ذكرى

من ذاكرة الجهاد والمجاهدين في الجزائر المجاهدة: مع الشاعر والمجاهد والدبلوماسي أحمد معاش 2005-1926 وذكرياتي معه، بعد مرور 19 سنة على رحيله

أ. سعدي بزيان /

عرفت الشاعر أحمد معاش عبر جريدة «البصائر» لسان حال جمعية العلماء المسلمين، وكنت أقرأ قصائده التي ينشرها في هذه الجريدة، وشاءت لي الظروف أن ألتقي به وجها لوجه في مكتب «جبهة التحرير» في دمشق حيث كان يشغل منصب نائب مدير المكتب الذي هو الشيخ محمد الغسيري، وكان ثالثهم في هذا المكتب الأستاذ العربي دورقان مترجم السفارة، وإلى المجاهد أحمد معاش يعود الفضل إلى إلحاقي ببعثة جمعية الطلبة الجزائريين بدمشق، وقد تجنبنا إحراج مدير المكتب ليدخل في شؤوني حتى لا يُتهم بالجهوية على أساس أن الغسيري من أبناء المنطقة وعرفته في قسنطينة عندما كنت طالبا في معهد بن باديس، ونزلت في إحدى المرات ضيفا على مائدته في منزلة رفقة 3 شخصيات من تجار المنطقة، جاءوا من غسيرة للتبضع من قسنطينة، وقدم لي عدة أسئلة حول وضعنا الدراسي في المعهد، وهو ليس من أسرة معلمي معهد بن باديس بل كان يشغل منصب مفتش مدارس جمعية العلماء إلى أن ألتحق بالشرق العربي ليعين مديرا لمكتب جبهة التحرير بدمشق خلفا للأخ عبد الحميد مهري، وقد احتفظ الأخ معاش بمنصبه إلى غاية الاستقلال حيث عيّن سفيرا للجزائر بالمملكة الليبية، وكان رحمه الله كلما زار الجزائر إلاّ وأدى لي زيارة في منزلي بالأبيار، وأذكر أنه ذات يوم وهو في منزلي سألني عن وضعيتي المادية، وكنت يومئذ صحافيا في جريدة «الشعب»، ولما عرف حقيقة ما أتقاضاه، اقترح عليّ العمل معه كصحافي في السفارة مقابل مرتب يساوي أكثر من ضعفي كنت أتقاضاه إلا أنني أثرت البقاء في جريدة «الشعب» إلى أن أصبحت مراسلا لها من باريس كمتطوع، ذلك أنني كنت أتلقى مرتبي في الجزائر، وبالعملة المحلية، وأذكر أن صديقي سعد بوعقبة أطال الله عمره تحدث عني بمناسبة الاحتفال بذكرى تأسيس جريدة «الشعب»(1)، وقال: «إن جريدة الشعب لا تملك سوى مراسل واحد من فرنسا وهو سعدي بزيان، ويتقاضى مرتبه بالعملة المحلية، وكان وضعي هكذا مع الصحافة الوطنية طيلة وجودي في باريس مدة أربعين سنة، وبعض الحساد كانوا يعتقدون أنني أتمتع بامتيازات خاصة، وهو تلقي أجوري بالعملة الصعبة، وأعيش في باريس.
وما هو غير معروف عند الإعلاميين الجزائريين، أن الإعلام الجزائري لا يملك مراسلا واحدا خارج الجزائر بطريقة رسمية ما عدا مكاتب وكالة الأنباء الجزائرية «و.أ.ج»، التي كان ولا يزال لها مكتب في باريس، وقد حاولت في عهد عبد الحميد مهري عندما كان وزيرا للإعلام والثقافة، إلحاقي بمكتب الوكالة دون نتيجة، وعندما أسست الجزائر مجلة «الحوار»، وأسندت رئاستها للصديق جورج الراسي، وكان مهري سفيرا للجزائر في باريس، ومحمد الميلي ممثل الجزائر في «اليونيسكو» قاما بتنصيب ج.الراسي مديرا للمجلة التي تتولى الجزائر تمويلها دون أن يكون فيها صحافي جزائري واحد، ولعل من حسن حظي أن علاقتي مع الراسي كانت جيدة للغاية، فاقترح على التعاون، وتم ذلك وكان يدفع لي مبلغا محترما عن أي مقال أنشره إلى أن توقفت المجلة.

السفير أحمد معاش يعزل من منصبه كسفير ليلتحق بالمعارضة
التقينا معا في مجلة «الوطن العربي» وهي أول مجلة عربية ولدت في المهجر «العدد التجريبي» في ديسمبر 1976، وشاركت فيه بمقالين، وها هو معاش ينشر فيها عدة مقالات كسبا للقوت، وقد عاتبته ذات يوم وأنا وإياه في إحدى المقاهي الباريسية، عن إضرابه عن الجوع أمام السفارة الجزائرية في ألمانيا، والقيام بزيارته للمغرب في وقت كانت فيه العلاقات الجزائرية المغربية تجتاز مرحلة توتر، وكل هذا وذاك زاد في ملف معاش نقاطا سوداء، تضاف إلى تصريحاته، ومع كل هذا وذاك، تسامحت الجزائر معه وعاد إلى الجزائر، وأعطيت له غرفة في فندق السفير، وسوي ملفه في وزارة المجاهدين كمجاهد، وديبلوماسي، وقد أكد لي زميل مدير مكتب في الوزارة أن ملفه درس بعناية وسوى أمره الإداري، إلا أن مرضا داهمه وأخذ ينهش جسده، وسافر إلى سويسرا ودخل إحدى المصحات، وقد اعتراه الغضب بسبب امتناع الجزائر عن التكفل بعلاجه على حساب الدولة كمجاهد وأبوه الشيخ الطيب من أقطاب جمعية العلماء، وقد أعطى للثورة الجزائرية 3 أبناءهم: الشهيد محمد معاش بن الحاج الطيب، استشهد بالقرب من تازولت ولاية باتنة في نوفمبر 1957.
الشهيد الصالح معاش بن الحاج الطيب استشهد في شلغوم العيد أكتوبر 1957.
الثالث وهو المجاهد والشاعر الديبلوماسي أحمد معاش صاحب التآليف والدواوين الشعرية، وسوف يتعرف القراء على هذه الشخصية، وهو من أقطاب جمعية العلماء ووالده الحاج الطيب من رواد الإصلاح في الأوراس.

