مشكلة الزواج المختلط في فرنسا “بين الواقع المؤلم… والتساؤل عن الحل”/ سعدي بزيان
لم ينل موضوع الزواج المختلط في الجزائر بأدنى اهتمام علما بأن الموضوع يهم المجتمع الجزائري، ذلك أن الجالية الجزائرية في فرنسا تعيش هذا الواقع وهي جزء منه بحيث هناك آلاف من النساء الجزائريات المسلمات متزوجات بفرنسيين مسيحيين وآلاف من الرجال المسلمين الجزائريين متزوجين بفرنسيات مسيحيات. وقد ازدادت هذه الظاهرة بشكل مثير منذ مطلع الثمانينيات من القرية الماضي، والمعروف عندنا في الدين الإسلامي بالضرورة أن الإسلام لا يجيز زواج امرأة مسلمة برجل مسيحي أو ملحد أو مشرك امتثالا لقوله تعالى:{وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة:221]، وكان أول كاتب جزائري اهتم بهذا الموضوع وهو المرحوم الدكتور محمد بن عبد الكريم الجزائري الذي أصدر كتابا بعنوان:”زواج المسلم بغير المسلمة وزواج المسلمة بغير المسلم” منشورات الشهاب –باتنة 1984، والكتاب غير متداول على نطاق واسع –والدكتور محمد بن عبد الكريم رحمه الله عاش في فرنسا كثيرا –ولكنه كما لاحظت لم يطلع على مواقف وآراء شخصيات إسلامية معاصرة مثل القرضاوي والغزالي والبوطي، فبقي أسير النصوص القديمة –ولهذا نجده يصدر كتابا بعنوان:” الجنسية ردة وخيانة” ولم يقل بهذا الكلام أحد من العلماء الذين ذكرتهم- ويبقى موضوع الزواج المختلط في فرنسا مثار قلق وحيرة لدى جاليتنا في فرنسا وأوروبا عموما وفرنسا بالدرجة الأولى- حيث أن حوالي 85 بالمائة من الجزائريين في المهجر يعيشون في فرنسا وعشت هذا المشكل بقوة عندما كنت موظفا في “مسجد باريس” 1985-1991، ولطالما استقبل المكتب الديني أمهات لفتيات مسلمات اختارت بناتهن الزواج بفرنسيين غير مسلمين دون رضا الوالدين. ويشكل هذا الواقع إشكالية كبيرة لدى الأسرة المسلمة في أوروبا عموما ولا يبدو هناك حل للمشكل اللهم إلا على مذهب كل من الدكتور هشام جعيط أحد المفكرين التونسيين الذي أجاز زواج المسلمة بغير المسلم – وسار على منواله صهيب بن الشيخ الذي كان الفرنسيون وإلى عهد غير بعيد يلقبونه بـ “مفتي مرسيليا الكبير” علما بأنه لا توجد مرجعية دينية إسلامية في فرنسا لحد الآن ولا دار فتوى –وإطلاق كلمة “مفتي مرسيليا الكبير ” كلام لا معنى له وعكس هولاند فإن العالم والداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، وفي محاضرة له بجامع باريس وكنت واحدا من المستمعين لهذه المحاضرة أكد أنه سوف يبلغ المجلس الفقهي بالسعودية على إصدار فتوى تحرم على المسلمين الزواج بأوروبيات حفاظا على حقوق النساء المسلمات وحقهن في الزواج برجال مسلمين من بني ملتهن.
بعض الأرقام عن الزواج المختلط:
ففي فرنسا سجلت سنة 1975/ 387379 حالة زواج عام، منها 7157 حالة زواج بين الأجانب والفرنسيين، حيث تزوج 12231 أجنبي بنساء فرنسيات في حين بلغ عدد الرجال الفرنسيين المتزوجين بالأجنبيات ومعظمهن مغاربيات 7918 امرأة، وبناء على مصادر فرنسية موثوقة أنه بدءا من عام 1981، ظهر تحول خطير في تزايد عدد النساء المغاربيات المتزوجات بالفرنسيين ليشكل سنة 1985 نسبة 8 %.
