وراء الأحداث

بعد النشوة جاءت الصدمة والخيبة!

أ. عبد الحميد عبدوس/

يصعب أن يتوقع المرء مستوى التوحش الإرهابي الذي يمكن أن يصل إليه العدو الصهيوني في سعاره الانتقامي، ففي رده على تصدي المقاومة اللبنانية لغزوه البري، ألقى 73 طنا من القنابل ليلة الخميس3 أكتوبر الجاري،لاستهداف هاشم صفي الدين، العضو القيادي في حزب الله. من الواضح أن إلقاء كلّ هذا الكم الهائل من القنابل،لم يكن المقصود به، فقط،هو اغتيال شخص أو مجموعة أشخاص في مكان واحد، مهما كانت أهميتهم في سلم قيادة المقاومة، لكن المقصود بالإضافة إلى ذلك، هو إحداث أكبر قدر من التقتيل والتدمير والترويع في الحي الذي يضم البناية المستهدفة بالقصف بمن يوجد فيه من مدنيين ومرافق حياتية. لم يكن العدو الصهيوني ليهتم باقتصاد الذخيرة الحربية في حربه الإجرامية في غزة ولبنان، لعلمه أن الولايات المتحدة الأمريكية، قوة الشر الأولى في العالم، والعدو الألد والأشد فجورا للأمة العربية والإسلامية، تحرص على تعويضه عن كل خسائره الحربية،وذخائره المستهلكة، بل تزوده بما يفيض عن احتياجاته في السلم والحرب قبل هذه الضربة، زالت نشوة المجرم نتنياهو وأعضاء حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بعد احتفالهم بالإنجاز الذي حققوه باغتيال زعيم المقاومة الإسلامية اللبنانية الشهيد حسن نصر الله يوم الجمعة27.سبتمبر2024. وتوهم قادة الاحتلال الصهيوني أن تمكنهم من اغتيال بعض قادة حزب الله الكبار، قد ترك المقاومة بلا رأس ولا سمع ولا بصر، ولا تفكير ولا تنظيم ولا توجيه،و اعتقدوا أن الوقت قد أصبح مناسبا لاقتحام جنوب لبنان للقضاء على المقاومة الإسلامية نهائيا ،والتخلص من قدراتها القتالية بسهولة ودون كلفة تذكر،وان الغزو البري للبنان سيكون مجرد نزهة سهلة وسريعة. لكن بعد يوم واحد فقط من التوغل البري الإسرائيلي في جنوب لبنان، حلت الكارثة بجنود النخبة الإسرائيلية المقاتلة. لقد وصفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، فقدان الجيش الإسرائيلي لعدد كبير من جنوده وضباطه، بعد بدء الدخول البري إلى لبنان، بـ”الكارثة”. الجيش الاحتلال الإسرائيلي اعترف، يوم الأربعاء 2أكتوبر الجاري، بمقتل 8 ضباط وجنود بينهم قائد مجموعة برتبة رائد في وحدة «إيغوز» التابعة للكوماندوس الإسرائيلي، وإصابة 7 آخرين بجروح خطيرة في حصيلة أولية. للإشارة فإن وحدة«إيغوز» هي وحدة قتالية من نخبة جيش الاحتلال الإسرائيلي،تم إعادة تشكيلها عام 1995 بهدف قتال حزب الله فقط، وفي اليوم الموالي (الخميس3 أكتوبر 2024 ) أكد »حزب الله « أن عدد القتلى في صفوف ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي بلغ 17 ضابطا وجنديا في المواجهات التي خاضها مقاتلوه مع الغزاة الصهاينة ، وفي يوم الجمعة 4 أكتوبر 2024 أعلن الحزب أنه قتل جنودا إسرائيليين خلال عمليتين قرب الحدود، وأطلق عشرات الصواريخ على شمال حيفا والجليل مما أسفر عن حدوث أضرار وحرائق كبيرة.