مسار ومسيرة
للتعرف أكثر على الشاعر والمجاهد والديبلوماسي أحمد معاش.
الشاعر أحمد معاش من مواليد 1926 بولاية باتنة، شارك في الثورة الجزائرية بدءا من سنة 1955 بولاية أوراس، عيّن في سنة 1985 نائبا لمدير مكتب جبهة التحرير في دمشق، خلال رحلته إلى الشرق.

مساره الثقافي والنضالي
بدأ الكتابة ونظم الشعر في سن مبكرة، وذاع صيته على مستوى الوطن العربي كله بحيث نال عدة جوائز أدبية وأوسمة نضالية، وهذه بعضها:
-في سنة 1946 نال جائزة محمد الخامس في الشعر.
– وفي سنة 1962 نال «وسام استحقاق» من الرئيس جمال عبد الناصر.
– وفي سنة 1983 نال «وسام الجهاد» من الجزائر، كما نال التكريم من وزارة الثقافة، وجائزة ذكرى الثورة التحريرية، وتوالت عليه التكريمات، وللشاعر أحمد معاش أعمال أدبية، وشعرية، نشر البعض منها، كما صدرت أعماله الأدبية كاملة عن طريق وزارة المجاهدين، ولعل من أشهر كتبه «دواوين الزمن الحزين» منشورات دار الهدي عين مليلة بالجزائر، فلو جمعت مقالاته التي نشرها في جريدة «العرب» اللندنية، و»الوطن العربي» التي كانت تصدر في باريس لشكلت موسوعة ثقافية وأدبية وفكرية.

الشاعر والديبلوماسي والمجاهد أحمد معاش 2005-1920م، في مرآة الكاتب والمؤرخ والأديب د. سعد الله
ويقول سعد الله وهو يعرض هذا الكتاب قائلا: «فهل تراني أقدم في شخص أحمد الطيب معاش الباتني شاعرا قديما من جيل الخمسينات أم شاعرا جديدا من جيل الثمانينات، الواقع أن شعره هو الذي أوقعني في الحيرة، فقد كتبت عنه يوم أن ظهر جديدا بين القدماء، فكيف أكتب اليوم عنه، وقد ظهر قديما بين الجدد، ولعل الكثيرين من جيل اليوم لا يعرفون أنني كتبت عن هذا الشاعر قبيل الثورة يوم أن طلع هو على الأدب بقصيدته الرائعة «بين دلال الألب وجلال الأطلس» 1953م، وهي القصيدة التي تحدث فيها عن ذكرى الثامن من مايو 1945م، وقد قلت عن هذه القصيدة، إنها أقرب إلى شعر الملحمة، وأن صاحبها يكاد أن يكون «هوميروس» الجزائر، وعندما انفجرت الثورة قرأنا لأحمد معاش في «البصائر» قصيدته مشبوه، ثم اختفى هو مع المشبوهين، الذين كانوا أحد رجلين إما التحقوا بالجبال مكافحين، أو قيدوه في السجن، أليس أحمد معاش هو القائل في قصيدته «مشبوه»:
قالوا خذوه فهو مشبوه ومضوا لما في البين فانتبهوه
وقد قدم لنا د. سعد الله صورة الشاعر والمناضل.
وليتعرّف القارئ أكثر على الشاعر والمجاهد والديبلوماسي أحمد معاش رحمه الله، وأسكنه فراديس جنانه مع رفقائه المجاهدين، أردت أن أضع أمام القارئ بعضا من أعماله الشعرية والثقافية والنضالية.
أولا في الشعر:
– ديوان مع الشهداء طبع بدار «الشهاب» بباتنة 1985.
– ديوان التراويح وأغاني الخيام، 1986، المؤسسة الوطنية للكتاب.
– الوطن المقدس وقوافل الشهداء، تحت الطبع
– قصائد بيضاء في ليال سوداء، تحت الطبع
– قصائد في التاريخ والجغرافيا، معد للطبع.
– فلسطين أولا وأخيرا، معد للطبع.
– وقفات على باب نوفمبر، معد للطبع.
– وفي النثر، كلمات متقاطعة.
– صباح الخير «أحاديث ومقالات» صدر 1989 عن المؤسسة الوطنية للكتاب.
– صور من الواقع العربي والإسلامي، صدر عن الشهاب، باتنة 1989.
– وكتب أخرى، وهو عضو اتحاد الكتاب، وعضو المجلس الوطني للمجاهدين، عاش وهو يكتب رغم الأمراض التي كانت تنهش جثمانه، إلى أن لقي وجه ربه، وهذا قليل من كثير مما يقال عن الشاعر، والمجاهد، والديبلوماسي أحمد معاش.

(1) تأسست في 11 ديسمبر 1962م.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com