الدراسات القرآنية بالمغرب/ د. عمار طالي
جذب انتباهي أثناء زيارتي للأستاذ الدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء بالمملكة المغربية، وجود مؤسسة تعنى بالدراسات القرآنية: مركز الدراسات القرآنية، الذي يصدر مجلة علمية محكمة متخصصة تعنى بالدراسات القرآنية والتأويلية، تسمى التأويل وهو الاسم الذي اتخذه الطبري عنوانا لتفسيره، وكما عرف بها المدير المسؤول عنها: تسعى إلى التأسيس لمشروع تأويل للنص القرآني، يسعف في بناء الرؤية القرآنية الكلية، ويمكن من فهم وتفكيك مشكلات عالمنا المعاصر… وتفتح ملف رؤى العالم في علاقته بمختلف حقول وأنساق المعرفة الإنسانية عموما، وحقل الدراسات القرآنية والتأويلية على وجه الخصوص.
وكان محور عددها الثالث: التأويل ورؤى العالم.
وقد أصبحت رؤية العالم منهجا للنظر، فيمكن تعمق القرآن للوصول إلى رؤيته الكونية الكلية، وتصوره للوجود ومكانة الإنسان فيه، وعلاقته بالله، وبأمثاله من الناس، في عصر كثرت فيه رؤى العالم، وصراع الحضارات والثقافات، ونظريات القيم، والمعرفة والوجود، والعمران البشرى، والانتقال من العالم المتناهي الكبر إلى العالم المتناهي الصغر، وطغيان الإنسان، على الطبيعة، مما أدى إلى الاحتباس الحراري، والكوارث الطبيعية التي أفسدت على الإنسان بيئته وعكرت صفو وجوده، ووحشية العولمة، وأشارت المجلة إلى ما كتبته الباحثة اليابانية ساشيكوموراطا عن رؤية الإسلام للعالم، وإلى ما كتبه العالم الياباني إزوتسو عن الله والإنسان في القرآن ففي النص القرآني موازين في مجالات حياة الإنسان وعلاقته بالعالم، ميزان التعارف والتعاون، وميزان القيم، والسلوك، وموازين الأمة، وموازين السلطة والمبادئ الكلية لها، وتزكية بصيرة الإنسان، ونورانية قلبه بهداية الوحي.
وقد كثرت الترجمات للنص القرآني مع ما فيها من مزالق، وهي في أغلبها نتاج موقف من النص الأصلي، ومحاولات لتمرير رسالة بعينها إلى القارئ وتعددت الترجمات إلى اللغة الألمانية وغيرها، وأقبل الإسرائيليون على ترجمة القرآن والتعليق عليه تعليقات ترجعه إلى أصول توراتية وتلموذية ووثنية وتنوعت ألوان ما يزعم أصحابها أنها قراءات للقرآن بمنهج تاريخي ينزع القداسة عن النص القرآني، ويجعله مثل النصوص الأدبية التي مصدرها الإنسان وتاريخه. وتاريخ التفسير للقرآن في مختلف مراحله يمدنا بتاريخ الفكر الإسلامي في تنوعهن واختلاف اتجاهات المسلمين من معتزلة وأشاعرة، وصوفية وغيرهم، كما يشير إلى صلته بنتائج العلوم وتطورها، ونقد الفلسفة واتجاهاتها ومناهج المتكلمين وتنوعها.
ونجد التأويلية على النمط الغربي قد تسربت إلى العالم الإسلامي، وأراد أصحابها تطبيقها على النص القرآني باعتبار التأويلية فنا للفهم وتأويلا للنصوص وهو ما يسمى بالهرمينوطيقا Herméneutique وتأثر بها بعض الباحثين في العالم العربي وإيران.
نعم إن القرآن لم تستنفد معانيه ففي نصه إمكانات لا نفاد لها فكل جيل يكتشف معاني جديدة لم تعرفها الأجيال الماضية إن القرآن يظل مفتوحا على المستقبل فكلام الله متعدد المعاني ومن ادعى أنه فسره تماما فإنما يتحدث عن حد نفسه ومدى حدود وعيه، كما قال الغزالي.
إن التعامل مع القرآن لفهمه ليس مجرد عملية آلية باكتساب التقنيات وأدواتها الفنية، إنها معاناة مستمرة ومكابدة لتدبر النص، ولا يعطي معناه للمتسولين به، او الكائدين له، باستغلال النص لأغراضهم الذاتية، والهيمان في أودية الخيال الشعري، أو في أودية الوهم والتقليد البئيس، أو بذهنية مسكونة بالبحث عن مصادر خارجية عنه، أو بمسالك تاريخية نقدية ترجع إلى القرن التاسع عشر، بنزع المقدس وإبعاده أو بنسبة العنف والإرهاب إليه، والتلبس بنزعة سياسية إمبراطورية تنكر الآخر نعم يمكن الاستفادة من علم الدلالة وحقولها لأهمية اللغة ومفاتيحها للوصول إلى رؤية الإنسان لعالمه من خلال تنظيم المفاهيم والقيم ومسالك القلوب التي ترتبط بالقداسة، ولا تلغيها. وبتأمل القرآن بكل ما أوتيه الإنسان من طاقة الإدراك بكل مستوياته العميقة.