ثقافـــــة الوقــــف
أ. حسن خليفة/
الوقف من أفضل أصناف الصدقة الجارية، وتم تعريفه على نحو بديع بقولهم: «الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة»، وفيه تفصيل رائع لدى الشرّاح والمهتمين بثقافة الوقف وبيان فضائلها، وأهمّ ما تجب الإشارة إليه هو قولهم:
«الوقف: حبس العين عن التملك أو التصرف، والتصدق بمنفعتها أوريعها»
وفوائد الوقف عظيمة، منها:
1ـ وصول الأجر والثواب إلى الإنسان بعد موته، وتعدّي ذلك إلى أهله وعائلته وذويه إن كانوا هم أيضا من أهل الوقف وأهل النيّة الصادقة، لحديث النبيّ صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: «إذا مات ابن آدم؛ انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم.
2ـ انتفاع المسلمين بما وُقف حسب الجهة الموقوف لها؛ العلماء وطلبة العلم، الفقراء والمساكين، المساجد، أهل الجهاد والرباط الخ.
3- تعاون أفراد المجتمع والأمة على ما يحقق رضوان الله تعالى ويشيع الخير والفضل في الناس، وهذا يعين على تقوية تماسك المجتمع وتعزيز انسجامه وتعاونه.
ويعنينا الوقوف هنيهة هنا عند وقف المكتبات وما يتبعها من وسائل العلم والمعرفة والتربية والتعليم، ونسوق ذلك بمناسبة وقف مكتبتين عامرتين من قسنطينة على المكتبة الوقفية لجامع الجزائر.. هذا الصرح الديني الحضاري الكبير في وطننا، والذي نسأل الله تعالى أن يقرّ به الأعين والنفوس والقلوب.
إن الحاجة إلى الوقف ماسة وعظيمة في سبيل العلم والكتب والمكتبات، وفي غيرهذا أيضا هناك نفع عظيم للوقف في حياة المسلمين.
والمتابع يمكن أن يقف على مدى ضخامة الميراث الكبير الذي يمكن وقفه؛ خاصة في مجال المكتبات العائلية والخاصة، بمختلف أنواعها في بلدنا الجزائرخاصة؛ وهي المعروفة بتقاليدها ومواريثها العلمية والثقافية، واشتهار عائلاتها بامتلاك المكتبات والمخطوطات والوثائق والسندات والصور وما إلى ذلك، والتي لو وجدت طريقها إلى الإهداء (بمعنى الوقف) لانتفع المجتمع من ذلك انتفاعا كبيرا.
وقد كان لوقف مكتبة الشيخ الإمام عبد الحميد ابن باديس قبل أشهر(أفريل 2024) دور في إيقاظ هذا الوعي، وبيان أهمية استحضار ثقافة الوقف وتنمية رصيد الصدقات الجارية في سلوكنا الاجتماعي والديني، مما كان له الأثر في انخراط بعض العائلات من جهات متعددة كما أخبربذلك عميد جامع الجزائر الشيخ محمد مأمون القاسمي أكثر من مرة، وأعاد التذكير به هذه المرة في مناسبة الندوة العلمية التي أقيمت بقسنطينة بمناسبة استلام رصيد مكتبتين وقفيتين لصالح جامع الجزائر.
وقد قال إن هناك الكثير من العائلات أبدت رغبتها في تنمية رصيد المكتبة الوقفية لجامع الجزائر، ومنها عائلات من جنوب الوطن تمتلك ميراثا حضاريا ثقافيا عظيما يتمثل في المخطوطات بأنواعها.
إن المتأمل المتابع يلحظ ذلك السلوك الفاسد المؤلم لدى البعض وهذا مشهود في واقع الحياة للأسف؛ حيث تنتهي مكتبات بعض العائلات، بعد نزاعات وخصومات شرسة فاجرة إلى البيع بأثمان بخسة، أو إلى إهمال وإتلاف مما تنجرّ عنه خسائر فادحة مفجعة خاصة عندما يتعلق الأمر بميراث الأمة والمجتمع.
من هذا المنطلق يحسنُ العمل معا على صيانة موروثنا العلمي الحضاري المضيء، بنشر ثقافة الوقف بمعناه الحقيقي الذي يسمح للأمة بالانتفاع من موروثها كله.
ويجب التذكير هنا أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كانت رائدة في هذا المجال، والدليل على ذلك أوقافها وحبوسها الكثيرة هنا وهناك، والتي يؤمل أن تُستعاد لتؤدّي دورها في خدمة المجتمع الجزائري.
كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن ثقافة الوقف متأصلة في أبناء الجمعية وأعلامها والدليل على ذلك هو الكثير من المكتبات التي أهديت والتي تشكل اليوم فضاء كبيرا في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية والمعروف بـ»مكتبة الشيوخ «وأكثرهم شيوخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الماهدين، وقد لحق بهم ابن الجمعية البار ا لشيخ سليمان الصيد الذي وقف أبناؤه مكتبته الكبيرة العامرة على جامع الجزائر، وقد شهدت قسنطينة وقائع تسليم هذه المكتبة إلى جامع الجزائر، مع مكتبة الأستاذ الدكتور حسن موهوبي.
إنما نذكّر.. على طريق إحياء هذه القيمة الإيمانية الأخلاقية العالية، وهذا المسلك الرائع البديع فيشيع الخير، في كل الميادين وينتفع المجتمع وتتقارب قلوب أبنائه..
فيعيش الإسلام كما يجب أن يكون.
والله الهادي إلى سواء السبيل.