعية وتدمير للبنية التحتية، فقد أعاد الطوفان القضية الفلسطينية إلى الواجهة وجعلها من أولويات الحكومات والمنظمات الدولية، كما استجلب الدعم الشعبي الكبير للقضية في أنحاء العالم، وخصوصاً لدى الفئات الشبابية التي أظهرت وعياً كبيراً تجاوز تضليل الحكومات.
كما أسقطت المقاومة أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأثبتت ضعف الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يستقوي إلّا على المدنيين من خلال القصف وارتكاب المجازر.
انفجار البركان
تعدّدت الروايات والسرديّات حول الأسباب التي دعت المقاومة لإطلاق الطوفان، وفي هذا السياق، أصدرت حركة حماس، التي فجرت هذا البركان، وثيقة رسمية في 21 يناير/ كانون الثاني 2024، بعنوان: “هذه روايتنا.. لماذا معركة طوفان الأقصى؟“، أوضحت فيها الأسباب والظروف التي ساهمت في إطلاق المقاومة لعملية طوفان الأقصى ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وشدّدت الحركة في الوثيقة على أنَّ معركة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال والاستعمار لم تبدأ في 7 أكتوبر 2023، وإنَّما بدأت قبل ذلك بنحو 100 عام، شملت الاحتلال البريطاني ثم الصهيوني، حيث كان الشعب الفلسطيني يملك نحو 98% من أرض فلسطين، ويتمتَّع بأغلبية 92% من السكان.
وأضافت أنّ بريطانيا مكنّت اليهود من الاستيطان في فلسطين، بعد أن جلبتهم من شتى أصقاع الأرض، ليحتلوا نحو 77% من أرض فلسطين، بعد أن ارتكبوا المجازر البشعة والتطهير العرقي، وشرّدوا نحو 60% من الفلسطينيين خارج أرضهم، ثمّ ما لبثوا أن استولوا على بقية فلسطين في العام 1967.
وأشارت الحركة إلى معاناة الشعب الفلسطيني طوال عقود من كافة أشكال القهر والظلم ومصادرة الحقوق الأساسية، ومن سياسات الفصل العنصري، ومصادرة الأراضي وتهويد المقدسات، ومعاناة آلاف الأسرى في سجون الاحتلال، وصولاً إلى الحصار الخانق على قطاع غزة المستمر منذ 17 عاماً.
كما لفتت إلى أنّ اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، منذ عام 2000 وحتى السابع من أكتوبر 2023، أدّت إلى استشهاد أكثر من 11 ألف فلسطيني وجرح أكثر من 156 ألفاً أغلبيتهم الساحقة من المدنيين، دون أن يكترث العالم لمعاناتهم.
كما أشارت إلى فشل التسوية السلمية واتفاقية أوسلو في تمكين الفلسطينيين من إنشاء دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، رغم مرور 30 عاماً على توقيعها.
وبناء على ما سبق، أطلقت حماس عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م، كخطوة ضرورية واستجابة طبيعية، لمواجهة ما يُحاك من مخططات إسرائيلية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، ولإنهاء الحصار الجائر على قطاع غزة، وتحرير الأسرى في سجون الاحتلال، وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
عقبة أمام التطبيع
قبل أيام من طوفان الأقصى، ألقى نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي كلمة في الأمم المتحدة تحدث فيها عن التطبيع مع الدول العربية المحيطة، وكان لافتاً إشارته إلى “دولة إسرائيل” لتشمل فلسطين التاريخية، دون الإشارة إلى الضفة الغربية وغزة، أو أيّ ذكر للشعب الفلسطيني.
كما عمل “إعلام التطبيع” على الترويج للفوائد المرجوة من عقد المعاهدات مع الكيان الإسرائيلي، بل وصل الأمر ببعض الوسائل إلى لوم الشعب الفلسطيني ومقاومته، من خلال تحسين صورة الاحتلال، ومثال ذلك سلسلة “وشوشات من غزة” التي بثتها قناة العربية على موقعها على الإنترنت.
وكان عنوان إحدى الحلقات “كنا نروح على أفراحهم وييجوا علينا”، في تدليس واضح بأنّ الفلسطينيين والإسرائيليين كانوا على وفاق قبل انطلاق انتفاضة الحجارة.
وفي ذروة سعي بعض الدول إلى التطبيع مع الاحتلال، جاء طوفان الأقصى ليكبح ذلك التوجه، وقد وأظهر تقرير من موقع “جويش إنسايدر” نشر في مارس الماضي أنّ تأثير عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر لم يقتصر على تأجيل اتفاق التطبيع المحتمل مع المملكة العربية السعودية فحسب، بل تسبّب في تأجيل اتفاق آخر كان من المتوقع توقيعه بين دولة الاحتلال وإندونيسيا أكبر دولة إسلامية، وفقا للتقرير.
