مع الإعلامي والمثقف ومبدع برنامج: «خاتم سليمان»، وشاعر الرسول الصديق سليمان بخليلي (1963-2021) وذكرياتي معه

أ. سعدي بزيان/
هو سليمان بخليلي وكيف كان أول لقائي به؟ والذي دامت علاقتي معه إلى أن دخل «مستشفى مصطفى باشا»، بسبب مرض «الكورونا»، ورحل دون أن تتم رحلتنا الثالثة إلى بسكرة حيث تقيم والدته، ومعظم أسرته. وفي البدء قراءة في سيرته ومسيرته، ورحلاته مع برنامج «خاتم سليمان» إلى جميع البلدان العربية، وبعض من الدول الأوروبية.
ولد المرحوم سليمان بخليلي سنة 1963 بالمزيرعة ببسكرة، تخرّج من معهد اللغة العربية بجامعة باتنة «الحاج لخضر»، انخرط في عالم الإعلام كمذيع ومنتج برامج تليفويونية، وقبل ذلك شغل منصب موظف ومنتج في التليفزيون، وكان أشهر برامجه «خاتم سليمان»، وكان لي نصيب من نيل هذا الخاتم، وكان ذلك في باريس حيث كان الصديق سليمان يسجل عدة برامج مع المهاجرين الجزائريين، وكان برنامجه: «خاتم سليمان» مثار إعجاب عدة محطات تلفزيونية عربية التي تولّت بثه، على نطاق واسع، دون أن ينال حقوقه.
التحق سليمان بخليلي بالإذاعة والتلفزيون الجزائري سنة 1986، وقد تدرج في الترقية ليصبح رئيس تحرير، ثم مدير إنتاج في التلفزيون الجزائري، أنتج العديد من البرامج، منها: برامج «هديناه النجدين»، و«أنغام من الجنوب»، و«شاعر الرسول»، و «القدوة»، و«ساعة من ذهب»، و«زدني علما».
توّج سليمان بخليلي بجائزة الإبداع، في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، كما تحصل في سنة 2008 على «جائزة الإبداع الذهبية» في القاهرة للإعلام العربي 14، وأسس في الأخير «قناة البديل»، وحاول خوض معارك انتخابية فلم يُوفّق.
أول لقائي به، كان في مقر اتحاد الكتاب الجزائريين بالعاصمة، كنت أسمع صوته وأرى صورته دون أن ألتقي به مباشرة، وفي يوم من الأيام وأنا جالس في «اتحاد الكتاب»، وإذا بسليمان بخليلي يدخل الاتحاد وسمع أحد الحاضرين ينادي باسمي، وبادرني سليمان بقوله: «إنها لمفاجأة سارة أن ألتقي بك مباشرة ولطالما تمنيت ذلك، وأخذت العلاقات تتوطد بيننا، ودعاني إلى رحلة إلى باريس لمساعدته على إعداد بعض البرامج ومنها برنامج «17 أكتوبر 1961»، الذي تظاهر فيه عمالنا مظاهرة سلمية وواجهتهم شرطة محافظ باريس موريس بابون المجرم، وكان يوما دمويا، ذهب ضحيته من الجزائريين أكثر من 200 شهيد في أكبر عملية إجرامية ترتكبها الجمهورية الخامسة في ظل دوغول وعصابته «بابون، ودوبري، وروجي فري»، وكان رئيس بلدية باريس بيرتراند دولانوي وهو من الحزب الإشتراكي، قد وضع لوحة تذكارية على جسر «سان ميشال»، وكتب على هذه اللوحة «هنا كانت الشرطة الفرنسية ترمي الجزائريين في نهر السين، في يوم الثلاثاء الأسود، وقد سجلنا هذه الحصة بالصورة والكلمة، ولعلها أول مرة يتعرف الجزائريون في الجزائر على هذه اللوحة المخلّدة لذكرى شهدائنا، وقد تعرضت اللوحة للتشويه، والإتلاف، إلا أن رئيس البلدية أعادها مرارا لتبقى شاهدة على جرائم فرنسا ومجرميها، وقد ثار الديغوليون وفي مقدمتهم جاك شيراك لأن جريمة 17 أكتوبر 1961 وقعت في ظل جمهورية دوغول، وشيراك يعتبر نفسه الوجه الآخر لديغول والديغوليين، وما أكثر الجرائم التي ارتبكت في حق الجزائريين في عهد ديغول.
