الحدث

وثيقة تاريخية تنشر لأول مرة حول حرب لبنان ومساهمات رجال الجمعية

لبنان والحرب الظالمة في أدبيات وأقلام رجال جمعية العلماء ..

أ. محمد مصطفى حابس جنيف/سويسرا /

إسرائيل بعد أن دمّرت غزة ماديا واجتماعيا، بمساعدة كبرى القوى الدولية وبتشجيع من بعض الانظمة العربية، اقتنعت أنّها خسرت الحرب لأنّها لم تستطع تركيع شعب غزة الأعزل بل ألهبت مشاعر شعوب العالم الإسلامي والإنساني للوقوف مع غزة وشعب غزة، بما تيسر حتى بالدموع والشموع على حالها وشهدائها!! ها هو يستيقظ لبنان الجريح هذا الأسبوع على وقع الهجوم الوحشي، الذي شنته إسرائيل يوم الاثنين (23/09/2024) وكأنّ الزّمن يعود بنا إلى تلك اللحظات القاسية التي عاشتها غزة قبل سنوات، حينما ادعى قادة الاحتلال أن حربهم ليست على الشعب الفلسطينيّ، بل على حركة «حماس»!!

واليوم يتكرر السيناريو الدموي المرير نفسه، شكلا ومضمونا، ليكون العنوان الذي تسوقه لنا إسرائيل وزبانيتها في الشرق وأبواقها في الغرب، مفاده «حربنا ليست على الشعب اللبناني، ولكن ضدّ «حزب الله»، فقط!!
كم هو مخز وتافه هذا الإسقاط الهزيل، وتتجرعه شعوبنا بمرارة.. !!
رغم ذلك في نهاية المطاف، ستبقى الحقيقة واضحة كالشمس: إسرائيل تقتل، تدمر، وتعيد المسرحية الدموية ذاتها، والعالم يشاهد بصمت لا يحرك ساكنا، ربما لأنه لم يعد يملك ذاكرةً تذكره بأن للدماء صوتًا، وللأرواح ثمنًا!!.
كم هو مؤلم أن نشهد تكرار هذا المشهد الجارح، حيث يتحول قتل الأبرياء إلى حقيقة دائمة، إلى قدر لا مفر منه. كم هو قاس أن يصبح الزمن هو زمن المحتل وحده، والتعذيب والتهجير وتيتيم الأطفال هي هوايته المفضلة. إنهم وحوش القرن، هؤلاء الذين أعدموا غزة واليوم يغتصبون لبنان، والعالم يقف متفرجاً، وكأنه عقد اتفاقاً أزلياً مع الظلم والظالمين!!.
نقولها بإيمان صادق لا يزعزعه شك: «أنّ للبيت ربا يحميه!!»، أما نحن كشعوب مغلوبة على أمرها لا نملك إلاّ أن نرفع أصواتنا عالياً، ونصيح بقلب ينبض بالحزن والغضب والأمل. أنّ هذا الواقع المرير يفرض علينا أن نكون أقوى بثقتنا في الله وحده، أن نتمسك بحقنا في الحياة، بحق شعوبنا في العيش بسلام على أراضيها. لن ننسى، لن نغفر، لن نتسامح، وسنبقى دائماً على يقين بأن يوماً ما سيأتي عاجلا غير آجل، يوم يحاسب فيه الظالمون على كل دمعة سكبت، وعلى كل روح أزهقت، بل وعلى كل بسمة طفولة بريئة صودرت !!.
لا يستطيع اللبنانيون اليوم، حتى لو أرادوا، أن يلغوا ذاكرتهم فيسقطوا منها التشابه بين مشاهد دموية موجعة لأحداث عاشوها فعلاً طوال الحرب الإسرائيلية على لبنان وفلسطين و دول الجوار مرات ومرات، علما أن لبنان -تاريخيا – كان أول بلد عربي يشير إلى رغبته بتوقيع معاهدة هدنة مع إسرائيل عام 1949، بتوجيه من فرنسا اللعينة، التي لازالت لحد اليوم هي التي تدير مقود وجهتها!!.