أسباب هذا الزواج ومظاهره:
فبالنسبة للرجال المسلمين المتزوجين بالفرنسيات أغراضه في كثير من الأوقات مادية، الهدف منه الحصول على الإقامة أو الجنسية كعامل مساعد للعمل والاستقرار نهائيا في فرنسا، وهو زواج هدفه المصلحة لا غير.
نساء مسلمات متزوجات بفرنسيين لم يعلنوا إسلامهم
عرفت وأنا أعمل في مصلحة الإعلام بباريس أن هناك العديد من الفرنسيين الذين يؤمون مسجد باريس مصحوبين بأزواجهم المسلمات، ويعلنون عن إسلامهم أمام مصلحة الاعتناق حتى يتسنى لهم الزواج بمسلمات تونسيات أو جزائريات أو مغربيات، في حين الغالب ما يتم الزواج بين رجل فرنسي وامرأة مسلمة دون اشتراط اعتناق الفرنسي للإسلام، وهذا النوع من الزواج هو المنتشر بكثرة، ويزداد سنويا بمعدل خطير ويطرح تساؤلات كثيرة، ويحدث قلقا كبيرا وسط الجالية الإسلامية في فرنسا، ولا يبدو في الأفق أي حل لهذا المشكل، ولنستمع إلى بعض الشهادات عن الزواج المختلط وسط الأسرة المسلمة في فرنسا:
– تقول روضة بليز من مواليد 1953 بتونس متزوجة بفرنسي غير معتنق للإسلام، ولكنه كما تقول متفتح وقد تزوجا معا في البلدية وهو ما يسمى بـ “الزواج المدني”Mariage Civil. أي غير ديني – الذي عادة يتم في المساجد أو في المنازل تحت إشراف إمام أو رجل مسلم له معرفة بشروط الزواج على الطريقة الإسلامية، تقول هذه المرأة المسلمة التونسية الأصل أثمر زواجي بشخصية فرنسية غير مسلمة بإنجاب ولد وسوف أعلمه اللغة العربية حتما إلى جانب اللغة الفرنسية وزوجي الفرنسي لا يمانع ذلك، وأنا منذ وجودي في باريس أشعر بانتمائي العربي أكثر من السابق، لأن هذه المشكلة مطروحة هنا يوميا في باريس وأنا ولله الحمد متعلقة جدا بعائلتي ومع هذا تزوجت سرا، وهذا شيء أقلقني فعلا، غير أنني لا أستطيع التضحية بحياتي من أجلهم.
– وهذه امرأة مسلمة من أصول لبنانية تدعى رندة من مواليد 1949 وتتحدث عن زواجها بشخص فرنسي بارتياح كبير، حيث تؤكد “لا توجد مشكلة رئيسية بيننا ولا بالنسبة للأولاد فأنا مسلمة وجدتي مسيحية، وقد تربيت بين ديانتين أساسا وأولادي سأربيهم بالطريقة نفسها أعطيهم المعلومات الضرورية وعليهم هم أن يختاروا، فأهلي استقبلوا زواجي بترحاب كبير عرض عليهم زوجي اعتناقه للإسلام غير أن أبي وهو مسلم رفض ذلك!!
ولا توجد مشكلة ثقافية بيننا، فزوجي الفرنسي يعرف تاريخ البلاد العربية أكثر مني، وفي الختام أقول: لست نادمة على زواجي بفرنسي، فقد اخترت زوجا يتيح لي أن أفكر وأن أتطور أكثر وأعمل بوعي وأواصل مسيرة حياتي على غاية ما يرام.
