مشروع صناعة العجز

أ. يمينة عبدالي */
قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾ [لنور 61] وعلى اختلاف أقوال العلماء في تفسير هذه الآية غير أنها تتضمن « نَفْيًا لِلْحَرَجِ عَنْ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ فِيما تَجُرُّهُ ضِرارَتُهم إلَيْهِمْ مِنَ الحَرَجِ مِنَ الأعْمالِ، فالحَرَجُ مَرْفُوعٌ عَنْهم في كُلِّ ما تَضْطَرُّهم إلَيْهِ أعْذارُهم، فَتَقْتَضِي نِيَّتُهم الإتْيانَ فِيهِ بِالإكْمالِ ويَقْتَضِي العُذْرُ أنْ يَقَعَ مِنهم. فالحَرَجُ مَنفِيٌّ عَنِ الأعْمى في التَّكْلِيفِ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ البَصَرُ، وعَنِ الأعْرَجِ فِيما يُشْتَرَطُ فِيهِ المَشْيُ والرُّكُوبُ، وعَنِ المَرِيضِ في التَّكْلِيفِ الَّذِي يُؤَثِّرُ المَرَضُ في إسْقاطِهِ كالصَّوْمِ وشُرُوطِ الصَّلاةِ والغَزْوِ» ( التحرير والتنوير).
وعلى مدار عام كامل ونحن نشاهد بالصوت والصورة الكفيف والأعرج والمريض مقاومًا ومجاهدًا في غزة، خرج إلينا المبتور والمقعد، أين العجز في إرادتهم وقاموس يومياتهم! أين العجز في صلاتهم وجهادهم! أين العجز والنار من فوقهم ومن تحتهم وتلفهم من كل صوب وجانب!! إنما صنع العجز لباسًا لنا حتى لا تقوم لنا قائمة، واستعانوا في ذلك بــ:
1- صناعة أبواق الشياطين
شتان بين الرجل ابن مأساته، مهجّر من أرضه في عسقلان، لطين غريبة في غزة، حياته ابنة المخيمات، وشبابه ابن السجون، ورجولته ابنة القهر، وموته ابن البندقية، رجال غزة التعريف الحي لكل مستباح منسي، فما بال هذه الأبواق من أي مجلسٍ تشبعوا وفي أي أرض اشتدوا! أبواق تلوم الأحرار وتسمم الأذهان وتقلب المفاهيم وتعطل أحكام الدين.
2- قتل الشعور بالمسؤولية تجاه الحدث
محاولة اقناع الناس بأنهم غير قادرين على إضافة أو تغيير في مجريات الأمور مما يولد عندهم قناعة أن لاحول ولا قوة لهم والبعد وقلة الحال والمتاع يسقط عنهم كل تكليف فتكون الخلاصة عدم الشعور بالمسؤولية وخاصة ان اعتبروا أن القضية قضية شعب معين وليست قضية دينية عقائدية وأنهم غير مطالبين بتقديم شيء في أوقات الأزمات.
3- الخيانة والعمالة
4- التعتيم الاعلامي
5- تزوير واقع الميادين
6- الاشادة بالعدو والغرب
7- الاستهانة بالمقاطعة الاقتصادية
8- قتل شعور التعاطف مع الآخرين
9- تغييب مساحات العمل المتاحة والمؤثرة
10- التقليل من قيمة ما يمكن أن يقدمه الفرد
11- التشكيك في المساعدات ووصولها إلى أهلها
12- صناعة حالة السخط
13- تفخيم شأن التافهين وتكريمهم وإلهاء العامة.
14- محاولة تصغير وتحقير دور المؤسسات الدينية والثقافية والاجتماعية وتقزيم أثرها في مجرى القضية الكبرى.
15- الاطاحة بالقدوات
العمل على تشويه وتعرية القدوة من فحواها وقيمتها الدينية والاجتماعية وقدرتها التأثيرية الايجابية في نفوس العامة وهذا ليس وليد لحظة وإنما أمر مدبر للتسلسل إلى وحدة الأمة من خلال الإطاحة بالهرم ومصب القيم والمرشد الناصح الأمين. فتترك الساحات خالية بلا قدوات تُبرز ويُشاد بها ليتصدر المشهد كقدوة وهو ليس بقدوة!!
16- السكوت القاتل والحياد الدامي
تعطيل انكار المنكر باليد أو اللسان إلى أضعف الايمان ألا وهو القلب، كيف لقضية عظيمة قضية لحم ودم وروح قضية أمّة كما ينبغي لها أن تكون لا كما هي عليه اليوم، قضية ناطقة عاقلة شجاعة معطاءة نقف لها موقف الباكي الساكت المحايد …وإلى متى هذا الموقف!! نحن نموت والقضية لا تموت إلا يوم يرث الله الأرض ومن عليها.
وهناك أسباب أخرى تجعلك في النهاية تشعر بالعجز فلا تتفاعل مع ما يحدث وهنا نتذكر الحديث الشريف. قال رجل : يا رسول الله متى الساعة؟ قال صلى الله عليه وسلم : وماذا أعددت لها؟
فمهما تثاقل الهمّ واستحكم إلا أن السبيل هو انتقال من دائرة التنظير إلى دائرة العمل والتأثير كما علمنا رسول الله وقدوة الرجال والمرابطين والشجعان. والعمل يكون على مستوى الفرد والأسرة والمحيط والمؤسسات وإحباط وإجهاض هذا المشروع وإن بدت رواسخه فلا سبيل غير العمل والبذل للفوز والانتصار للدين والانسانية.
* باحثة دراسات عليا تخصص تفسير وقراءات قرآنية