نقطة تحوّل في ما يتعلّق بالتصوّرات العالميّة لإسرائيل المغتصبة للأرض والعرض !!
أيام الحرب الأهلية اللبنانية متعددة الأوجه في أرض الكرز، والتي استمرت من عام 1975 إلى عام 1990، وأسفرت عن مقتل ما يقدر بـ 120 ألف شخص، وما يقرب من 000 76 شخص لا يزالون مشردين داخل لبنان، حتى العقود الأخيرة. كما كان هناك أيضا نزوح لما يقرب من مليون شخص من لبنان نتيجة للحرب، التي خاضتها إسرائيل على لبنان سنة 1982، التي استهدفت إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية عسكريّاً وسياسيّاً وتحويل الحرب الأهلية اللبنانية لصالح حلفائها من اليمين اللبناني، صراعاً امتد لثلاثة أشهر أُقحمت فيه قوى عسكريّة أخرى في قلب بيروت، من بينها القوات السورية ومختلف الميليشيات اللبنانية، وفي نهاية المطاف قوة متعدّدة الجنسيّات لحفظ السلام. كانت الحرب مدمّرة بشكل هائل، سواء من حيث الضحايا في الأرواح أو الخسائر في الممتلكات أو من حيث تمزيق نسيج لبنان السياسيّ، الممزّق أصلاً بفعل الحرب الأهليّة أسفرت الحرب عن احتلال إسرائيليّ أجزاء من جنوب لبنان استمر حتى سنة 2000، محقّقة نكسة كبرى لمنظّمة التحرير الفلسطينيّة. ومن بين لحظات الحرب الأكثر بروزاً وتميّزاً مجزرة صبرا وشاتيلا المشينة، التي قام خلالها مقاتلو قوات الكتائب اللبنانية «القوات اللبنانية»، تدعمهم إسرائيل، بقتل ما يزيد عن ثلاثة آلاف من المدنيّين الفلسطينيّين كان الاجتياح الإسرائيلي واستمرار احتلال جنوب لبنان مثار جدلٍ كبير، سواء في إسرائيل أو في الخارج، وشكّل نقطة تحوّل في ما يتعلّق بالتصوّرات العالميّة لإسرائيل المغتصبة للأرض والعرض ليس فقط الفلسطيني، بل السوري واللبناني والأردني، وما خفى أعظم.

وثيقة تاريخية تنشر لأول مرة حول حرب لبنان ومساهمات رجال الجمعية:
في تلك الفترة كان للشيخ بوزوزو بصماته السلمية التوافقية البارزة عبر لقاءاته في مكتبة الزيتونة بجنيف بوجوه لبنانية وفلسطينية متعددة مسيحية ومسلمة، ولقاءاته في مجلس حوار الأديان، وتسجيلاته في الإذاعة السويسرية، وفي إطار هذا النهج التقريبي بين وجهات النظر، نشرت اللجنة الدولية للهلال والصليب الأحمر الدولية ومقرها في جنيف المعلومات التالية، قائلة: «في استشارتنا للعديد من الدكاترة والقانونيين والعلماء المسلمين، وفي عام 1966، أنتج إبراهيم زريقات برنامجًا عن الفكر الإنساني في القرآن الكريم، وقدم بعض الآيات التي تناولت حماية المدنيين في زمن الحرب وكذلك معاملة الأسرى. وفي عام 1977، تحدث عالم الأديان الجزائري الشيخ محمود بوزوزو لميكروفون اللجنة الدولية عن أوجه التشابه بين الرسالة القرآنية ومبادئ اتفاقيات جنيف»..
ومنها أيضا لما دعي، لإلقاء كلمة، قصد رصّ صفوف الشعب اللبناني الواحد، على اختلاف طوائفه ومشاكله، وتضميد جراحه، في وثيقة كتبت بالفرنسية في سبعينات أوثمانينات القرن الماضي، من أرشيف الشيخ بوزوزو في الأمم المتحدة، تنشر لأول مرة نقتطف منها ما يلي، وتحت عنوان: من أجل سلامة وسلام لبنان كتب شيخنا رحمه الله يقول:
عندما أسمع أو أقرأ كلمة لبنان، أتذكر على الفور قصيدة لحليم دموس (الشاعر الكبير المسيحي المؤمن (1306-1377 هـ/1888-1957))، وسأقرأ منها مقطعاً باللغة العربية، وأترجمه بعد ذلك، وأنشد يقول:
أَقَمْتُ بِلُبْنَانَ زَمَانًا حَسِبْتُهُ  *** نَعِيمًا، كَذَا فِي جَنَّةِ الخُلْدِ نَنْعَمُ
هُنَا كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ مِنْ شَقَائِهِ  *** لَهُ الحُبُّ سُورٌ وَالسَّلَامَةُ مِعْصَمُ
وَلَا حَسَدٌ فِيهَا وَلَا حَرْبَ حَوْلَهَا  *** وَلَيْسَ بِهَا لَوْلَا احْمِرَارُ المَسَا دَمُ

