في رحاب الشريعة

رمضـــان … شهـر الانتصارات والفتـوحــات/ يوسف جمعة سلامة

شهر رمضان شهر الفتوحات والبطولات والانتصارات، شهر حافلٌ بالأمجاد والفتوحات التي نصر الله فيها دينه وأعلى كلمته وأعزَّ جنده، وأذلَّ أعداءه وهزم جيوش الكفر والطغيان، حيث امتنَّ الله سبحانه وتعالى فيه على المسلمين بالنصر والتمكين، إعلاءً للحق وأهله، وإزهاقاً للباطل وزمرته، فكانت هذه الانتصارات نبراس هداية لأبناء الأمة الإسلامية، ودرساً عظيماً لهم بأن الله ينصر عباده المؤمنين المتقين، كما في قوله تعالى:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}(1).

ومن المعلوم أن الأمة الإسلامية  كانت عبر تاريخها الطويل على موعد مع الفتوحات والانتصارات في شهر رمضان المبارك، ففي هذا الشهر المبارك وقعت أهم أحداث التاريخ الإسلامي الظافر، فما مِنْ معركة وقعت في شهر رمضان المبارك إلاَّ وكان النصر فيها حليف المؤمنين المُوَحِّدين، لقربهم من الله سبحانه وتعالى في شهر الصيام، فأيدهم الله بنصره، حتى دانت لهم الدنيا وطأطأ لهم الجميع إجلالاً واحتراماً.

الانتصارات والفتوحات في شهر رمضان المبارك

لقد شهد شهر رمضان المبارك العديد من الغزوات والفتوحات والذكريات الإسلامية الخالدة، كان فيها النصر المؤزر  للمسلمين، ومن أهمها:

–  فتح عمورية: في السادس من شهر رمضان سنة 223هـ، بعد أن جهز المعتصم جيشاً لحرب الروم استجابة لصرخة إحدى النساء المسلمات وامعتصماه، حيث حاصر عمورية وأمر بهدمها.

معركة العبور: في العاشر من شهر رمضان المبارك سنة 1393هـ السادس من أكتوبر  سنة 1973م، حيث انتصر جنود الحق على المحتلين الإسرائيليين، وارتفعت رايات الحق عالية خفاقة.

فتح أنطاكية: في الرابع عشر من شهر رمضان سنة666هـ على يد الظاهر بيبرس، حيث حاصرها  في مستهل رمضان وفتحها يوم السبت (الرابع عشر) من شهر رمضان وغنم منها أشياء كثيرة، كما وجد عدداً كبيراً من أسرى المسلمين، وكان حاكم أنطاكية الصليبي من أشد الحكام أذى للمسلمين حين احتل التتار حلب، وَتُعتبر أنطاكية من مراكز الصليبيين الرئيسة .

غزوة بدر الكبرى: في السابع عشر من  شهر رمضان المبارك من السنة الثانية للهجرة وقعت غزوة بدر الكبرى، التي أطلق عليها القرآن الكريم “يوم الفرقان”، وهي أولى المعارك المهمة في التاريخ الإسلامي، حيث كان عدد المسلمين فيها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وعدد المشركين تسعمائة وخمسين رجلاً، وكان مع المشركين سبعمائة بعير ومائة فرس، بينما لم يكن مع المسلمين سوى سبعين بعيراً وفرسين، ولكن كانت معهم القوة الإلهية والمعيّة الربانية التي لا تغلبها أية قوة في الأرض مهما كانت، وفي ذلك يقول الله تعالى:{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}(2)، فكان النصر حليف المسلمين، ويوم بدر هو اليوم الأغرّ في جبين التاريخ الإسلامي العريق، حيث كان فرقاناً ميّز الحق وأظهره، وأخزى الباطل وحزبه.

فقد فَرَّق الله سبحانه وتعالى في هذه الغزوة العظيمة بين الحق والباطل، فكتب الله فيها النصر لدينه، وأظهر رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وأطاح فيها برؤوس الكفر والشرك والظلم، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى :{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(3)، فكانت هذه الغزوة صفحة من صفحات التاريخ الإسلامي المشرق، ورحم الله القائل:

إِذَا قَامَتِ الدُّنْيَا تَعُدُّ مَفَاخِرا           فَتَارِيخُنَا الوَضَّاحُ مِنْ بَدْرٍ ابْتَدا

– فتح مكة: وكان في العشرين من شهر رمضان المبارك سنة 8 هـ، وهو الفتح الأعظم الذي أعزَّ الله به الإسلام ونصر جنده المؤمنين، وطهرَّ به بيته المُحرَّم أول بيت وضع لعبادة الله على وجه الأرض من رجس الأوثان والأصنام، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وقد كان هذا الفتح من أَجْلِ نصرة المظلومين ووفاء بالعهود.

