وراء الأحداث

المجرم نتنياهو يتحدى المجتمع الدولي من الأمم المتحدة!

أ. عبد الحميد عبدوس /

كان يوم الجمعة الماضي (27 سبتمبر) يوما فاجعا وموجعا للمتعاطفين مع جبهات المقاومة ضد العدوان الإسرائيلي،فبعد ساعات قليلة من إعلان نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة أن: «إسرائيل تسعى إلى السلام، لكنها ستقاتل في غزة إلى أن تحقق النصر الكامل، وستواصل ضرب لبنان إلى أن تحقق هدفها» اهتزت الضاحية الجنوبية لبيروت بسلسلة غارات مزلزلة و مدمرة بالطائرات الأمريكية التي استهدفت ـ حسب وسائل الإعلام الإسرائيلية ـ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والذي ظل مصيره مجهولا (إلى حين كتابة هذه السطور) بين صمت حزب الله أو تفاديه التطرق إلى حقيقة وضع زعيمه بعد الضربة، وبين تأكيد مصادر الجيش والمخابرات الإسرائيلية مقتل حسن نصر الله في قصف مكان اجتماعه مع قيادات أخرى لحزب الله داخل المقر المركزي للحزب الذي تم تدميره. لم يكن من المستغرب أن يتصرف نتنياهو كمجرم حرب يقود كيانا إرهابيا موغلا في القتل والتدمير والإبادة الجماعية، لكن من المستغرب ان يستمر الخرق الأمني في صفوف حركة حزب الله ،بل استمرار هذا الاختراق الأمني وتوسعه في أوساط حزب الله الذي كان يبدو قوة منيعة وعصية على الانكسار. لا أحد ينكر التقدم التكنولوجي الكبير للعدو الصهيوني واستفادته من الدعم والتعاون الأمريكي والغربي. لقد استعملت إسرائيل منذ بداية حربها على لبنان التي أطلق عليها قائد الأركان الإسرائيلي اسم «سهام الشمال» كل خبراتها التجسسية والسيبرانية والقوة الجوية.

