الافتتاحية

في ذكرى طوفان الأقصى

أ.د. عبد المجيد بيرم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين /

تحلّ علينا هذه الأيام الذكرى الأولى لملحمة طوفان الأقصى، الذي نُقشت أحداثُه بدماء الشهداء في سجل التاريخ المعاصر لنضال الحركة الوطنية الفلسطينية في مقارعة المحتل الصهيوني. وقد فرضت معادلة جديدة في الصراع مع الكيان الغاصب في فلسطين منذ إنشائه، وأفرزت هذه المواجهة مع هذ العدو واقعا مغايرا ، و فتحت جبهات متعددة في هذا الصراع ، فكان من تمام الحكمة وعين العقل بعد سنة من العدوان أن نبرز أهم ما ينبغي لفت النظر إليه، لاستخلاص الدروس، وبعث التفاؤل والأمل، وأنّ عاقبة الصبر والمصابرة ظهور ونصر، ومن جوامع كلم النبي عليه الصلاة والسلام في وصيته لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «…واعلم أنّ في الصّبر على ما تكره خيرا كثيرا، واعلم أنّ النّصر مع الصبر، وأنّ الفرج مع الكرب ، وأنّ مع العسر يسرا» . ومن هذه الدروس:

– انكشاف الأبعاد العالمية للمخطط الصهيوني للعيان وما يُبَيِّتُه من مشاريع، وأنّه أخطر ما يُرَاد بالأمة الإسلامية وأجلُّها أثرا، لما يمثله من ضمان استمرار هيمنة النفوذ الغربي على العالم، وهو ما يفسر تداعي الغرب لدعم هذا الكيان الذي زرعوه في خاصرة الأمة، وعدم استعداده للتفريط به؛ وتمادي الصهاينة في ابتزازه لاستمرار إمداده وترسيخ وجوده ماديا واستراتيجيا، وسياسيا.
– انكشاف النفاق السياسي لكثير من الدول الغربية التي تدعو إلى إيقاف العدوان، بينما هي تمدّ هذا الكيان بكل ما يحتاج إليه من مساعدة استراتيجية وعسكرية في العلن.
– التأكّد بما لا يدع مجالا للشك أنّ المراهنة على المجتمع الدولي في استرجاع الحقوق ونيل الاستقلال وتحقيق العدالة، طمع في غير مطمع، وسراب يحسبه الظمآن ماء. وقد بان عجز هذا المجتمع عن لجم الانفلات الصهيوني وإيقاف المجازر التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني، واللبناني، مع تحدّيه الصارخ لكل مواثيق ونصوص القانون الدولي والإنساني.
– بيان عوار السّردية الإسرائيلية في كون المحتلين الصهاينة مظلومين ومحاصرين في الوسط العربي، وأنّهم محسودون على ديمقراطيتهم والحرية التي ينعمون بها، بينما يعيش جيرانهم في ظل ديكتاتوريات وفي تخلف وفوضى، والحقيقة أنّ هذا الكيان يمعن في تغذية هذا الوضع لأن من مصلحته بقاء هذه المنطقة كذلك.
– كسر هيبة الكيان الصهيوني العسكرية والأمنية وإبطال دعوى بأنّه يملك جيشا لا يقهر، وقد مُنِي في 7 أكتوبر بهزيمة استراتيجية غير قابلة للترميم.
– اهتزاز صورة الكيان الصهيوني على المستوى الدولي، وسقوط دعوى المظلومية ومعاداة السّامية، وهو ما أدّى إلى خروج الطلبة والكثير من منظمات المجتمع المدني في أمريكا وأروبا وأستراليا، وغيرها… في مظاهرات واعتصامات في الشوارع والجامعات، دعما للفلسطينيين وتنديدا بالمجازر التي يرتكبها الصهاينة، وهو إنجاز مهم للمقاومة، حيث ظلّت هذه المجتمعات تحت طائلة التوجيه الإعلامي الصهيوني المهيمن لعقود.