لا مراء في أن إسرائيل تتفوق كثيرا على حركات المقاومة في أعمال المكر والغدر، مثل عمليات التجسس والاغتيال، وفي القتال عن بعد بالطائرات والمدافع والصواريخ التي تعطي الأفضلية لمن يملك التطور التكنولوجي، خصوصا أن إسرائيل مدعومة بقدرات الحربية والتجسسية والتكنولوجية للولايات المتحدة الأمريكية والغرب المسيحي المتصهين، إذ بعد تصاعد حدة الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية عددا من الوحدات القتالية والطائرات الحربية المتطورة، هذا الدعم الأمريكي القوي والمعلن والدائم، هو الذي يجعل قادة دولة الاحتلال الإسرائيلي يتفاخرون بأنهم قادرون على ضرب أية نقطة في الشرق الأوسط. لكن تبقى نقطة ضعف إسرائيل تتجلى دائما في المواجهات الميدانية والقتال المباشر وجها لوجه الذي يتطلب الشجاعة والإيمان. ولذلك فكلما تلقت القوات الإسرائيلية هزيمة مذلة في الميدان، لجأت إلى عمليات الاغتيال الجبانة للمقاومين واستعمال كل قوتها التدميرية للانتقام لخسائرها وهزائمها، وصب جام غضبها ونقمتها على المدنيين بتصعيد القصف الوحشي للقرى والمدن، وتدمير المنازل، ومراكز ومعابر اللجوء، ومؤسسات وطواقم الإسعاف، وقتل مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال والعجزة في جرائم إبادة لا تنقطع ولا تغتفر. لعل ما يزيد في جنون وغيظ القيادة الصهيونية، أنه كلما توهموا أنهم وجهوا ضربات قاصمة لحركات المقاومة، تعود حركات المقاومة إلى مسار الجهاد والقتال من جديد، وتنجح في إلحاق الهزائم المذلة والأضرار المؤلمة بالكيان الصهيوني، رغم أجواء الخذلان ومواقف الهوان التي يتقوقع فيها أغلب أشقائها في المحيط العربي والإسلامي… من المؤسف والمخزي أنه في ظرف الصراع الساخن بين حركات المقاومة الإسلامية وجيش القتلة الصهاينة تحولت بعض وسائل الإعلام العربية إلى أبواق لنشر الدعاية الصهيونية وتسميم معنويات المشاهدين العرب والمسلمين، وقنوات للترويج والدفاع عن الرواية الصهيونية، بل أن بعض القنوات الخليجية، لم تتورع عن تنظيم جلسات الشماتة والتشفي في خسائر المقاومة و في أوجاع المجاهدين. وإسهاما في ترويج الدعاية الصهيونية، تحول، على سبيل المال، خبر مكذوب ومسموم في جريدة فرنسية متوسطة القيمة وذات ميول صهيونية تدعى «l e parisien» (لوباريزيان) إلى “حقيقة” تداولتها وسائل الإعلام العربية، ووضعتها في مكان بارز في صفحاتها أو نشراتها. عن كون جاسوس إيراني هو من أعطى المعلومة لإسرائيل عن مكان تواجد الشهيد حسن نصر الله زعيم حزب الله، مما أدى إلى اغتياله بقصف جوي لمكان الاجتماع. لم تتساءل هذه الوسائل عن السبب الذي جعل هذا الجاسوس الإيراني الخادم للمصالح الإسرائيلية ،الذي صور على أنه يعرف كل شاردة وواردة عن خفايا المقومة وأسرار إيران وحزب الله، يصاب بالعمى والصمم والخمود أمام عملية التحضير للضربة الصاروخية الإيرانية التي لم تصل إلى علم الإسرائيليين إلا بعد الوشاية الأمريكية. أمريكا لم تكتف بلعب دور الجاسوس الأكبر لإسرائيل ولكنها قامت أيضا، بالتعاون مع تابعتها بريطانيا، بدور القبة الحديدية لحماية إسرائيل من الضربات الإيرانية. وقد اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا أنهما ساهمتا في اعتراض عدد من الصواريخ الإيرانية المتوجهة نحو كيان الاحتلال الإسرائيلي.
