القول المدروس في تهافت دعاوى الشيخ فركوس/أ.د. عبد الرزاق قسوم
ما كنت أحسبني، أحيا إلى زمن، أُظطر فيه إلى التردي في هذا الدرك الأسفل من السقوط. وما كنت أدري، أيضا أني سأضطر يوما ما إلى سل قلمي من غمده، وقد كان معدا، لمنازلة الأعداء والأشرار، إلا لأواجه به إخوة، كنا نعدهم من الأخيار.
فقد كان من المفروض، أن تجمعنا بهؤلاء الإخوة سلامة التوحيد وصحة العقيدة، وحسن الأداء في الدعوة إلى الله بالمنهجية السديدة، وصدق الانتماء إلى السلفية الباديسية الأصيلة الصحيحة الرشيدة، ولكن..!
وإخوانا حسبتهم دروعا فكانوها، ولكن للأعادي
وخلتهم سهاما صائبات فكانوها، ولكن في فؤادي
نقول هذا – بمرارة- ونحن نرى الحملة الشرسة التي يشنها البعض، باسم السلفية المستوردة، على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، واصفين إياها بشتى الأوصاف دون علم، ومسقطين عليها شتى النعوت بغير فهم.
لقد آلمنا – والله- ما يقوم به بقايا أتباع المدخلية في الجزائر، ضد رمز الوحدة والتوحيد، للمرجعية الوطنية، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. فهم يسلقوننا بألسنة حداد، وينبشوننا بأقلام شداد، ويجزؤون أتباعهم – رغم قلتهم- على النيل من علماء الجمعية، بوقاحة أبعد ما تكون عن أدب الرشاد والإرشاد.
وماذا ينقمون من جمعية العلماء! غير أنها المؤسسة الوفية والثابتة، على منهج السنّة الصحيح، والدعوة إلى التجديد الشامل الفسيح، والإصلاح الواقعي الصّريح؟
غير أن القومّ أبانوا عن جهل بفقه الفقه، لا نجد له تعليلا. وكشفوا عن مجافاة لواقع أمتنا، قل له مثيلا، وأداروا ظهورهم لمتطلبات الإصلاح في مجتمعنا، فاتخذوا لهم غير سبيلها سبيلا.
إن هذه الأعراض التي أبان عنها القوم، إنما هي نذر ببداية النهاية لهذا الاتجاه، فبعد أن أخرجوا سواد الأمّة، من أهل السنّة والجماعة، فاحتكروا ظلما وعدوانا، هذا الانتماء، ها هم يعمدون إلى العرق النابض في الأمّة، والذي ترمز إليه جمعية العلماء، فيرمونها بكل نقيصة.
قال قائلهم، إن جمعية العلماء يقودها فلاسفة، وإن هذا لمن المضحكات المبكيات، فهل هو للمدح أم للذم؟ فقد عهدنا أتباع هذا المذهب منهم من تعلم على أيدي هؤلاء الفلاسفة، أو علّم تحت قيادتهم، وما الفرق إذن بين الجامع والجامعة؟
وقال قائلهم، إن الجمعية على رأسها (ماسوني)، “وتلك شنشنة أعرفها من أخزم” ويمينا برة لا حنث فيها أن هذا هو الجهل الفاضح، بعلماء الجمعية وبمصطلح الماسونية، فلو طلب منه التعريف الصحيح بالماسونية، لما وسعه تقديم تعريف مقنع، وإنما هو يهرف بما لا يعرف، ولو طلب إليه أن يقدم تعريفا صحيحا لرؤساء الجمعية، لما وسعه ذلك. وثالثة الأثافي أن يقول قائلهم، لو دعتني جمعية العلماء لإلقاء محاضرة عندها، لما قبلت، ويا للرزيّة..!
