الجزائر الخضراء .. قصة نجاح «فؤاد معلى» : وفريقه في غرس الأشجار وتحقيق الوعي البيئي
إعداد: عبد الغني بلاش/
في ظل التطور والتقلبات المناخية واكتساح الاسمنت للمساحات الغابية والخضراء ، تبرز الجزائر بمشروع من قلب المجتمع، مشروع أطلقه أحد أبناءها البررة المحبين للطبيعة وللبيئة على وجه الخصوص، هو مشروع «الجزائر الخضراء» الذي يعد نموذجا يُحتذى به في كيفية تحويل الأحلام إلى واقع ملموس، بقيادة الناشط البيئي الجزائري فؤاد، حيث يسعى هذا المشروع إلى غرس الملايين من الأشجار وتعزيز الوعي البيئي في الجزائر، مما يعكس روح العمل الجماعي والتضامن المجتمعي.
البداية .. قصة صغيرة وحلم كبير
انطلقت فكرة «الجزائر الخضراء» من تجربة شخصية عميقة لفؤاد معلى، الذي وُلد في عائلة تحترم الطبيعة، حيث كان يقضي أوقاته مع جدته في حديقة المنزل، وكانت جدته تُعلمه أهمية العناية بالنباتات وكيف يمكن للزراعة أن تُحسن الحياة، تلك الذكريات زرعت في نفسه حبًا للطبيعة وجعلته يدرك أن غرس الأشجار ليس مجرد عمل، بل هو رسالة.
وفي عام 2013، وبعد سنوات من التفكير والتأمل، قرر فؤاد معلى أنه حان الوقت لتطبيق أفكاره على أرض الواقع، واجه العديد من التحديات في البداية، بما في ذلك نقص التمويل وعدم الوعي البيئي في المجتمع، لكن بدلاً من الاستسلام، قرر الانطلاق بشكل تطوعي وجمع مجموعة من المتطوعين الذين يؤمنون بنفس الرؤية، حيث تجاوز فؤاد وفريقه العقبات بالعمل الجاد والاجتهاد، وكانت أول حملة لزراعة الأشجار قد أُقيمت في مدينة باتنة عام 2019، إذ أن تلك الحملة تعد نقطة التحول، حيث غُرست آلاف الأشجار في يوم واحد، وأثارت هذه المبادرة حماس سكان مدينة باتنة، وبدأت بلديات أخرى تتبنى الفكرة، مما أتاح الفرصة لفؤاد لتعزيز جهوده.
مبادرة السبت الأخضر..
مع تزايد الاهتمام وانتشار المبادرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، أطلق فؤاد مبادرة جديدة سماها بـ «السبت الأخضر»، كانت الفكرة بسيطة: تجمع الناس كل أسبوع ليزرعوا الأشجار وينظفوا الأحياء. أصبح هذا الحدث جزءًا من تقاليد تلك المناطق التي ذاع فيها اسم المبادرة ، حيث يجتمع الأطفال والشباب وكبار السن كل أسبوع ليتعلموا أهمية الحفاظ على البيئة، حيث تنقلت أخبار الحملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأت تنتشر كالنار في الهشيم، مما أضاف شغفًا كبيرًا للمشروع ليصل الى الصعيد الوطني.
ترسيم المبادرة والتعاون مع السلطات
نجاح المبادرات الشعبية جذب اهتمام السلطات المحلية وحتى الوطنية، حيث بدأ المسؤولون في ملاحظة الجهود المبذولة من قبل فؤاد وفريقه، مما دفعهم لعقد اجتماع معه، حيث تم تقديم الدعم الرسمي للمشروع، مما أسهم في تسريع وتيرة العمل وتوسيع نطاق الحملة لتشمل ولايات أخرى، حيث تمكن فؤاد وفريقه من غرس آلاف الأشجار في مختلف الولايات. لم يعد المشروع مجرد حلم فردي، بل أصبح واقعًا حقيقيًا يشمل المجتمع بأسره. الأطفال أصبحوا مشاركين نشطين، حيث يتم تعليمهم قيم العناية بالبيئة والالتزام بالحفاظ على نظافة الأحياء.
خضراء باذن الله تغزو المواقع ..
لا يقتصر تأثير «الجزائر الخضراء» على الجانب البيئي فقط، بل يشمل أيضًا البعد الاجتماعي، حيث ساهم فؤاد ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي في استقطاب عدد كبير من الجمهور بسبب اسلوبه في الدعاية لهذا المشروع الذي يظهر في شكل فيديوهات يومية يتحمل فيها شيئا من الطبيعة كشجرة يغرسها او فسيلة يسقيها او معلومة يقدمها لطريقة الغرس يتناول المحتوى كيف أن الأشجار تساهم في تحسين جودة الهواء، وتقليل درجات الحرارة، وتوفير الظل، كما يدعو الجميع للمشاركة في هذا الجهد من خلال نشر الوعي بين الأجيال الجديدة، ثم يختم كلامه بشعاره « خضراء باذن الله» وهو شعار فيه من التفاؤل الكثير بأن الجزائر بعون الله تعالى ستكون خضراء بأشجارها وجنة فوق الأرض.
لقد ساهم المشروع في تعزيز العلاقات بين أفراد المجتمع وزيادة الوعي البيئي. بالإضافة إلى ذلك، أصبح هناك شعور بالتعاون والمسؤولية المشتركة تجاه البيئة.
من باتنة الى ربوع الوطن .. القصة مستمرة
«الجزائر الخضراء» أصبحت نموذجًا يُحتذى به على مستوى الوطن العربي، أظهرت كيف يمكن للناس من مختلف الأعمار والخلفيات أن يجتمعوا حول هدف مشترك، وأن يحققوا تغييرًا حقيقيًا من خلال العمل الجماعي. فؤاد، الذي بدأ كفرد واحد، أصبح رمزًا للأمل والتغيير، معززا لفكرة أن الأفعال الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى نتائج كبيرة.
يتطلع فؤاد وفريقه إلى المستقبل بتفاؤل. يعتزمون توسيع نطاق المشروع ليشمل المزيد من الولايات، وإطلاق مشاتل جديدة تتيح للجميع الحصول على الأشجار مجانًا. كما يعملون على إدراج مواد تعليمية حول البيئة في المناهج الدراسية، لتعليم الأطفال أهمية العناية بالطبيعة منذ صغرهم.
قصة «الجزائر الخضراء» ليست مجرد قصة نجاح فردية، بل هي دعوة لكل مواطن للمساهمة في الحفاظ على البيئة. فؤاد وفريقه أثبتوا أن الأمل والعمل يمكن أن يغيرا العالم. لذا، لنساهم جميعًا في غرس الأشجار، وننشر الوعي البيئي، ونؤكد على أهمية التضامن المجتمعي، وكما قال فؤاد وبتعاون الجميع ستكون الجزائر «خضراء بإذن الله».