قصة نجاح/ البروفيسور كريم زغيب: من طفل بسيط في سطيف إلى عالم مبتكر في الطاقة الكهروكيميائية
إعداد: عبد الغني بلاش/
تُعتبر قصة البروفيسور كريم زغيب واحدة من أبرز قصص النجاح التي تجمع بين التواضع والاجتهاد والإبداع. من نشأته في مدينة سطيف الجزائرية وسط ظروف متواضعة، إلى أن أصبح أحد أبرز العلماء في مجال الكهروكيمياء والطاقة المستدامة على مستوى العالم، تبرز مسيرته كمثال حي على أهمية العلم والالتزام في تحقيق الأحلام.
نشأة بسيطة في سطيف
ولد كريم زغيب في مدينة سطيف الجزائرية، ونشأ في بيئة مليئة بالبساطة والأخلاق العالية. كانت والدته معلمة تتمتع بسمعة طيبة، وكان لها دور كبير في غرس القيم الأخلاقية والتعليمية في أبنائها. يتذكر زغيب طفولته في سطيف، حيث كان يعيش حياة بسيطة بعيدًا عن التكنولوجيا المتقدمة. كان الأطفال في حيه يلعبون بالألعاب البسيطة ويخترعون من الأشياء المحيطة بهم أدوات وألعاب، وهو ما غرس في كريم حس الابتكار منذ الصغر.
رغم الظروف الاقتصادية المتواضعة، كان التعليم هو المفتاح الذي ساعد زغيب على تحقيق طموحاته. يتذكر تلك الأيام بقوله: «لم يكن لدينا الكثير من الموارد، لكن والدتي كانت دائمًا تعلمنا أن الأخلاق أولاً، ثم يأتي العلم والمال». لقد كان هذا التوجيه الأخلاقي أساسًا قويًا لبناء شخصيته، وكان دافعًا قويًا له للتفوق في حياته العلمية.
الطريق إلى النجاح العلمي
بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، التحق كريم زغيب بالجامعة حيث أظهر شغفًا كبيرًا بالعلوم، خاصة في مجالات الكيمياء والفيزياء. من هنا بدأت رحلته العلمية المميزة. قرر زغيب الانتقال إلى الخارج لمواصلة تعليمه في الجامعات العالمية، حيث حصل على فرصة لدراسة الكهروكيمياء والطاقة في اليابان. في التسعينيات، عمل في جامعة كيوتو اليابانية، حيث بدأ بتطوير تكنولوجيات جديدة في مجالات تخزين الطاقة، وتحديدًا البطاريات القابلة لإعادة الشحن.
تأثرت مسيرة كريم زغيب العلمية بمبادئ العمل الجاد والتعاون. فقد عمل مع العديد من العلماء والمراكز البحثية الرائدة، حيث اكتسب خبرات علمية واسعة جعلته مؤهلًا لتحقيق إنجازات عالمية. في عام 2013، عاد للعمل في كندا، حيث قاد العديد من المشاريع العلمية الهامة المتعلقة بالطاقة النظيفة. وكان من أهم هذه المشاريع عمله مع شركة «Hydro-Quebec»، وهي واحدة من أكبر شركات الطاقة في كندا.
ابتكارات رائدة
يعتبر كريم زغيب رائدًا في مجال البطاريات وتكنولوجيا تخزين الطاقة. فقد ساهم في تطوير تكنولوجيات متقدمة تُستخدم اليوم في العديد من الأجهزة الإلكترونية والسيارات الكهربائية. ويمتلك البروفيسور زغيب أكثر من 700 براءة اختراع في هذا المجال، وهو رقم يعكس عمق إبداعه وتأثيره في مجال الطاقة. كما نشر أكثر من 450 مقالًا علميًا و23 كتابًا حول مواضيع متعلقة بالنانو تكنولوجيا والكهروكيمياء.
من بين أهم إنجازاته، كان تطوير بطاريات الليثيوم أيون القابلة للشحن، والتي تُستخدم في السيارات الكهربائية. وقد اعتمدت شركات كبرى مثل «تيسلا» على هذه التكنولوجيا، حيث أن 66% من تكنولوجيا سيارات «تيسلا» الكهربائية تعتمد على الابتكارات التي طورها كريم زغيب. يروي زغيب كيف كان يعمل في بدايات «تيسلا» عندما كانت مجرد مشروع صغير يعمل من كراج، وكيف تطورت الشركة لتصبح أكبر شركة سيارات كهربائية في العالم، بفضل تقنيات تخزين الطاقة التي ساهم في تطويرها.
العمل مع شركات عالمية
لم تتوقف مسيرة البروفيسور كريم زغيب عند حدود «تيسلا». فقد عمل أيضًا مع شركات عالمية رائدة مثل «سوني» و»باناسونيك» و»ميتسوبيشي». يقول زغيب: «تعلمت الكثير من تجربتي مع هذه الشركات. كان لدي خبرة كبيرة في اليابان، خاصة في التسعينيات، حيث تعلمت كيفية تطوير تكنولوجيات متقدمة في مجال الطاقة». ويُضيف: «كنت جزءًا من فرق كبيرة تعمل على تطوير حلول تخزين الطاقة للعديد من التطبيقات مثل الأجهزة الإلكترونية والسيارات الكهربائية».
بفضل إسهاماته العلمية، أصبح زغيب واحدًا من العلماء الأكثر تأثيرًا في العالم في مجال الطاقة المتجددة. في تصنيف «H-index»، الذي يقيس مدى تأثير العلماء على الأبحاث العلمية، حصل كريم زغيب على تصنيف مرتفع جدًا يعكس قيمة إسهاماته العلمية في مجاله. ويُعد هذا التصنيف دليلاً على أن أبحاثه واختراعاته تُستخدم في العديد من المشاريع العلمية والتكنولوجية حول العالم.
تحديات وصعوبات
رغم نجاحاته الكبيرة، لم تكن مسيرة كريم زغيب سهلة. فقد واجه العديد من التحديات، خاصة في بداياته. يتذكر كيف كان يعمل في مشاريع بحثية معقدة دون توفر الموارد الكافية، وكان عليه أن يبتكر حلولاً من الصفر. في إحدى المواقف، يروي كيف كان يعمل في مناطق نائية في الجزائر لا تتوفر فيها الكهرباء، وكيف كان عليه أن يجد طرقًا جديدة لتخزين الطاقة باستخدام تقنيات مبتكرة.
العودة إلى الجذور
رغم إقامته الطويلة في كندا، يظل كريم زغيب مرتبطًا بجذوره الجزائرية. ما زال يحتفظ بعاداته وتقاليده ويحرص على تعليمها لأبنائه. يتحدث بزهو عن الجزائر ويُشيد بقدرات الشباب الجزائري على تحقيق النجاح في مجالات العلوم والتكنولوجيا. يقول: «الجزائر لديها إمكانيات كبيرة، وشبابها قادرون على تحقيق الكثير إذا تم توفير الفرص المناسبة لهم».
ويؤمن زغيب بأن التعليم والبحث العلمي هما المفتاح لنهضة الأمم. لذلك، يسعى دائمًا إلى نقل خبراته ومعرفته إلى الأجيال الصاعدة، سواء من خلال أبحاثه العلمية أو من خلال المشاركة في المؤتمرات والندوات العالمية.