لقد ذكرنا مثل هذا الزعم، ببيتين من الشعر ينسبان لابن دقيق العيد يقول فيهما:
أتانا من الأعراب قوم تفقهــوا وليس لهـم في الفقه قبلٌ، ولا بعـدُ
يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتم حتى يكون لكم عندُ؟
فيا أيها الناس:
لقد كنا نظن – وبعض الظن إثم- أن ساحة المعركة التي تجمعنا في العمل الإسلامي، هي في داخل وطننا، مقاومة الفساد والمفسدين على أكثر من صعيد، وفي الخارج هي قبلتنا الأولى قضية القدس، وقضيتنا الأولى قضية فلسطين، ولكن ما راعنا منكم، إلا أنكم لا تنبسون ببنت شفة، في التصدي للفساد والمفسدين، وفي مقاومة الصهاينة والمتصهينين، وبدل ذلك توجهون ألسنتكم وأقلامكم للذين أنفقوا سوادهم وبياضهم، منذ النشأة الأولى، للعناية بالقرآن الكريم، تعلما وتعليما وفهما وتطبيقا -وذلك أصل التوحيد- والعمل على نشر الفهم السديد للسنّة الصحيحة، تحصينا للذات من الغزو، وصونا للعقول من الغلو واللغو.
ولماذا لا يضع بعض المخلصين منكم يده في أيدينا، لنهدم معا، صومعة التضليل باسم السلفية، التي يحتكرها بعض قادتهم، حتى ولو كانت مستوردة من الجزيرة إلى الجزائر، وفي الجزائر – على العكس- توجد السلفية الأصيلة كما وضعها ابن باديس، والتي لا تدين في العقيدة بالولاء إلا لله، ولا تعطي البيعة في الطاعة إلا لرسول الله، ولا تؤمن بوطنية إلا بوطنية الذود عن الجزائر. فتعالوا بحتكم – إذن- إلى سلفية ابن باديس التي تزعمون أن جمعية العلماء المسلمين قد حادت عنها؟ وما أخالكم فاعلين.
إن سلفية ابن باديس هي واضعة أسس الرياضة البدنية والعقلية، فعبد الحميد بن باديس هو الذي أنشأ نادي مولودية قسنطينة الرياضي (MOC) نسبة إلى إحياء المولد النبوي في عقول الشباب، وأنتم تنكرون على الأمّة إحياء ذكرى المولد النبوي، وسلفية ابن باديس هي التي أنشأت جمعية المزهر القسنطيني لربط الشباب بتراثه، وإصلاح المجتمع بالتمثيل الهادف، وأنتم – إلى عهد قريب- كنتم تحرّمون السماع، ولا تبيحون المسرح، والإبداع.
وابن باديس بمنهجه السلفي الأصيل كان يحث على تعلّم البنت، ومجانية تعلمها، بل والعمل في عهده، على إيفاد بعثة طلابية نسوية إلى دمشق، وأنتم مازلتم تفتون بعدم تعلم أتباعكم على الأستاذات.
إن سلفية ابن باديس، هي التي عبر عنها رفيق دربه في الدعوة الإمام محمد البشير الإبراهيمي حين قارن بين السلفية الوهابية، والسلفية الجزائرية، فقال: “نحن مالكيون، وهم حنبليون، ونحن في الجزائر، وهم في الجزيرة، ونحن نعمل في طريق الإصلاح الأقلام، وهم يعملون فيها الأقدام، وهم يعملون في الأضرحة المعاول، ونحن نعمل في بانيها المقاول” [آثار الإمام الإبراهيمي، ج1، ص: 124].
نحن نتحداكم، إن كنتم تؤمنون بسلفية ابن باديس التي تزعمون أننا حدنا عنها، أن تأتوا إلى جمعية العلماء، لتقودوها نحو تطبيق سلفية ابن باديس الأصيلة، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا، فكفوا أقلامكم وألسنتكم عن علماء الجمعية بدء بالإمام عبد الحميد بن باديس، وانتهاء بالشيخ الجليل ابن حنفية العابدين، فكلنا في الإصلاح صف واحد، وإن التنوع داخل وحدة الجمعية هو الطابع المميز، الذي يعطي لجمعيتنا قوتها وصلابتها وأي اختلاف في وجهة النظر بين علمائها، لا يفسد للمنهج قضية.
لقد أحرجتمونا -علم الله- حين أخرجتمونا من طور الصمت عن خفاياكم وخباياكم وبلاياكم، وحين أنزلتم قضايا خاصة إلى عقول العامة، وتدخلتم في الشؤون الجزئية للمجتمع، كأكل الزلابية والطمينة، وبذلك انتقلتم من الشكل واللباس، إلى الختل والتلبيس.
عفا الله عنكم وسامحكم، وإن جمعية العلماء بصدرها الرحب، ومنهجها العذب، لتتسع لكل عقل سليم، وقلب رحيم.
إن هذا غيض من فيض، دفعتمونا إليه دفعا، وإن عدتم حدنا، ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [النحل/118].