القضية الفلسطينية

الـمثقف بين أحداث غزة و واقعه

أ. أبوإياد كمال بن عطاءالله/

تطلق كلمة المثقف على كثير من المعاني الدارجة المتناولة بين النّاس، فمنها واسع الاطلاع، أو الذي يُتقن أكثر من لغة، أو المتحضر مع شيء من الكلمات المنمقة، وبصورة أعم دعنا نناقش أثر الثقافة أو التعلم المكتسب على المبادئ والقيم والمواقف، فعند البحث عن المثقف نجد أصلها اللّغوي الجذر (ثقف) أي: الرمح، أي صار حاذقا وخفيفا، وثقف الولد أي هذّبه وعلّمه، وأما الثقافة فهي كما في المعجم (التمكّن من العلوم والآداب والفنون)، ومنه فإنّ للكلمة أصلها العربي الاشتقاقي فما أثر ذلك واقعا، فالمتابع للأحداث الجارية من قبل وخاصة بعد أحداث الطوفان(07/10/2023م)، يجد الكثير ممن يتابع على مواقع التواصل الاجتماعي، يكتب في بدايات الأحداث بِـــــنَـــهم وكان الاهتمام كبيرا ومع مرور الأيام والأشهر أصبحت الأحداث مستأنسة و ألِفها النّاس رغم العدد المهول للمجازر والقتلى من الشهداء إلى المنازل المهدمة، بل بعد عام الإحصائيات كبيرة جدا حتى اعتاد المشاهد والسامع تزايد الأرقام؟، بل البعض نسيها (أو تناساها)، وآخرون أصبحوا يتسلون بها من خلال العبث بالقنوات الفضائية والمواقع والصفحات، والآخر يسترزق بها من خلال اليوتيوب لجمع أكبر الإعجابات والمشاهدات ليدرّ عليه دخلا، والأدهى والأمرُّ ممن نرجو منهم الخير أصبحت صفحاتهم تعجّ بعبارات الانتقام من الخصوم، ولا أقول من المخذلين فقط «عليهم من الله ما يستحقون» بل ساد التكفير العيني، والحكم على الطرف الآخر المختلف معه منذ قرون بالنفاق الخالص، ولم نسلم هذه السنة من إثارة الخلافات الفقهية مثل السنوات السابقة والتي كنا ننتظر اختفاءها مع الحدث المزلزل، والكل مشارك بدرجات معينة، إنّ رتابة الأحداث عند الأنفس التي لم تتصور ولم يتحقق لها شدة الخلاف العقدي بيننا وبين اليهود وأعوانهم، ولم يستصحب الزاد الإيماني الذي تعلّمه وتربى عليه -إن كان هناك زاد! -، فولدت لنا متفرجا سينمائيا يتأقلم مع ما يُقدم له إعلاميا من طرف المنتج والمخرج حتى أصبح وأمسى وبات مدمنا كما يراد له،ثم يساق للإشاعة و التحليل الخطأ ليُرمي في الهدف المرسوم له مسبقا – وهو عين كمين العدو-، وحينما نجد بعض الإستفاقات على حدث كبير مثل استشهاد الرجلين العظيمين رحمهما الله (أبو العبد إسماعيل هنية، وأبو إبراهيم يحي السّنوار رحمهما الله) تشعر وكأنك أمام شبه نهضة لكنها لا تكاد تمرّ حتى تخبو بعد يوم أو يومين، فأين الوهن؟، ألم نستفد من التاريخ وقراءاته بل تكراره؟، ألم نر التضحيات الجسام من طرف ثُلة مؤمنة صابرة معزولة لا ترجو النصر إلاّ من الله العزيز الأوحد الصمد؟، والتي أعطت المثل الأعلى في الصبر والتضامن والتمسّك بكتاب الله حفظا وتطبيقا رغم الحصار والتجويع والإبادات إنهم صورة معجزة في الأخلاق التي قرأنا عنها عند سلفنا الصالح ولمسناها في أهل غزة العزة.
أين تلك المطالعات و التثاقف بين الناس بادعاء المعرفة؟، هل ربينا جيلا؟، أين مؤسساتنا التربوية؟، أين مساجدنا وخطبها؟، أين شهاداتنا وجامعاتنا؟، لم أر واقعا إلاّ التكاسل والخوف والجبن والمراء والادّعاء والتماس الأعذار، بل حتى الدعاء في الصلوات و الذكر انحسرت ذكراه إلا عند البعض القليل الذي ما زال صابرا ومتذكرا، أين الإعانات المالية عبر جمعيتي البركة و (جمعية العلماء) اللّتين تعملان في ضوء النهار وامام السلطات الرسمية الجزائرية، إنني جزء من المشهد والواقع وأعيش بين دفتيه، هناك وهن على مستوى الأفراد والجموع الكاثرة، إنّ ما تراه على الفايسبوك هو هراء وخصومة وتفريغ لشحنات العصبية والانتقام من أطراف هي الطرف الأساس في الضعف الذي نعيشه والجرح الغائر في الأمة، السؤال المطروح تاريخيا، هل النخبة المثقفة بمختلف تشكيلاتها قادرة على قيادة الأمّة حين يصيبها العدو الخارجي؟؟، ربما الإجابة حاضرة عندما من يمتازون بالبداهة، إنّ الثورة التحريرية درس تجريبي راسخ، صدقت أيها المجيب بل تلك المرحلة كان الخونة وهم كثيرون وكذا المتفلتون والمستلون؟؟، وبقي أولو العزم –على قلتهم – صامدين موقنين بنصر الله حتى الرمق الأخير وهم بين النصر أو الشهادة، راجع قراءتك للأحداث بدقة، ولن تندم، لعلك تجد جوابا شافيا، إنّ خوفي على أمتي و بلدي بالخصوص كبير، إنّه من الأمية بل من الجهل المركب (جاهل لايعي أنه جاهل) وهو ينساق إلى معارك هامشية وبالخصوص مدعو التدين بجميع تشكيلاتهم، فضلا عن غيرهم، فهم سواء في هذا الواقع الآسن ولا نزكي على الله أحدا فالله أعلم بمن اتقى، إنّ درس الطوفان وغزة وفلسطين الأقصى بالعموم لم يعه إلاّ القلة وعلى الله التكلان، إنّ مخططي ومنفذي (السابع من أكتوبر) بعد يأسهم من الأمّة و اختلافاتها توكلوا على الله ونقّوا صفوفهم وضربوا حساباتهم وأقدموا على ما هم عليه محتسبين أمرهم لله وحده وهي ثقافة العقيدة الصحيحة من الكتاب والسنة والقراءة الجيدة للتاريخ والواقع، بعيدا عن التحاليل الواهية المرجفة والاستشرافات المخزية .
اللهم ارزقنا مثقفين أصحاب عقيدة راسخة. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
قال الله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} سورة الحج الآية 40.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com