كلمة حق

يا لها من قلعة مظلومة !!

أ د. عمار طالبي/

شددنا الرحال إلى المرسى وبلديتها التي تضم المخيم العائلي، الذي تقيم فيه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أيام (13،14،15) الجامعة الصيفية، لدراسة الوحدة الفكرية الثقافية للجمعية، والأمة، تلك الوحدة التي أصابها خلل، لأن الثقافة ليست سوى الدم الذي يمسك الهوية، ويجري في أوصالها حافظا لها من أي عدوان ثقافي آخر يهدد كيانها أو يضعف هويتها.
ونحن نشاهد في عصرنا هذا اشتداد الصراع الفكري الثقافي السياسي في العالم، فأصبحت الثقافة الغربية توجه عدوانها الثقافي على الثقافات الأخرى، فيما أصبح يسمى العولمة، ومحاولة قولبة هذه الثقافات في قالب واحد، ونمط واحد، يفرض عليها فرضا لتبقى متخلفة، وسوقا لها، وتبعا لهويتها، وهي تهاجم بوسائلها الإعلامية السياسية الثقافية بقوة علمية مدروسة غالبة، فما لم نحصن شبابنا بتغذيته بغرس مقوماتنا وقيمنا الدينية الأخلاقية الاجتماعية، فإننا نفقد وجودنا الثقافي.
وصلنا إلى هذا المخيم وأخذنا نتحاور في هذه المشكلة الجوهرية، التي تقام على أساسها وحدة توجهنا، ووحدة جمعيتنا وأمتنا.
وسعي الجمعية إنما هو التعاون مع السلطة في بلادنا للدفاع عن مقوماتنا ووجودنا الثقافي إزاء هذه الأمواج الفكرية الثقافية، والمراكز البحثية التي تخطط لهذا الصراع الفكري الثقافي الذي تؤسس عليه المساعي الاقتصادية جوهر الصراع بين الأمم ومصالحها التي تمهد لها بنشر ثقافتها ولغتها، وأنماط حياتها ليكون غيرها تبعا، يسهل ابتلاعه، ونهب الثروات.
إننا نرى أن أمم الغرب بسياسة قادتها يعارض بعضها قرارات محكمة العدل الدولية، وبعضها يقيم عريضة ضد حكمها في شأن الإبادة الجماعية الصهيونية، مع قيام أدلتها أمام أعين العالم، ويرسل الصهاينة إلى سفارتهم في الولايات المتحدة الأمريكية أن تتجند مع قناصلها، وتجند الكنجرس الأمريكي للضغط على جنوب إفريقيا لتسحب قضيتها ضد الإبادة والتصفية العنصرية، الذي يجري اليوم دون توقف، وهذا عدوان على أعلى محكمة دولية قانونية، والاستهتار بكل قرار أممي يصدر عن مجلس الأمن أو غيره الذي تقوم به دولة الصهاينة إلى يومنا هذا.
فهذه الحضارة تتعرض للانهيار بهذا التخلي عن القيم الإنسانية المشروعة، والاستهتار بالقوانين الدولية الإنسانية في عصرنا هذا، عصر الإعلام الذي لا يمكن معه إخفاء الحقائق المشاهدة، رغم التشويه الذي تتعرض له، والعمل من أجل تحريفها واستبعادها، بالمكر والمخابرات وما إلى ذلك من الصراع الخفي.
وعندما انتهت أعمال هذه الجامعة الصيفية شددنا الرحال إلى العاصمة مع الأستاذ عبد القادر سماري الوزير السابق صاحب الخبرة الاقتصادية والسياسية، ورئيس مجلس الشورى في حزب مجتمع السلم، بكرنا وصلينا الفجر في أحد مساجد قرية من قرى الساحل الغربي، وما يتمتع به من جمال أخاذ ساحر، ينبهنا من حين لآخر صديقنا السماري إلى هذه المناظر الجمالية من جبال وبحر وغابات خلقها الله، لا من صناعة الإنسان، وقلت له: «إن هذه البلاد وما تزخر به من جمال وخير تستحق أن يضحي أبطالها من أجلها دون تردد، وهكذا فعل شهداؤنا الأبرار الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل حريتها وحرية أبنائها، فأكرم بهم من شهداء وأعظم.
ثم وصلنا إلى مدينة شرشال العاصمة القديمة ذات الآثار الحضارية والمعالم المعمارية، فأخذنا صديقنا عبد القادر سماري إلى زيارة قلعة يقوم في قمتها المنار البحري الذي يهدي السفن وربانها في ظلام الليل، فدخلنا هذه المنطقة وصعدنا في درجات إلى أعلى هذه القلعة الحصينة التي كانت يرابط بها الجيش لمراقبة البحر من الأعداء، ولكن فوجئنا بما لم نحتسب باعتداء على هذا المعلم، بطمس بنائه القديم المحكم، وبناء سور متهالك ضعيف لم يكمل، فضاعت أصول هذا المعلم العظيم، وأكثر من ذلك فإنها أصبحت تتراكم فيها المزابل وزجاجات الخمر محطمة، والقاذورات التي تشمئز منها النفوس وتفرّ منها القلوب، إننا ننادي ونقول للسلطات المدنية منها والعسكرية أن تنقذ هذه القلعة فإنهم مسؤولون جميعا بما في ذلك وزارة الثقافة، ونرجو أن نرى إنقاذها عاجلا.
قلت لصاحبي سأكتب مقالا عن هذا الفساد في الأرض، فقال لي: وأنا سأندب بالقرداش كما تفعل النائحة إزاء مصيبة الموت، قلت: سأندب معك، نائبا للنائحة الثكلى.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com