ومن المعلوم أن رسولنا – صلى الله عليه وسلم –  عاد إلى مسقط رأسه مكة المكرمة بعد ثماني سنوات فاتحاً بعد أن أُخْرِج منها، عاد إليها على رأس جيش بلغ أكثر من عشرة آلاف من المسلمين، وقد دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مكة المكرمة دخول الشاكرين لله -عزَّ وجلَّ-، دخلها وهو راكب على ناقته تواضعاً لله وشكراً، وكادت جبهته – صلى الله عليه وسلم – أن تَمَسَّ عنق ناقته، وكان يُرَدِّدُ قوله تعالى:{وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}(4).

معركة عين جالوت: في الرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 658هـ وقعت معركة عين جالوت، وتعتبر معركة عين جالوت من الصفحات المشرقة في التاريخ الإسلامي، حيث استطاع الجيش المسلم بقيادة سيف الدين قطز ومساعده الظاهر بيبرس أن يهزم الجيش المغولي(التتار)، الذي قتل ودمَّر عبر طريقه الطويل من منغوليا حتى فلسطين، وكان يقود هذا الجيش كتبغا نائب هولاكو، ولما حمي وطيس المعركة صرخ قطز صرخته المشهورة وا إسلاماه، التي حركت المسلمين ودفعتهم دفعاً إلى الشهادة، حيث كان التتار يستهدفون القضاء الشامل على العالم الإسلامي.

فتح مدينة بلغراد: في السادس والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 927هـ تم فتح مدينة بلغراد، حيث قام السلطان سليمان القانوني بمحاصرة بلغراد انتقاماً من ملك المجر الذي قتل السفير العثماني، وأرسل السلطان قائده المشهور ” بيري ” لمحاصرة بلغراد، ثم تبعه هو حيث اشتد الحصار وَفُتحت المدينة بعد دفاع أهلها عنها، وَأَخْلَى الجنود قلعتها في الخامس والعشرين، ودخلها العثمانيون بعد ذلك حيث أدوا أول صلاة جمعة فيها.

فتح الأندلس: في الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة 92هـ كان فتح الأندلس بقيادة القائد طارق بن زياد، حيث انتصر المسلمون في هذه المعركة التي استمرت ثمانية أيام، وأصبحت الأندلس بعدها مصدراً للعلم والحضارة، ومنها أشرق نور العلم الإسلامي على أوروبا كلها، بعد أن كانت تَغُطُّ في سبات الجهل العميق.

 فما أعظم هذا الشهر المبارك الذي شهد أعظم الانتصارات والفتوحات التي شكلت نقطة تحوّل عظيمة في تاريخ هذه الأمة الكريمة.

دروس وعبــــــــر

إنّ شهر رمضان المبارك سجلٌ تاريخيٌّ حافلٌ بالأحداث العظام في تاريخ الإسلام، فهو شهر البطولات والانتصارات، فعلى المسلمين أن يدرسوا تاريخهم المجيد لالتقاط العبر والعظات، وصدق الله العظيم{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(5)، ومن هذه الدروس والعبر:

  • النصر لا يكون إلا من عند الله سبحانه وتعالى.
  • الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله سبحانه وتعالى.
  • الأخذ بمبدأ الشورى.
  • العفو عند المقدرة، كما قال رسولنا – صلى الله عليه وسلم – قولته المشهورة لسادة مكة، يوم فَتَحَها – صلى الله عليه وسلم – بعد أن استسلموا بدون قتال:( يا معشر قريش ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا، أخٌ  كريم وابن أخ كريم، فقال: فإني أقول لكم ما قاله يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء).
  • التضرع إلى الله سبحانه وتعالى والاستعانة به.
  • الثقة بالله، بأنه ما بعد العُسْر إلا اليسر، وما بعد الضيق إلا الفرج.
  • رصُّ الصفوف والمحافظة على الوحدة، فَمِنْ أسباب النصر تآلف القلوب ووحدة الصفوف، كما قال الشاعر:

رَصُّ الصُّفُوفِ عَقِيـــدَةٌ       أَوصَى الإِلَهُ بِهَا نَبِيَّه

وَيَدُ الإِلَهِ مَعَ الجَمَاعَة        وَالتُّفَرُّقُ جَاهِلِيَّــــــة

تقبل الله منا ومنكم الصلاة والصيام والقيام

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

 الهوامش:

1- سور الروم الآية (47).

2- سورة الأنفال الآية (11).

3-سورة آل عمران(123).

4- سورة الإسراء الآية (81).

5- سورة الحج، الآية (40).

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com