– هجرة المستوطنين من ذوي الجنسيات المزدوجة بعدما تأكّدوا أن لا أمن ولا أمان في كيان قائم على الاغتصاب، فقد كشفت بيانات سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية أن أكثر من نصف مليون إسرائيلي غادروا بدون عودة، خلال الستة شهور الأولى من الحرب، وأنّ هذا السلوك تحول الآن إلى اتجاه دائم، ويوجد في فلسطين المحتلة ملايين من مزدوجي الجنسية الذين يحملون على الأقل جنسية واحدة أخرى بجانب جنسيتهم الاسرائيلية.
– الانشطار والارتباك في المجتمع الإسرائيلي جراء تباين مواقف النخب والتيارات، بين متطرف غال في تطرفه و بين من يخشى أن تحل عليهم لعنة الثمانين إذا تمادوا في نفس النهج الذي أثبت في نظرهم فشله، بالرغم مما يحاول الإعلام الإسرائيلي تسويقه من تماسك مجتمعي.
هذا على المستوى العام، أمّا بالنسبة لما يتعيّن علينا كعرب ومسلمين العمل عليه، فينقسم إلى العاجل الذي لا يحتمل التأخير، وما يقتضي العمل عليه على المدى الطويل، ومن ذلك:
– التفاف الشعوب العربية والإسلامية حول أم القضايا، وإعادة قضية القدس والأقصى وفلسطين على رأس الأولويات في حياة المسلمين، وهذا العنصر مهم في تثبيت الفلسطينيين على أرضهم، وصمودهم في وجه الاحتلال.
– تقوية الحاضنة الفلسطينية التي وقفت مع المقاومة بصبر منقطع النظير، وإنّ الكلمات و العبارات لتعجز عن وصف شجاعة وشموخ وثبات هذا الشعب الذي اعترف له أعداؤه بقولهم لنبيهم: «إنّ فيها قوما جبّارين»، وحسبنا تلك المشاهد التي تنقل عبر الشاشات و الفضائيات .
– توحيد الأمة وجعلها تنخرط في مشروع تحرري شامل، والبدء بالتحرر من الهيمنة الغربية في كل المجالات.
– إدراك خطورة الاعتماد على غيرنا في احتياجاتنا، ذلك أنّ ما نستورده من وسائل إلكترونية من الآخرين، قد يساعدهم على اختراقنا في العمق، وهو ما يؤكد أهمية وضرورة، تفعيل فكرة المقاطعة لكل من يدعم الكيان الصهيوني، وهذا من أنجع الأساليب السلمية التي تقضي على مشاريعه دون إطلاق رصاصة واحدة.
– إبراز دور الإسناد المادي والمعنوي الذي عزّز صمود الشعب الفلسطيني، من محور المقاومة سواء من دولة إيران أو من حزب الله في لبنان وباقي فصائل المقاومة، أو من أنصار الله في اليمن أو المقاومة في العراق، وفي الجانب الدبلوماسي فضح الممارسات اللاإنسانية التي يقوم بها الكيان الصهيوني من خلال منابر دولية في مجلس الأمن أو الجمعية العمومية أو من محكمة العدل الدولية أو من الجنائية الدولية.
– ضرورة تضافر جهود جميع الأحرار من هذه الأمّة لإيقاف حمّى التطبيع لأنظمة في محيطنا العربي، بعد إيغال الكيان الصهيوني في الإجرام في حقها، وتهاوي أوهام السلام مع العرب.
والخلاصة التي يمكن أن نخرج بها هو القدرة على تحويل الإمكان إلى حقيقة، ومواجهة غطرسة المعتدي وهزيمته.
هذه بعض بركات طوفان الأقصى وهي بداية موفقة رغم جسامة التضحيات، والتي لم تتوقف لحد الآن، مع ازدياد ضراوة المعركة، وإمعان الصهاينة في القتل والتدمير والاغتيالات، ودعم الغرب الظاهر والمستتر، وتواطؤ بعض الأنظمة، وسكوت المجتمع الدولي على هذه الجرائم. فالمطلوب من أمتنا إسناد المقاومة بكل الوسائل حتى يندحر هذا الاحتلال، والعمل على إيقاف التطبيع مع الكيان الصهيوني.
رحم الله شهداء فلسطين ولبنان، وشفى المصابين والجرحى ونصر المجاهدين وسدّد رميهم وربط على قلوبهم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com