باستثناء الدعم الذي تلقته المقاومة اللبنانية من كتائب «القسام» في فلسطين، و«أنصار الله» في اليمن، والمقاومة الإسلامية في العراق، في إطار تساند جبهات المقاومة ضد العدو الصهيوني، إذ شارك يوم الثلاثاء الفاتح أكتوبر الجاري، بالتزامن مع القصف الإيراني لإسرائيل، كل من أنصار الله في اليمن، والمقاومة الإسلامية في العراق، في توجيه ضربات إلى المقرات والقواعد العسكرية في إسرائيل بالقذائف الصاروخية أو الطائرات المسيرة ، أما كتائب «القسام» فقد نفذت عملية بطولية داخل تل أبيب أسفرت عن قتل وجرح 23 إسرائيليا. العملية البطولية التي قام بها مجاهدان من كتائب «القسام» أكرمهما الله تعالى بالشهادة بعد القيام بالعملية، تذكرنا ببطولات فدائيي الثورة الجزائرية الذين كانوا يهجمون على العساكر الفرنسيين ويجردونهم من أسلحتهم ،ثم يقتلونهم بذلك السلاح الفرنسي قبل أن يلتحقوا بمجاهدي ثورة التحرير في الجبال ويدعمون الكفاح المسلح.. كانت جمهورية إيران الإسلامية، هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي قدمت دعمها العسكري الواضح والعلني إلى المقاومة اللبنانية والفلسطينية، بشن هجوم صاروخي واسع ومدمر بإطلاق ما لا يقل عن 200 صاروخ باليستي، تنفيذا لوعد القيادة الإيرانية بالانتقام لروح الشهيد القائد إسماعيل هنية، زعيم حركة «حماس» الفلسطينية، الذي اغتيل يوم 31 جويليه 2024 على الأراضي الإيرانية، أثناء حضوره مراسيم تنصيب الرئيس الإيراني الحالي مسعود بزشكيان، ونصرة لحركة المقاومة اللبنانية التي تتعرض لعدوان إسرائيلي وحشي على مدى أسابيع، فقد أعلن الحرس الثوري الإيراني أن ” استهداف العمق الصهيوني جاء ردا على استشهاد رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية و أمين حزب الله حسن نصر الله وعباس نيلفوروشان نائب قائد عمليات الحرس الثوري الإيراني”. رغم أن الضربة الإيرانية استهدفت بالأساس أهدافا ومنشاءات عسكرية وأمنية،فقد أدى الهجوم إلى هروب ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ. . وكالة الأنباء الإيرانية قالت إن %80 من الصواريخ أصابت أهدافها بنجاح، كما أعلن الحرس الثوري الإيراني أن 90 % من الصواريخ وصلت إلى أهدافها. حكومة نتنياهو وإدارة بايدن سارعتا في إطار الحرب النفسية الاستباقية إلى التقليل من أثر الهجوم الصاروخي الإيراني، فوصفه نتنياهو بالفاشل، ومن جهته اعتبره بايدن غير فعال.. أما جيش الاحتلال الإسرائيلي، فقد فرض تعتيما إعلاميا غير مسبوق، ورقابة عسكرية صارمة على آثار الهجوم الإيراني، وطالب مواطنيه بعدم الكشف عن مواقع سقوط الصواريخ، أو تصوير ونشر فيديوهات عن المواقع المتضررة، معتبرا أن الشفافية الإعلامية تمثل “مساعدة للعدو.”. بعد تبريد وقع الهجوم الإيراني على الرأي العام ، بدأت إسرائيل تسرب بواسطة تقسيط وتقطير المعلومات، بعض الإخبار والصور التي تظهر دمارا كبيرا في قواعد عسكرية ومقار أمنية. اللافت للانتباه ، أنه بعد يوم واحد من الرد الإيراني الذي وصفته إيران بأنه: “رد قانوني وعقلاني ومشروع على الأعمال الإرهابية”، اجتمعت مجموعة السبع الكبار بتقنية التحاضر المرئي عن بعد، وأصدرت بيانا أدانت فيه بشدة “الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل”. ويعرف الجميع أنه خلال قرابة السنة من مجريات العدوان الوحشي على قطاع غزة، وبعد أزيد من أسبوعين من تكثيف الجرائم الإسرائيلية الإرهابية على لبنان، تمادت هذه المجموعة المسماة “السبع الكبار ” في المراوغة أحيانا، والتهرب أحيانا أخرى،والتواطؤ في غالب الأحيان مع الجرائم الإسرائيلية، مما يجعل هذه المجموعة تبدو أشبه بـ”سبعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون”.
الدولة الإرهابية الإسرائيلية الفاقدة للشرعية، صنفت في جويليه الماضي(2024) الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) منظمة إرهابية، وصنفت يوم الأربعاء الماضي (2 أكتوبر 2024) الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، رمز الشرعية الدولية “شخصية غير مرغوب فيها ” وتمنعه من دخول إسرائيل، وقد سبق لإسرائيل أن منعت في العام الماضي المدعي العام لمحكمة الجنائية الدولية من دخول إسرائيل، دون تدخل أحد لردع هذه العربدة الصهيونية والتطاول الإسرائيلي على رموز الشرعية الدولية، وليس من المصادفة أن خبراء دوليين رشحوا هؤلاء الشخصيات والمنظمات لنيل جائزة نوبل للسلام هذا العام.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com