فقه الاجتهاد في العشر الأواخر مــن شهــر الصيــام والجـهــاد/ محمد مكركب
أربعة أعمال في العشر الأواخر من شهر رمضان يحسن الحرص عليها لمن استطاع إلى ذلك سبيلا. التهجد بقدر المستطاع، قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً﴾ [الإسرآء: 79]، والاعتكاف بقدر ما تيسر للمسلم والمسلمة، وقيام ليلة القدر بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر. وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، يترقبها المسلمون في ليالي الوتر من العشر الأواخر من كل عام. ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القـدر: 3] والحرص على إخراج زكاة الفطر، طهرة للصائم وطعمة للمساكين.
أولا: عبادة التهجد.
– ما هو التهجد؟
الهاجِد والهَجُود: هو الذي يصلي بالليل، وَالْجَمْعُ هُجودٌ وهُجّد. فالمتهجد هو الذي نام ليلا ثم قام يصلي. ويطلق التهجد على صلاة الليل مطلقا، سواء نام ثم قام، أم كان ساهرا مع القرآن ثم صلى ليلا.
عن عائشة رضي الله عنها، قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، [إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر] (مسلم.1174) والتهجد بالصلاة والدعاء. عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: [اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ] (رواه البخاري).
ثانيا: الاعتكاف.
- معنى الاعتكاف:
الاعْتِكَافُ لغة: الاحْتِباس في مكان للاهتمام بشيء ذي بال. عن ابن عمر رضي الله عنهما: [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان] (مسلم. 1172).
من عكف على الشيء يعكُف، ويعكِف عكفا وعكوفا: أقبل عليه مواظبا لا يصرف عنه وجهه، وقيل: أقام. ومنه قول الله تعالى: ﴿ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ﴾ [الأعراف: 138]. والعُكُوفُ: الإِقامةُ فِي الْمَسْجِدِ: قَالَ اللهُ تَعَالَى في آيات الصيام: ﴿وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ﴾ [البقرة: 187]، ﴿عاكِفُونَ﴾ أي: مُقيمون فِي الْمَسَاجِدِ لَا يخرجون مِنْهَا إِلَّا لِحَاجَةِ الإِنسان يُصلّي فِيهِ ويقرأُ الْقُرْآنَ. وكل من لازم الْمَسْجِدَ بنية الاحتباس فيه تعبدا فهو معتكف، وعاكِف. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي الْمَسْجِدِ.
والاعتكاف تَطَوُّعٌ وسنة مستحبة، يتقرب به إلى الله من وفقه الله للقيام به. والاعتكاف المستحب ليس له وقت معين بعدد الليالي أو الأيام، وأن يكون في المسجد، وبنية الاعتكاف، وعلى طهارة من الجنابة، وإن اعتكفت المرأة أن تكون طاهرة أيضا من الحيض والنفاس. ويدخل المكان الذي يعتكف فيه في المسجد في أي وقت. ومن أراد أن يعتكف كل العشر الأواخر فليدخل قبل غروب شمس ليلة بداية العشر الأواخر، ويخرج صباح أول شوال لصلاة العيد، أو بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان صح ذلك.
ثالثا: ليلة القدر.
ولقيام ليلة القدر فضل عظيم من فضائل رمضان، وكله خير من الله تعالى. ففي الحديث: [مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ] (البخاري. 2014).
متى تكون ليلة القدر؟
[تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ] (البخاري.2017)، ليلة الواحد والعشرين، وليلة الثالث والعشرين، وليلة الخامس والعشرين، وليلة السابع والعشرين، وليلة التاسع والعشرين.بماذا نقيم ليلة القدر؟
بالصلاة والدعاء، وبقراءة القرآن، وبحلقات الذكر والعلم، ومنه التدبر في القرآن. فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: [قولي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي] (الترمذي. 3513).
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: 1] أنزل الله تعالى فيها القرآن الكريم، بأن ابتدأ بإنزاله فيها، أو أنزله جملة من اللوح المحفوظ، إلى السماء الدنيا، ثم كان جبريل عليه الصلاة والسلام ينزله على رسول الله صلّى الله عليه وسلم، نجوماً في ثلاث وعشرين سنة، حسب مشيئة الله تعالى وفق الحوادث والوقائع والقضايا والأسئلة، وكل ما يشاؤه الله عز وجل. وفي سورة البقرة: ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: 185]، قال القرطبي: ﴿فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: فِي لَيْلَةِ الْحُكْمِ. {وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} [القدر: 2] قَالَ: لَيْلَةُ الْحُكْمِ. وَالْمَعْنَى لَيْلَةُ التَّقْدِيرِ. قال: سميت بذلك لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره، إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت، والأجل، والرزق، وغيره.
رابعا: زكاة الفطر.
وفي العشر الأواخر يجتهد المسلمون في الصدقات، ومنه إخراج زكاة الفطر. ففي الحديث. عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: [فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ] (البخاري. 1503).
وحكم زكاة الفطر وفق الحديث السابق أنها واجبة على كل فرد مسلم، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى. ما هو وقت أدائها، تؤدى قبل صلاة العيد، ويجوز تقديمها قبل يوم العيد مع بداية العشر الأواخر من رمضان، أي يجوز إخراج الزكاة ابتداء من اليوم التاسع عشر من رمضان، وقدرها صاع، من قوت أهل البلد، ويجوز إخراج القيمة.
ومن أخرج زكاة الفطر قبل يوم العيد بأيام، قلت ويجوز له ذلك، فإذ رزق بمولود قبل فجر يوم العيد يخرج عنه زكاة الفطر قبل الصلاة، أي قبل صلاة العيد.
قيمة الإنفاق والجود عظيمة في الإسلام. وخاصة في رمضان، وفي كل الأيام التي يحتاج فيه الفقراء، كأيام البرد الشديد، والأزمات. عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة] (البخاري. 6).