شارحا ومترجما الأبيات بتوسع، منها قوله، تقريبا:
«خلال إقامتي في لبنان، اعتقدت أنني في الجنة حيث ننعم بالسعادة الأبدية؛ ليس هناك علامة حزن، ولا أثر لسوء الحظ، ولا شيء يزعج نقاء الرفاهية التي تسود كل مكان، إنه سوار من الحب يطوق معصم السلام؛
لا غيرة هنا، ولا حرب حولها، لا شيء -باستثناء احمرار الأفق عند شفق المساء – يذكّر بلون الدم!!
ويضيف الشيخ محمود بوزوزو قائلا بفرنسيته الراقية:
هكذا كان لبنان حين كُتبت هذه الأبيات: أرض السلام والمحبة والأمن والرفاهية والهدوء والسكينة، الأرض الرائعة التي ألهمت العديد من الشعراء روائع العبارات ..»
ثم يسترسل في سردياته الماتعة حول براءة شعب لبنان وطيبة أهله: «حدث آخر تظهر أمامي الأن صورته التي لا تمحى من ذاكرتي، عند استحضار هذا البلد الجميل، تستحق أن أرويها لكم يا سادة يا كرام: في إحدى رحلاتي إلى لبنان، وأنا في العاصمة بيروت، جالس على حافة بستان مليء بالأشجار المتنوعة. كنت معجبا بالمناظر الطبيعية الجميلة وأفكر في طبيعتها الخلابة، وفجأة دنت مني فتاة صغيرة مبتسمة بيدها سلة مليئة بالفواكه؛ فأخذت قطعة من الفاكهة ووضعت يدي في جيبي لأدفع لها الثمن؛ وفي لمح البصر تختفي الفتاة خلف الأغصان المتشابكة، تاركةً إيّايّ بقلبٍ مُنشرح أسبح بحمد ربي !!

لبنان: أرض الترحيب، والضيافة بالتقاليد العربية الأصيلة :
وتحت عنوان هذا هو لبنان أردف يقول: «لبنان: أرض الترحيب، والضيافة الطبيعية، والكرم العفوي، في التقاليد العربية الأصيلة، في عمومه.. وعلى المستوى الاجتماعي، قدم هذا البلد للعالم بشكل واضح مثال المجتمع المتحضر، الذي يعيش التسامح في تنوع المعتقدات، مجتمع سلام بامتياز!!
هذا السلام الذي يتردد صداه بين الكائنات التي تحب خير البشرية جمعاء وأمنها، هذا السلام الذي يدعو إليه المصلون في كل مكان بكل أمانيهم، متضرعين إلى الله أن ينشر رحمته على العالم الذي كثيرا ما يتناساه، هذا السلام الذي يتكرر في لغة المسلمين في التحيات المعتادة، في الصلاة وبعدها، بالتعبير الشائع «السلام عليكم». وهذا يعني أن المسلم الواعي لمعنى التزامه الروحي مطلوب منه أن يستجيب للدعوة الصادقة للسلام ولو من خلال الحقيقة البسيطة وهي أن كلمة «الإسلام» مشتقة أصلا من فعل يعني: الخلاص، الأمن، السلام !!
مستخلصا بقوله: « بكل هذه القيم يحتل لبنان مكانة خاصة في قلوب الكثيرين. أنا شخصياً لا أستطيع أن أتخيل أن هذا البلد المسالم والهادئ سيغرق في يوم من الأيام في الفوضى وانعدام الأمن. إن المأساة التي يعيشها اليوم لبنان تحطم قلوبنا لأنه بلد عزيز علينا!!»
مختتما متسائلا: «فهل هناك ضرورة لوضع المسؤوليات في المأساة التي تمزق لبنان؟ لهذا علينا أن نذهب بعيدا جدا. وعلينا أن نتذكر أن الإنسان قد نسي دعوته الحقيقية، بانحرافه عن القيم الأخلاقية والروحية المعلنة، وسمح لنفسه بأن يضلل بأهوائه. ومن خلال استعادة هذه القيم يمكن أن يتغير الوضع المأساوي في لبنان وأماكن أخرى. أما أصحاب النوايا الحسنة الذين يظلون متمسكين بشدة بهذه القيم، والذين يجدون أنفسهم غير قادرين على التأثير بشكل مباشر على الأحداث، فكل ما عليهم فعله هو الدعاء (الصلاة) على أمل أن يفسح ضجيج الأسلحة المروع المجال لنداء الفترة الواهبة للحياة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com