يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم..

أ د. عمار طالبي/
إن الحرب خدعة، ومكيدة، ولا يُؤمَن فيها عدو، وما أصاب هذه الأيام من مصيبة اغتيال لقادة ومجاهدين. فهذا المجاهد هنيّة أبو العبد ركن من أركان لجهاد فقدناه على حين غرة، وهو أشد ما تكون هذه المعارك إلى تدبيره وحكمته وشجاعته وثباته.
وهذا الشهيد الذي أرهب الصهاينة، وفتك بهم، وكانوا يخشون وعيده وتهديده، غدروا به واغتالوه، ومن معه من رجال المقاومة والرأي. ندعو الله أن يتقبّل شهادتهم في اعلى عليين، وأن يرفع مقامهم، وأن يدخلهم في عباده الصالحين، برحمته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
إن هذا المصاب درس وتنبيه إلى مراجعة شؤوننا وتدبيرنا وتقصيرنا، والغفلة عن ثغرة أو ثغرات استعملها العدو ولم نأخذ حذرنا ورقابة شؤوننا، فإن شياطين الجوسسة يحيطون بنا، ويسترقون السمع، ويغرون بالمال والشهوات من يسعى لهم، ويبيع شرفه، وأخبار المجاهدين، ويتابع كل ما يمكنه من معلومات وأسرار.
ولذلك أمرنا الله بالحذر، والمراقبة، وإذا كانت المنطقة التي يوجد فيه هذا القائد أو ذاك فلا ينبغي البقاء فيها أثناء هذه الحرب، وإن تكن محصنة تحت أعماق الأرض، لأن مثل هذه الحصون لا تعجز وسائل التدمير اليوم، فلا نكون مغترّين بالحصون كما ظن اليهود، وأنهم ما نعتهم حصونهم في خبير فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، نحن نعلم أن بعض القادة استعصوا على العدو، وعلى مكره وشرائه للذمم، والخونة، فالخونة أشد من العدو في فتح الثغرات، وكشف الأسرا.
ونحن نعلم مدى انتشار الموساد وغيرهم في العالم، ومدى وصولهم إلى المعلومات باستعمال كل الوسائل القذرة الخادعة.
كما اغتالوا من حماس ابتداء من الشيخ أحمد يس رحمه الله، وكم اغتالوا من علماء الفيزياء رهبة من الخبرة النووية وهم أشد ما يخشون، فقد اغتالوا خمسا من كبار علكماء الفيزياء في طهران، وأثناء الحرب على العراق أسرع الأمريكان والصهاينة بتهجير 500 عالم فيزيائي، واغتالوا علماء في مصر، وهكذا لا يتركون سبيلا من سبل الوصول إلى المعلومات وتجنيد المخبرين والجواسيس منهم، ومن غيرهم، وهم يشعرون أن وجودهم غير شرعي وغير آمن، فيلجأون إلى الحرص الشديد على التقاط المعلومات صغيرها وكبيرها.
يستعملون اليهود في طهران والعراق ومصر ليجندونهم، كما يشترون الذمم، والخونة في فلسطين وغيرها، ويستعملون النساء للمفسدين وجرّهم لخدمتهم، وتنفيذ أوامرهم وتعلبماتهم، مع التدريب على ذلك وإكساب الخبرة.
قد يبتلي الله تعالى المؤمنين المجاهدين ليراجعوا أنفسهم لعلهم قصّروا ولم يأخذوا الحذر الشديد لحماية أسرارهم وأسلحتهم، وحماية المجاهدين، وقد وصل الجواسيس الفرنسيون أثناء ثورة الجزائر إلى اغتيال المجاهد الطود الشامخ مصطفى بن بو العيد، فاغتالوه في جبال الأوراس، من الصعب الوصول إليها، فاستعملوا آلات، فاغترّ بها ولم يأخذ حذره فأصابته شهيدا، هكذا الحروب والجواسيس والمصائب والدروس على مدى التاريخ.
حفظ الله المجاهدين وأحاطهم بعنايته، وأعلى مقام الشهداء منهم في جنات الفردوس الأعلى.