رحلاتي مع الزميل سليمان بخليلي داخل الجزائر
وكانت بسكرة موطن أسرته أول رحلة لنا معا، حيث قامت «جمعية الروافد الثقافية لولاية بسكرة»، التي قامت في 3-2 نوفمبر 2016 بتكريمنا معا، وقد ألقيت بهذه المناسبة كلمة عن جريمة 17 أكتوبر 1961 في باريس، والدور الذي اضطلعت به طبقتنا العاملة في المهجر في الحركة الوطنية وثورة نوفمبر 1961، ولا تزال، كما قمنا سويا برحلة ثانية إلى بسكرة، ونظم لي لقاء مع عمه المجاهد عبد القادر بخليلي الضابط السابق في جيش التحرير، وأهدى لي مذكراته عن حرب التحرير، وحدثني كثيرا عن المعارك التي شارك فيها.
وكانت رحلتنا الثالثة معا إلى باتنة تلبية لدعوة من الزميل والإعلامي المعروف سمير شعابنة، للاحتفال معا بذكرى اليوم الوطني للهجرة المصادف لـ17 أكتوبر 1961، وقد حضر معنا المحامي المعروف علي هارون الذي كان أحد قادة «اتحادية فرنسا لجبهة التحرير مكلفا بالإعلام وسجناء الثورة»، وذات يوم هاتفني الزميل سليمان بخليلي، وقال لي: «جهّز نفسك لرحلة قادمة إلى وهران، حيث تتم عملية تكريمنا من أحد رؤساء الجمعيات الثقافية في وهران، وقد حجز لنا الزميل غرفا في فندق «شيراتون» العالمي، وفي هذه الأثناء دعانا الزميل والأديب والإعلامي الأستاذ بلقاسم بن عبد الله رحمه الله إلى زيارته في إذاعة تلمسان، وإجراء حديث ثقافي معنا، والأخ بلقاسم بن عبد الله من كبار المختصين في شعر شاعر الثورة مفدي زكريا، وقضينا فترة الصباح في جولة للتعرف على معالم تلمسان التاريخية، ويا لها من رحلة ثقافية.
مشروع رحلة ثالثة إلى بسكرة لم يتم
وفي الأيام الأخيرة قبل أن يفارقنا إلى عالم البقاء وعدني بالقيام برحلة ثالثة إلى بسكرة عندما تخف وطأة الكورونا، وما كان يدري رحمه الله، أنه المرض الذي سيكون سببا في رحيله، إنها خسارة، والله أكبر.
المفاجأة المؤلمة
في أحد الأيام بعد أن طال عدم اتصاله بي هاتفته، معاتبا له على عدم الاتصال بي، وكان جوابه «أنا في مستشفى مصطفى باشا»، وقلت له: ماذا حصل؟ السبب هو الكورونا التي أدت إلى رحيله، قلت في قرارة نفسي كل تأخير فيه خير، سوف يخرج من المستشفى ونقوم برحلة ثالثة إلى بسكرة، وفي الصباح الباكر وأنا على فراش النوم، يكلمني أحد الزملاء قائلا: «إن زميلك سليمان بخليلي في ذمة الله، وكانت وفاته صدمة لي، وقلت على الأقل ينبغي أن أحضر جنازته، ولكن كيف، لا أعرف أين يدفن؟ وأنا لا أملك وسيلة نقل، وقد اتصلت فورا بالزميل فرحات جلاّب في التلفزة الجزائرية، وقال لي سوف أمر عليك لتحضر الجنازة، وكان الأمر كذلك وحضرت الجنازة وتحدثت إلى إحدى القنوات التلفزيونية عن علاقتي به، رحل سليمان ورحل معه «خاتم سليمان»، ولا أحد استطاع أن يخلفه، وإن أنس لا أنسى الدور الذي قام به سليمان بخليلي في تنشيط حفل التكريم الذي أقيم على شرفي في مدينة المعذر ولاية باتنة، بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير الموافق لـ: 3 مايو 2011، وكان سليمان بخليلي والطاهر بن عايشة نجوم الحفل مع المكرم عميد الصحافيين الجزائريين في المهجر «سعدي بزيان»، وهذا غيض من فيض، وقليل من كثير مما يمكن قوله وذكره عن صديقنا الراحل سليمان بخليلي رحمه الله.
ويحتاج إلى أكثر من مقال ودراسة، ولعل أقلها نشر ما خلفه من أعمال في حقل الإعلام، أو تنظيم أمسية حوله على الأقل.