رأي

العقلية الريعية بين الوعي السياسي والثقافة التربوية

بلخيري محمد الناصر/

العقلية الريعية عادة اتكالية سلبية لها افرازات خطيرة تعطل مسارات التقدم والرقي المجتمعي، وتقتل كل أسباب الحيوية الفكرية والثقافية وتنتج اجيالا لا هم لها سوى الاتكال على النظام، وهذا ما يعيق الابداع بجميع انواعه سواء كان اقتصاديا أوعلميا، وبالتالي يصبح الركود ثقافة سائدة تنخر المجتمع، لتفتح نوافذ سلبية على الربح السريع الذي لا تراعى فيه القيم ولا وجود للأخلاق في مساره، عندئذ يسقط أفراد المجتمع في شراك العديد من الظواهر مثل التهريب وتجارة المخدرات والتحايل والكثير من المفاسد، التي زعزعت اركان الحداثة الوجودية والروحية للمجتمعات العربية، واثرت على التنمية ومساراتها وحطمت الاعتدال السياسي ومنهجياته، وأفسدت الفكر السياسي والديمقراطي، وجعلت من المساواة الاجتماعية وأركانها العديدة المتمثلة في العدالة والقيم وسلوكيات التطور الثقافي بوصلة معطلة، لتعم الفوضى ويصبح الترقيع جدلية لا منطق لها ولا مخارج إصلاحية اصيلة تؤهلها لتكون فكرا حضاريا قادرا على تعديل الدفة نحوالأنفع والأصلح.
من أجل ذلك يصبح الحزم الأمني والإرادة السياسية من الواجبات الضرورية لفرملة هذا الطوفان الداهم الذي يهدد كيان المجتمع ومستقبله السياسي والاقتصادي، كما يصبح الوعي المجتمعي من الحيوية الأخلاقية لكسر تقدم العقلية الريعية وخلق موازنة اقتصادية وتجارية تحرر القيود من هذا الغول الذي بات يدمر التطور العربي، وقدرته على مواجهة سباق الأمم نحوالتقدم والتطور والاكتفاء الذاتي، كما أن الثقافة التربوية من الأسباب المساعدة على الاستقرار والتوجيه نحو انطلاق تنمية مستدامة وتوجه استثماري وتجاري حر لا يعتمد على شراء الأمن الاجتماعي والتساهل في منح الامتيازات للشباب والقضاء على مفهوم المواطنة وأساسياتها التي تضمن نهضة شاملة راقية تخدم المجتمعات، وتبعثه من جديد ليستنشق هواء الحضارة ليستطيع الثبات في زمن المعادلات القطبية والسيطرة الجيوسياسية والجيوستراتيجية والهيمنة بقوة التكنولوجيا والتسليح والتكتلات الدولية الغربية.
ومن الأسباب المعروفة التي ساعدت على تغول العقلية الريعية مصادر الطاقة الباطنية كالبترول وغيره من الطاقات الحيوية وما نتج عنها من ثروة مالية ضخمة والتي ليس لها علاقة بالمجهودات التقنية والعلمية ، بحيث نتج فائض مالي كبير أدى إلى قتل الحيوية النهضوية والتطور الفكري والثقافي، وخلق كسل مجتمعي وفردي سرى في الجسد الاقتصادي كالسرطان قطع الطريق أمام التحديات المستقبلية والتطور العلمي، لننتج جيلا يفتقر لحس المواطنة والوعي المجتمعي، وهذا ما أدى إلى خلق عقلية كاسدة تفسد أكثر ما تصلح، لندخل عالم الهامشية أوما يسمى باللامبالاة أوالفكر المتصلب دون الرجوع للواقعية الأكاديمية، التي أصبحت سائدة في زمننا هذا ويدعمها الفضاء الأزرق ووسائل التواصل الاجتماعي وهذا ما يسمى بالغزوالمقنن والسذاجة القاتلة لكل مجهود فكري، الشيء الذي أثر سلبا على النشاطات الثقافية الهادفة المعالجة لأحداث الساعة وما يهم المواطن .
الثقافة التربوية لها دور مهم في بناء العلاقات الإنسانية، ونسج وعي متطور حديث يساهم في فهم الواقع المعاش بأبعاده المكانية والزمانية والذهاب بعيدا في ابتكار ذاتية عالمية لها القدرة على فهم مسارات التنمية وفوائدها، كما تعتبر المرآة العاكسة لكل حيوية فكرية أواجتهاد نهضوي، وبالتالي نستطيع فهم أغوار التقدم الفكري، يقول المفكر والباحث ومؤسس علم الأنثروبولوجيا ادوارد تايلور، الثقافة «هي تلك الكلية المعقدة التي تشمل المعرفة والفن والأخلاق والايمان والقانون والعادات، وأي قدرات أوعادات يكتسبها الانسان كعضوفي المجتمع»، وبما أن الأخلاق من مكوناتها الأساسية فهي لا تخرج عن مسار الوضوح والشفافية والاعتدال، فكل شيء جميل نجد أن الأخلاق تزينه وتخلق منه وهجا مضيئا يزيد الاعتدال سموا، كما أن التنوع الثقافي من القوى المحركة للتنمية اقتصادية وفكرية.
إن اكبر شيء يهدد مسار الأمة هوالاسهام في خلق مجتمع معاق فكريا وعلميا، همه الوحيد الكسب السريع، وهذا يعتبر من الأخطار الكبيرة التي خلفتها العقلية الريعية، ولذلك بات من الواجب القيام بمجهودات سياسية وخلق توازنات تحسيسية ووعي مجتمعي يساهم فيه الجميع لإيقاف نزيف هذه العقلية وتجنب متاعبها واثارها المستقبلية، وخلق أجواء مناسبة لأهل الاختصاص من أساتذة ومفكرين وعلماء واكاديميين لتشريح هذا الوضع والخروج بحلول جذرية تُكسب المجتمع مناعة ولأفراده عزة تَقيهم هذه الإعاقة.
إن الوعي السياسي يعتبر من أساسيات الواجهة النظامية في التعامل مع ما يطرح من قضايا سياسية داخل الوطن وخارجه، وحلها بطرق دبلوماسية تتماشى والوضع الراهن وما يحيط به من تعقيدات ، كذلك قدرة الأفراد على التعايش مع القضايا السياسية الأنية ومشاكلها وفهمها مع التمسك بالوعي كأسلوب حضاري، وطرح آرائهم بطرق سلمية تحفظ البلاد من الانزلاق نحو الهاوية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com