ضربة للمشروع الصهيوني
في اعتراف صريح بتأثير عمليات وهجمات المقاومة الفلسطينية، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، إن 885 مستوطناً قتلوا، وأصيب 70 ألفا آخرين منذ بدء حرب الإبادة على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، وذلك دون احتساب قتلى جيش الاحتلال.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرنوت، اليوم الأحد، عن مؤسسة “التأمين الوطني الإسرائيلي”، أن 885 مستوطناً إسرائيليا قتلوا منذ بدء الحرب، من بينهم 581 رجلاً، و304 امرأة، وهو ما يشير إلى صحة المعطيات التي كانت تعلنها المقاومة الفلسطينية عن حصاد عملياتها خلال عام من الحرب.
وذكرت الصحيفة أن هذه الإحصائية لا تشمل قتلى جيش الاحتلال الإسرائيلي والشرطة وفرق الطوارئ، مشيرة إلى أن أكثر من 70 ألف إسرائيلي أصيبوا خلال عام من الحرب، من بينهم 647 شخصاً أصيبوا في اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب القسام يوم 7 أكتوبر.
وفي السياق ذاته، نشر “ديفيد هيرست”، رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي”، مقالاً في ذكرى السابع من أكتوبر، أوضح فيه كيف أدّى طوفان الأقصى إلى تغيير معادلة القوة في الشرق الأوسط.
ولفت الكاتب في مقال إلى هدفين استراتيجيين حدّدهما القائد السنوار في خطاباته قبل السابع من أكتوبر، أولهما أن يصبح الاحتلال أكثر تكلفة لإسرائيل، والثاني إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي تحتلها أو عزلها عن المنطقة والمجتمع الدولي.
وأكّد “هيرست” أنّ الهدف الأول قد تحقق؛ إذ جعلت حماس الاحتلال أكثر تكلفة بالفعل، فمنذ بدء الحرب قتل 1664 إسرائيلياً، منهم 706 جنود، وأصيب 17809 آخرون. مضيفاً أنّ اقتصاد إسرائيل يعاني وبدأت الأموال في الهروب من البلاد، حيث غادر مليارا دولار البنوك الإسرائيلية من مايو إلى يوليو من هذا العام.
وشدّد على أنّ الضربة الأقوى التي وجهتها حماس لإسرائيل كانت نفسية، فالانهيار المفاجئ والكامل لجيش الاحتلال قبل عام سبّب صدمة لإسرائيل لم تتعافَ منها بعد، وشكّك في قدرة الدولة على حماية مواطنيها، إذ تم إجلاء حوالي 143 ألف شخص من منازلهم، وانطلقت الإنذارات فيما يقرب من 1000 مجتمع، وأجبر الإسرائيليون على الفرار إلى ملاجئهم حوالي 15 ألف مرة.
لكنّ الأثر الأكبر لهجوم حماس وفقاً للكاتب كان على القضية الوطنية الفلسطينية نفسها، إذ أحياها الطوفان بعد موتها، وأصبحت فلسطين الاهتمام الأول لحقوق الإنسان في العالم، وتصدّرت أجندة العدالة الدولية، وأثارت أكبر حركة احتجاجية في التاريخ الحديث.
ويؤكّد “هيرست” أنّ من بين الاستراتيجيات يبدو أنّ استراتيجية السنوار تعمل سواء عاش أو مات، فإنّ تلك الأجندة باتت تتمتع بزخم لا يمكن وقفه.
ويضيف أنّ نتنياهو والجيش يعتقدون أنهم يستطيعون احتلال شمال غزة وجنوب لبنان وضم معظم الضفة الغربية، لكنهم لن يتمكنوا من إنهاء ما بدؤوه، مذكراً بانسحاب “شارون” من غزة، وانسحاب “باراك” من لبنان.
وشدّد الكاتب على أنّ إسرائيل أصبحت أكثر انعزالاً من أي وقت في تاريخها، إذ جرّدتها هذه الحرب من صورتها كصهيونية ليبرالية، إلى صورة الطفل الجديد في الحي الذي يحاول الدفاع عن نفسه في بيئة صعبة.
وأشار إلى أنّ حرب السنوار بدأت للتو، وأنّ الفوز فيها يعتمد على مقدار صمود الفلسطينيين، الذين أكّد أنّ روحهم المعنوية لا تزال عالية.
وختم هيرست مقاله بأنّ “القتال بدأ للتو، لقد تغيرت معادلة القوى في الشرق الأوسط بالفعل، ولكن ليس في صالح إسرائيل أو أمريكا”.