حقوق الأرملة بين الشرع والواقع
د. منوبة برهاني/
الأرملة هي من مات عنها زوجها، غنية كانت أم فقيرة، وسميت أرملة لما يحصل لها من الإرمال؛ وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج.
والأرملة من الضعفاء الذين يحتاجون إلى من يقوم على شؤونهم ومصالحهم، والواقع المعيش يؤكد أن الأرملة في الغالب تعيش معاناة نفسية ومادية، فيحسب لها المجتمع حركاتها وسكناتها، حيث ينظر إليها نظرة متدنية قريبة إلى التصورات التي كانت تعيشها المرأة في الجاهلية. ففي كثير من الأسر تُمنع الأرملة من كل المُتع الدنيوية، فلا يحق لها الخروج من المنزل، أو حضور المناسبات والأفراح.. وليس لها أن تتزوج، فهي مصدر للنحس وسوء الحظ، وفي أسر أخرى تُقذف ويُحكم عليها بلا بيّنة.
ومما تعانيه الأرملة أحيانا أو في الغالب مشاكل أهل زوجها، فقد يُطلب منها الزواج من أحد أفراد العائلة أو من أخ الزوج بالتحديد لأجل الأولاد، كما أنها قد تصبح مصدر قلق لنساء الأسرة خوفا على أزواجهن؛ فهي محطة أنظار الجميع خاصة إذا بقيت في بيت الزوجية ليس لها أبوان أو أحدهما، بل تسوء علاقاتها مع أصدقائها والمحيط فتخشى أي امرأة أن ينظر زوجها إلى هذه الأرملة. وفي الحقيقة فإنها بعد وفاة زوجها تتعرض وأبناؤها إلى فراغ عاطفي نتيجة لغياب المعين والسند المعنوي والمادي، مما يؤدي إلى ضغط كبير من المجتمع؛ فقد ترغب في الزواج وتخاف على أبنائها، فتعيش في صراع بينهما. وخلاصة القول صار موقف المجتمع منها يتحدد بحسب قيمه وأخلاقه، ومدى التزامه بالدين وهذا الأخير يلعب دورا في تشكيل الصورة الاجتماعية عن الأرملة.
أما عن الرؤية الإسلامية للأرملة فتختلف عن الواقع، فلقد راعاها الشرع وأولاها اهتماما كبيرا، جبرا لضعفها، وإصلاحا لشأنها، وجعل كفالتها من أعظم العبادات، قال النّبي -صلى الله عليه وسلم -: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار) رواه البخاري، وفي شرح الحديث قال ابن بطال: «من عجز عن الجهاد في سبيل الله وعن قيام الليل وصيام النهار، فليعمل بهذا الحديث وليسْعَ على الأرامل والمساكين ليُحشر يوم القيامة في جملة المجاهدين في سبيل الله دون أن يخطو في ذلك خطوة، أو ينفق درهما، أو يلقى عدواً يرتاع بلقائه، أو ليحشر في زمرة الصائمين والقائمين وينال درجتهم وهو طاعم نهاره نائم ليله أيام حياته، فينبغي لكل مؤمن أن يحرص على هذه التجارة التي لا تبور، ويسعى على أرملة أو مسكين لوجه الله تعالى فيربح في تجارته درجات المجاهدين والصائمين والقائمين من غير تعب ولا نصَب، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء».
ومن عناية الإسلام بالأرملة أن جعل لها حقوقا كالميراث من زوجها المسلم إن كانت مسلمة، فترث الربع إن لم يكن لزوجها فرعا وارثا، أو لها الثمن إن كان له فرع وارث، قال الله تعالى:[وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم [ النساء/12. كما أن لها السكنى في المنزل الذي مات فيه زوجها حتى تنتهي عدتها، سواء أكان المنزل ملكا لزوجها أم مستأجرا لقول الله عز وجل: [لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ] الطلاق/1 وهو رأي الجمهور من أهل العلم.
فالإسلام ينظر للأرملة نظرة تعاطف وتراحم باعتبار ظروفها الخاصة، وما تعيشه بعد رحيل زوجها، فهي تحتاج لمن يساندها ويعينها، والشرع الحنيف لا يفرّق بين الأرملة أو غيرها من النساء ممن تختلف ظروفهن عنها، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخلصا لزوجته خديجة وهي أرملة؛ بل معظم أمهات المؤمنين كنّ أرامل لأصحابه، إلا عائشة بنت أبي بكر الصديق – رضي الله عنهما- فهي الوحيدة البكر. حيث كان –عليه الصلاة والسلام- يعولهن ويقوم بكفالتهن، ويرفع من قدرهن إلى درجة ما كنّ يستطعن الوصول إليها بغير ذلك. قال أبو طالب عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَة لِلأراملِ»؛ أي يعين اليتامى، ويتولى أمرهم ويقوم بهم، ويمنع الأرامل ما يضرهن. ويقول عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: في رواية للحاكم: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا يستنكف أن يمشي مع الضعيف والأرملة، فيفرغ لهم من حاجاتهم).
فوفاة الزوج قدَر من الله، وليس للأرملة أي ذنب فيه، لذلك أجاز الشرع لها الزواج بعد انتهاء العدة أو وضع الحمل حتى تعفّ نفسها، أو لها أن تختار البقاء مع أبنائها ورعايتهم ولا تتزوج، ومن المعلوم أن الله وعد الذين صبروا على الضراء ونوائب الدهر بالأجر العظيم، قال الله تعالى:[ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ] هود/11، ولعل الأرملة التي تقوم بتربية الأيتام وتقعد بعد وفاة زوجها بدون زواج للتفرغ لأبنائها، وتسعى لأن تنشئهم التنشئة الحسنة، وتلعب دور الأم والأب معا، سيكون ثوابها جزيلا، وأجرها عظيما عند الله.