الزواج المختلط في مرآة علماء الدين والمفكرين
يقول المرحوم أحمد فراج صاحب برنامج “نور على نور” في إذاعة القاهرة منذ مدة. يقول الأستاذ أحمد فراج الذي كنا ننتظر برنامجه، المشهور في مقابلة له في كلام الناس الصادرة عن الوطن العربي في القاهرة أفريل 1995 مع العلم “أن الوطن العربي” تأسست في باريس في 1977، بباريس يقول أحمد فراج عندما سئل عن الزواج المختلط أجاب قائلا:” أحل الله الإسلام زواج المسلم من أهل الكتاب أي من مسيحية أو يهودية، على أساس أن الرجل المسلم يؤمن بعيسى وموسى وبالتالي فهو يستطيع المحافظة على حقوق المرأة المسيحية أو اليهودية، واحترامها لأنه يؤمن بما تؤمن به ويعرف حقوقها ويحترمها جيدا وهو قادر على احترامها واحترام دينها، أما بالنسبة للمرأة المسلمة لا تستطيع أن تتزوج من مسيحي أو يهودي والسبب أن المسيحي لا يؤمن بالإسلام وبالتالي لا يقبل أن تنتزع منه سلطاته في بيته لصالح سلطات أخرى، وهنا تحدث المشكلة ويقع الخلاف، ولذلك حرم الإسلام زواج المرأة المسلمة من يهودي أو نصراني لحمايتها والحفاظ على حقوقها وذلك يؤكد بأن الإسلام قائم على احترام المرأة المسيحية أو اليهودية إذا تزوجت من مسلم فإنه يحترمها لأنه يؤمن بما تؤمن به بل وفرض عليه الإسلام أن يصطحب زوجته إلى الكنيسة بالنسبة للمرأة المسيحية أو المعبد بالنسبة للمرأة اليهودية، ويقول شيخ الأزهر الراحل شلتوت وله رأي صائب ومعبر عن الحقيقة، والواقع فيما يتعلق بالزواج بالكتابيات فقد أجاز هذا الزواج وربطه بشروط، وقال بهذه المناسبة:” إذا انسلخ الرجل المسلم عن حقه في القوامة وألقى بمقاليد نفسه وأسرته وأبنائه إلى زوجته الكتابية بمقتضى عقيدتها وعاداتها، ووضع نفسه تحت رأيها واتخذها قدوة له يتبعها، وقائد يسير خلفها ولا يرى نفسه إلا تابعا لها مسايرا لرأيها ومشورتها فإن ذلك يكون عكسا للقضية، وقلبا للحكمة التي أحل الله لأجلها التزوج من الكتابيات” ورأي الشيخ شلتوت رأي صائب ومؤكد للواقع فإننا نرى كثيرا من النساء الفرنسيات المسيحيات يؤثرن في أزواجهن المسلمين، فالدكتور طه حسين وهو ما عليه من علم وثقافة كان تحت تأثير زوجته الفرنسية شوران، والدليل على ذلك أبقت على اسم ابنه د. مؤنس ميشال مؤنس، كما هو الواقع بالنسبة للمرحوم د.سعدان فابنه يسميه صالح وأمه الفرنسية تدعوه موريس، وللشهيد الأمين العمودي رحمه الله قصيدة شعرية في هذا الموضوع.
أرقام تثير القلق حول زواج الفرنسيين بنساء جزائريات..!
