دعمُ صُمُود المقاومة .. الخَيَار الاستراتيجي للشعوب العربية
د.خديجة عنيشل/
لم يشهد تاريخُ الأمة العربية جيلاً أبأسَ من هذا الجيل الذي يُبادُ شعبٌ عربيٌّ مُستضعَفٌ أمامَ ناظريه ولا يستطيع فعلَ شيءٍ يحفظُ له مُروءَته، ويغسل عنه عارَ الخذلان. ولم يشهد التاريخُ البشريُّ جرائمَ ضد الإنسانية وضد الكرامة مثلما يحصلُ الآن في غزةَ أين يُقصفُ كل شيءٍ حي: المدارس التي تؤوي النازحين تُقصَف، المستشفيات التي تعجُّ بالمصابين تُقصَف، الشوارعُ والأسواقُ والمساجدُ والميادينُ كل شيءٍ في غزة أحرقتهُ طائراتُ الجيش الصهيوني أمام مرأى ومسمع العالم كله ولا من مُغيث .. وبرغم الانتقادات الدولية للكيان الصهيوني واتهامه بتحدّي قرارات الشرعية الدولية إلا أن هذا الكيان الدّموي مستمرٌّ في جرائمه دون رادع !!
ولا شك أن الشعوبَ العربيةَ تتألمُ لما يحدثُ لإخوانها في غزة ألماً ممزوجاً بقهرٍ بالغٍ لأنها عاجزة عن الانتصار للمظلومين، ولا تستطيعُ أن تدفعَ عن المستضعَفين هذا الظلمَ الكبير الذي يتعرّضون له في أبشعِ حربِ إبادةٍ عبر التاريخ. تقفُ الشعوبُ العربيةُ اليوم عاجزةً عن فعلِ أيِّ شيء سوى التعاطف عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبالتظاهر أحياناً في بعض العواصم العربية في ما يُشبهُ حركةَ تنفيسٍ عن قوةِ ضغطٍ رهيبة يمكنُ أن تنفجرَ في أيِّ وقت . لقد أتاحت هذه الحربُ العدوانيةُ المجرمة للشعب العربيِّ فرصةً تاريخيةً ليكونَ صانعَ قراره، ووضعتهُ أمام لحظةٍ تاريخيةٍ فارقة ليخرجَ من إِسارِ العجز والتعطيل في غيابِ نخبةٍ مفكّرة أبانت في هذه المحنةِ الكبرى عن تخلّفها وحجمها الحقيقي .
ومع كل هذه المثبّطات إلا أن الشعوبَ العربيةَ أدركت أن الواجبَ التاريخيَّ عليها الآن هو دعمُ صمود المقاومة في غزة في ظلِّ ثباتِ المجاهدين هناك وما أبانوهُ من صُمودٍ أسطوريٍّ في وجه أعتى قوى البغيِ والإجرام، وعدم تركِ إخوانهم هناك تستفردُ بهم عصابات الإجرام الصهيوني؛ إن الشعب العربيَّ يستطيعُ نصرةَ المقاومة باستغلالِ كل الوسائلِ وخصوصاً تلك التي يُتيحها الانفتاح التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي. ولعلَّ أوجبَ الواجباتِ اليوم هو الجهادُ بالمال؛ فإنَّ النفيرَ الماليَّ استجابةٌ لأمرِ الله عز وجل: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة:41] وهو ما يدعمُ جبهةَ المقاومة فعلاً لا قولاً؛ فالذي لا يستطيعُ أن يكون مُجاهداً مع كتائبِ المجاهدين يُمكنهُ المساعدة في تجهيزهم كما أمرنا رسولُنا الكريم: «من جهَّز غازياً في سبيلِ الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في سبيل الله بخير فقد غزا».(صحيح البخاري) . ثم إن على الشعوبِ العربية أن تواصلَ دعمَها الإعلاميَّ للمقاومة وللشعب الفلسطيني في غزة الذي يواجهُ بصدرٍ عارٍ همجيةً دمويةً لم يعرفها تاريخُ البشر من قبل!! لقد أدارت المقاومةُ معركتَها الإعلاميةَ بذكاءٍ لامع، وبشجاعةٍ نادرة من تحت الأنفاق فلا أقلَّ من أن يدعمَها الشعبُ العربيُّ بجبهةٍ إعلاميةٍ تردُّ عنها الاتهاماتِ الباطلةَ التي تقذفها بها وسائلُ الإعلام الدولية المتصهينة، بل وبعضُ بني جلدتنا ممن يُشيطنونَ المقاومةَ ونهجَها الجهادي في سبيل استرجاع الأرض والكرامة. فالواجبُ الآن أن يتحولَ كلُّ عربيٍّ ومسلم إلى أداةٍ إعلاميةٍ تُبرزُ مظلوميةَ الشعب الفلسطيني، وتوثّقُ جرائمَ المحتل الصهيوني التي فاقت كل التصورات حتى تظلَّ شاهداً على هذا العصر الدموي، وتنشرُ صورَ الصمود البطولي الخارق الذي أبداهُ أهلُ غزة الصابرون الصامدون المؤمنون، وتُدوِّلُ القضيةَ الفلسطينيةَ التي لم تعد تختصُّ بالفلسطينيين وحدهم بل صارت هاجساً إنسانياً، وملحمةً بشريةً تعاطفَت معها شعوبُ الأرض كلها وهو ما عزلَ الكيان الصهيوني وجعلهُ منبوذاً مكروها.
ومن الواجبِ على الشعب العربي الآن أن يدعمَ صمودَ المقاومة في غزة بمقاطعته لكل الشركات الاقتصادية التي تدعمُ المحتل فإن المقاطعةَ الاقتصاديةَ سلاحٌ فعّالٌ أثبتَ نجاعتَهُ في هذه الحرب برغم تهوينِ البعض من شأنه فقد أعلنت كبريات الشركات العالمية التي تمت مقاطعة منتوجاتها بسبب دعمها لجيش الاحتلال عن خسائرها بسبب هذه المقاطعة.
لم يعد مقبولاً للشعوب العربية العاجزة عن نُصرةِ المقاومة في أرض الرباط أن تقول: إنه لا يسعنا إلا الدعاء لأهلنا المُستضعفين في غزة لأنه بإمكان هذه الشعوب أن تكونَ ظهيراً لكتائبِ المجاهدين هناك، ومُعيناً حقيقياً لإخواننا الصابرين في وجهِ الظلمِ والقتلِ والنار والدمار .. وذلك بالنجاح في تحدّي خيارها الاستراتيجي الوحيد الآن ألا وهو: دعمُ صُمود المقاومة.