غرور الصهاينة بالأسلحة المدمرة والالكترونية إلى متى؟
أ د. عمار طالبي/
إن هذا الطغيان والغرور الصهيوني ومن يساندهم بأحدث الأسلحة، وما تقذف به الطائرات الحربية من ثمانين طنا من المتفجرات التي تضرب أعماق الأرض وتهدم عدة عمارات في مساحة كبيرة من مدينة بيروت الجنوبية، ليس ذلك كله انتصارا حاسما، إنما هو سجال ولن يمكن لهذه الأسلحة وهذه الجيوش الجرارة أن تقهر الحركات التحريرية التي تدافع بإرادة قوية لا مردّ لها من هذه الشعوب.
إن هذا العجز الذي ساد المجتمع الدولي يدل على انحدار القيم الإنسانية في الحضارة الغربية لدى قادتها التي لا يزال تلوثها بعقلية الاستعمار قائما بعقولهم، ولذلك ينادي الصهاينة بتغيير الشرق الأوسط، والهيمنة على العالم الإسلامي في مجاله الاستراتيجي، وأصبحت القيم التي تؤمن بها الولايات المتحدة نفاقا وكذبا، تدير الأزمات ولا تحلها، رغم انهزامها في العراق، وفي أفغانستان، هي وحلفاؤها الغربيون الستّون، فهي تعتمد على الاغتيال، والخداع، فلا شرف حربي يُرى في حروبها وتدميرها للبشر، كما فعلت في الهنود الحمر، وإلقاء القنبلة الذرية في اليابان، وها هي اليوم تساعد الصهاينة على تدمير عمارات سكانية بلا شرف، ولا حسبان لآلاف المدنيين في جنوب بيروت وفي غزة قبل ذلك.
فلا يظن هؤلاء القتلة المجرمون أن اغتيالهم للشهيد نصر الله الأمين العام لحزب الله هي النهاية، فإن الشعوب العربية والإسلامية لن تموت ولن تستكين، وهي تحيط بهذه العصابة الصهيونية من كل مكان، إن يومها لآت، وإن ساعة تدميرها وزوالها لقادمة، ولا يمكن لها أن تبقى في أرض فيها مقدسات المسلمين وقبلتهم الأولى، ولا يمكن لها أن تذوق الأمن، فإن غاب نصر الله، ومن معه، فإن هنالك أنصار الله آخرين قادمون، يترصدون العدو، فإذا استشهد قائد قام آخر أشد وأقوى، فإن الله يدافع عن الذين آمنوا، فإذا أصيبوا فذلك يزيد من عزمهم، وحذرهم، ويراجعون ما يمكن أن يكونوا قصروا فيه، وفي هذا نفسه دفاع الله عن المجاهدين، إنه ابتلاء يعقبه بلاء على الظالمين، وذلك في قوله تعالى: ?إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ? إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ?[الحج/38]، قال ابن باديس في تفسير هذه الآية: «قد أصاب المؤمنين يوم أُحُد ويوم حُنَيْن ما أصابهم… فإن ما أصاب المؤمنين من البلاء في أفرادهم وجماعتهم هو ابتلاء يكسبهم القوة والجلد، ويقوي فيهم خلق الصبر والثبات، وينبههم إلى مواطن الضعف فيهم، أو ناحية التقصير منهم، فيتداركوا أمرهم، بالإصلاح والمتاب، فإذا هم بعد ذلك الابتلاء أصلب عودا، وأطهر قلوبا، وأكثر خبرة، وأمنع جانبا، وإن في صبر الصابر منهم، وقد نزل به البلاء، الذي لا يقدر على دفعه، والظلم الذي لا يقدر على إزالته، -لبعثا للقوة في نفس غيره، ممن يأتسي به، وضعفا في قلب ظالمه- وفي كليهما دفع من الله عن المؤمنين»1، وأشارت الآية إلى الخيانة، وذكر ابن باديس أن الخيانة خيانتان: خيانة عقيدة، وخيانة سلوك، والخيانة للمسلمين وأماناتهم أعظم خيانة، ولذا «جاء الوعد الشديد فيمن وُلي أمرا من أمور المسلمين فغشهم، ولم ينصح لهم، فحق على السلم أن يحذر من الخيانة دقيقها وجليلها، وخاصة ما اتصل بالناس منها»2.
وهنا هل يمكن أن يكون تقاعس المسلمين وسكوتهم، وسكوت قادتهم عما يجري في فلسطين ولبنان خيانة؟
لولا ضعف العالم العربي، وانهزام بعض قادته وعجزهم، وتعاون بعضهم مع الأعداء، لما أصبح الصهاينة يمرحون في أرضهم، ويتوعدون ويتوغَّلون، ويحشدون، ويصرّحون أنهم يغيرون استراتيجية الشرق الأوسط، ومعنى ذلك استعمار بلاد العرب، والتحكم في مصيرهم، مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تؤيد الصهاينة تأييدا مطلقا.
أفيقوا يا قادة العرب والمسلمين من غفلتكم قبل فوات الأوان، وستندمون على غفلتكم، حيث لا ينفع الندم، وستحاسبون على تفريطكم يوم أن يقوم الناس لرب العالمين.
وها هي إيران تقوم بواجبها في ردع هذا المجرم، الذي ظن أنه الغالب فلا راد لغلبته، وأنه أصبح سيد الشرق الأوسط الآمر الناهي، تسانده أمريكا وتقاتل معه باعتراض صواريخ إيران التي تتهاطل على الأرض المحتلة، على قواعد الظالمين وجيشهم في يافا، وتل الربيع (تل أبيب)، والقدس وبيت لحم، كما أسرعت بريطانيا في تخفيف تهاطل هذه الصواريخ، ومنعها من الوصول إلى الأراضي المحتلة، وبهذا يتبين كيف أن الغرب لا يريد إلا البقاء مستعمِرا مسيطِرا على بلاد العرب والمسلمين ومقدساتهم.
لا يفهم الصهاينة إلا القوة الرادعة، لكن أين بقية المسلمين، هل يبقون متفرجين على مجازر إخوانهم، وتدمير وجودهم، اللهم إن هذا لمن أنكر المنكرات وأخون الخيانات.
1 آثار ابن باديس، ج1، ص213.
2 المرجع نفسه، ص213.