فالإحصائيات دامغة والإحصائيات تكشف عن حقائق مؤلمة عرفها الزواج المختلط في فرنسا بين النساء المسلمات والفرنسيين، وقد ظهر الاهتمام بهذا الموضوع وخاصة في دراسات فرنسية منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضي ففي عام 1971 مثلا تزوجت 201 امرأة مسلمة جزائرية بفرنسيين مسيحيين، مقابل 1002 سنة 1981، وفي سنة 1985 تزوجت 977 امرأة مسلمة جزائرية بفرنسيين غير مسلمين. والغريب أن النساء المغربيات أكثر من النساء الجزائريات المتزوجات بالفرنسيين وذلك حسب المصادر الفرنسية التي تؤكد بأنه في سنة 1971 هناك 190 مغربية مسلمة تزوجت برجال فرنسيين مسيحيين وارتفع العدد في سنة 1981 ليصل إلى 284 امرأة مغربية تزوجت بفرنسيين ويكاد العدد يتضاعف ليصل في سنة 1985 إلى 139 امرأة مغربية تزوجت بفرنسيين مسيحيين، بل إن مصدر آخر يتحدث عن 1400 مغربية تزوجت بفرنسيين، ويكاد يتساوى عدد الجزائريين والمغاربة من جنس الرجال تزوجوا بفرنسيات بعدد النساء الجزائريات والمغاربيات تزوجن بفرنسيين والزواج المختلط في ألمانيا يكاد يتساوى بمثله في فرنسا.
النتائج السلبية للزواج المختلط
فرغم الاستفتاء الذي جرى وسط النساء المغاربيات ورأيهن في الزواج بالفرنسيين وقال 82 بالمائة منهن “نعم للزواج بالفرنسيين” في حين نرى امرأة فرنسية تدعى أوغستين بابار اهتمت بهذا الموضوع ولها دراسة في هذا، قالت إن لمثل هذا الزواج انعكاس اجتماعي سلبي وسط الأسرة المغاربية المسلمة، ومن هذه النتائج السلبية هجرة الإطارات المسلمة المتزوجة بالفرنسيات في فرنسا وطن الزوجة، حيث العيش ملائم للزوجة، ويتحول هؤلاء الناس مع طول الوقت إلى أناس متأثرين بنمط العيش الأوروبي، ويصبحون مع طول الوقت اغترابيين في شخصيتهم وينفصلون تدريجيا عن دينهم وعن أصولهم الوطنية، ويدفع الأطفال ثمنا لذلك، حيث يفقدون تدريجيا هويتهم الوطنية. إن للزواج المختلط في كثير من الأوقات عواقب سيئة لأنه زواج غير متجانس دينيا وحضاريا، وكثيرا ما ينتهي إلى الفشل، فقد نقلت إلينا صحيفة الرأي الفرنسية l’option الصادرة في الرباط قصة مغربي تزوج بفرنسية وأنجب منها أطفالا ولكن في الأخير وقع بينهما شنآن أفضى إلى الطلاق وهو أن مرة سمع ابنه وعمره 6 سنوات يقول لأمه الفرنسية أمي لماذا تزوجت عربيا؟.
وقد تألم الزوج المغربي كثيرا لهذه الواقعة التي تعكس الزواج المختلط وعواقبه السيئة وكثيرا ما يدفع الأطفال عواقب هذا الزواج المر، فهو زواج منذ البداية قائم على المصالح والمصالح الآنية، والجهل بالإسلام وتعاليمه فالمرحوم الشيح أحمد حماني وهو من كبار علماء الفقه المالكي في الجزائر أصدر فتوى يحرم فيها زواج المسلمين بالفرنسيات انطلاقا من أن المرأة الفرنسية عندما تلد أطفالا فأطفالها يأخذون الجنسية الفرنسية..إلخ ويقول الدكتور صبحي عبد الحميد الأستاذ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر: إن رأي الفقهاء في الزواج المختلط واضح وهو أن “الإسلام أجاز للرجل المسلم الزواج من نساء أهل الكتاب ولكن تحت شروط معينة حيث اشترط بجواز مثل هذا الزواج عدة شروط وأوردنا قصة سيدنا عمر بن الخطاب مع حذيفة ابن اليمان الذي تزوج امرأة فارسية فأرسل له عمر يقول له:” إذا وصلك كتابي هذا فطلقها لأنها جمرة فرد عليه حذيفة قائلا: لا أفعل حتى تخبرني أحلال أم حرام، فكتب إليه عمر بل حلال، ولكن في نساء العجم خلانة أي خداع، فإن أقبلتم عليهن غلبتكم على نسائكم فطلقها حذيفة.