فمنذ استشهاد قائد قوة الرضوان (النخبة القتالية لحزب الله) فؤاد شكر في 30 جويليه الماضي، ثم استشهاد خليفته، إبراهيم عقيل في 20 سبتمبر الجاري، ثم أحمد وهبي، قائد وحدة التدريب المركزي، ثم إبراهيم قبيسي، قائد قوة الصواريخ في 25 سبتمبر، ثم محمد سرور، قائد قوة المسيرات في 26 سبتمبر، ثم حسن نصر الله، زعيم الحزب، في حالة التحقق من استشهاده، في 27 سبتمبر. كل هذه الاغتيالات الإرهابية تمت بنفس الطريقة تقريبا، وخلال أيام متتابعة، بما يوحي بنجاح إسرائيل في الوصول إلى قادة حزب الله وإخراجهم من ساحة المواجهة. صحيح أن الذي يختار طريق الجهاد عليه أن ينتظر الشهادة في كل وقت ويعتبر نيلها كرامة من الله تعالى. لكن الدخول في حرب مع عدو بلا مبادئ، ولا أخلاق المحاربين، يتطلب الإعداد واليقظة والاحتياط من أساليب المكر والغدر وانتهاز الفرص.
تقول صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية إن سلسلة من الهجمات التي نفذتها إسرائيل ضد حزب الله، وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، تركته في حالة من الصدمة، ومن قدرة إسرائيل على اختراق الجماعة، حيث واجه صعوبة في سد الفجوات، وأضافت الصحيفة إن إسرائيل راقبت حزب الله وهو يبني ترسانته، منذ أن وقّع الطرفان هدنة في عام 2006، بعد حرب استمرت 34 يوماً. بغض النظر عن مسرحية التلاسن والتلاعب بالحقيقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل حول علمها أوعدم علمها بشكل مسبق بالضربة الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية التي استهدفت قيادات حزب الله، وعلى رأسهم زعيم الحزب السيد حسن نصر الله، حيث أكدت الجهات الإسرائيلية أنها أعلمت الولايات المتحدة بالضربة وتوقيتها، ونفي الرئيس الأمريكي ووزارة الدفاع الأمريكية علمهم المسبق بالضربة أو المشاركة فيها، فمما لاشك فيه أن إقدام إسرائيل على مثل هذه المخاطرة العسكرية الكبرى، والتي قد تفتح الباب أما م الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة، لا يتصور حدوثه دون الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي، حيث يمكن لأمريكا أن تنجر ـ نتيجة هذه الضربةـ إلى الدخول في صدام مسلح مع إيران في حالة ردها على الضربة الإسرائيلية وتنفيذ وعيدها بالرد على العدوان الإسرائيلي، لقد أكدت إيران أن الضربة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية «غيرت قواعد اللعبة وأن إسرائيل ستتلقى العقاب المناسب». وفوق ذلك فقد تمت الضربة بواسطة طائرات أمريكية الصنع وقنابل تدميرية أمريكية الصنع كذلك تصل زنتها 2000كلغ. أكدت الأنباء أن القصف الإسرائيلي تم بواسطة الطائرات الحربية «إف-35» (f35) الأمريكية الصنع والأكثر تطورا في العالم والتي رفضت الإدارة الأمريكية بيعها لدول عربية وإسلامية، حتى وإن كانوا نظريا من حلفاء الولايات المتحدة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة وتركيا، ولا تملك هذا النوع من الطائرات الحربية في العالم سوى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وعدد محدود من دول الحلف الأطلسي، وهي تنتمي إلى الجيل الخامس من الطائرات المقاتلة الشبحية، دخلت الخدمة في سلاح الجو الأمريكي عام 2015.
اللافت للانتباه أنه في الوقت الذي كان الرئيس جو بايدن يدعو من منبر الأمم المتحدة خلال أشغال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة إلى التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، كان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي المجرم بنيامين نتنياهو يتحدث عن تصعيد الهجوم على لبنان. وبعد ساعات من صدور مقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن لوقف مؤقت لإطلاق النار في لبنان، ورغم ترحيب رئيس الحكومة اللبناني بالمقترح، سارع رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي المجرم نتنياهو إلى رفضه والتأكيد بأن الحرب ستتواصل حتى تحقيق الأهداف الإسرائيلية، وعزز جيش الاحتلال الإسرائيلي صفوفه باستدعاء لوائين كاملين من قوات الاحتياط لمواصلة العمليات الحربية.الرئيس الأمريكي جو بايدن كان يتحدث من على منبر الأمم المتحدة، وكأنه رئيس جمعية خيرية إنسانية ، وليس بصفته رئيسا لأقوى دولة في العالم، بإمكانه كبح جماح جنون القتل الإسرائيلي، وإصدار أوامره للحكومة الإسرائيلية بوقف إرهابها الوحشي على لبنان وقطاع غزة، وإلزامها بوقف انتهاكاتها المتكررة والسافرة للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ومقررات جمعية الأمم المتحدة وأحكام محكمة العدل الدولية والاتفاقيات والمعاهدات الدولية. احد الدبلوماسيين الأمريكيين رد على تصريحات بايدن بالقول بأنه ليس على أمريكا إقناع إسرائيل بوقف الحرب، ولكن عليها أن تملي أوامرها لوقف الحرب. إدارة الرئيس بايدن لا تكتفي بعدم معاقبة نتنياهو على استهانته بمقترحات ومبادرات الرئيس الأمريكي، وتعنته في مواصلة حملته الإرهابية وضربه عرض الحائط بكل المبادرات الأمريكية لتحقيق وقف إطلاق النار سواء في غزة أو في لبنان، ولكنها تواصل مكافأة حكومة الاحتلال الإسرائيلي بكل أشكال الدعم المالي والعسكري. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حذر في كلمته الافتتاحية من ظاهرة الإفلات من العقاب السائد في العالم، الذي شبه هذا الوضع بالتوجه نحو برميل بارود يهدد بإشعال العالم، قائلا: «إن مستوى الإفلات من العقاب في العالم لا يمكن الدفاع عنه على المستوى السياسي وهو غير مقبول أخلاقيا.».
ولا شك أن تواطؤ الإدارة الأمريكية المفضوح في حماية ودعم جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة في غزة ولبنان، هو الذي شجع المجرم نتنياهو على تنفيذ وعيده بتحويل جنوب لبنان إلى غزة. فبعد أسبوع واحد من الحرب على لبنان بلغ عدد الضحايا إلى حوالي 700 شهيد، وآلاف الجرحى.فعلى سبيل المثال، تم في يوم واحد فقط (يوم الاثنين 23 سبتمبر) إلقاء الطائرات الإسرائيلية 2000 قنبلة أدت ـ حسب وزير الصحة اللبناني ـ إلى مقتل 492 شخصا من بينهم 35 طفلا و58 سيدة وإصابة 1645 بجروح، وفي اليوم الموالي (الثلاثاء 24 سبتمبر) ارتفع عدد الشهداء إلى 558 لبنانيا، وإصابة 1835 جريحا. الوزير اللبناني أوضح إن من بين الشهداء 50 طفلا و94 امرأة، وأن الأغلبية العظمى إن لم يكن كل من استشهدوا أو أصيبوا هم مدنيون عزل، مؤكدا أن هذا: “ينافي كل الكذب الذي قاله العدو إنه كان يستهدف قوات مقاتلة”. لم تكتف دولة الإجرام الصهيوني بقصف المدنيين العزل، بل إنها وسعت قصفها ليشمل حتى عمال الإغاثة الإنسانية وتباهى الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن الطيران الإسرائيلي استعمل في قصفه للبنان رؤوسا حربية تزن حوالي 1000 كيلوغرام.
لقد صور الناشط الأمريكي تشارلز ماكبرايد ما يجري حاليا في غزة و لبنان بالقول: «الإرهاب أمر غير مقبول وعلينا أن ندينه في كل الحالات إلا إذا مارسته الولايات المتحدة، في هذه الحالة يمكننا أن نسميه دفاعا عن الديمقراطية، وإذا مارسته إسرائيل أيضا ففي هذه الحالة يمكننا دائمًا أن نطلق عليه دفاعا عن النفس». جرائم إسرائيل جعلت بنيامين نتنياهو يبدو منبوذا في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك التي شارك فيها أكثر من100 رئيس دولة وحكومة من بينهم رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، والوزير والرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني، نجيب ميقاتي، فقبل دخول المجرم نتنياهو قاعة الاجتماعات قوبل باحتجاجات المعارضين للحرب على غزة ولبنان، ثم استقبل داخل القاعة بهتافات الاستهجان وصيحات الاحتجاج، ومغادرة ممثلي عدد كبير من وفود الدول الأعضاء بالأمم المتحدة حتى بدت القاعة شبه فارغة. قبل إلقاء نتنياهو لخطابه المستفز والمتحدي للإرادة الدولية. وللتغطية على هذا الوضع المهين دعت البعثة الإسرائيلية مجموعات كبيرة من مؤيدي الكيان للتصفيق لنتنياهو ووزعت مقاعدها على الجناح المخصص للضيوف على جانب القاعة والطابقين الثالث والرابع المخصصين للمدعوين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com