قراءة في كتاب: “خِطاب الحِجاج والتداولية – دراسة في نتاج ابن باديس الأدبي) للدكتور عباس حشّاني الطولقي
قراءة وعرض: أ.كمال بن عطاءالله/
المطلع على تراث الجمعية من خلال جرائدها ومنتدياتها الفكرية الثقافية يقف على أنهم كانوا يشجّعون المواهب المختلفة ويقدّمونها من خلال المقالات المختلفة في الشّهاب والبصائر أو الخِطابة على المنابر والمناسبات الأدبية، وهذا كلّه تدريبا للطاقات الشابّة لتتعود وتُظهر أفكارها وتُطوِّر أداءها، وبالتراكم المعرفي تتعاقب الأجيال لتَبنيَ جدار صدٍّ صَلدٍ متماسك أمام الأعداء والخصوم وأعوانهم من أصحاب الميوعة والفكر الدخيل وترد عاديتهم، واقتفاءً لنهج الشيوخ وسيرة النّبلاء من العلماء الربانيين العاملين، ها نحن نعثر على عمل لابد من الإشادة به لقيمته العلمية من حيث الجهد والفكرة والمرمى والأثر، ممّا يتوجب علينا الوقوف والتمعّن بجانبه ومعه!، وهو إجابة علمية عملية لكثير من الأسئلة التي تحاصرنا، كيف نخاطب النّاس؟، كيف نتواصل معهم؟، كيف نقنعهم بأفكارنا و بأساليب بسيطة؟، وهذه الأسئلة ومثيلاتها تدور في خُلد كل مثقف داعية مربٍّ ومصلح غيّور على أهله وأمّته صاحب رسالة ومشروع حضاري مثمر، نعم هذه التساؤلات وغيرها كانت لفترة غير بعيدة وربما مازالت صدى لسؤال جوهري متداول مفاده (تغيير الخطاب الديني!!) وهو صراع راسح بين التراثيين (المتمسكين بالنقل والاجتهاد وفهوم العلماء المؤمنين بأنّ الدين الإسلامي شامل لكل زمان ومكان وللفرد والأسرة والأمّة) وغيرهم من العلمانيين الذين يدّعون التنوير والعصرنة، الذين يثورون على كل ما له صلة بالدين ليفصلوه عن الحياة الفردية والجماعية، ومع زيادة تنوّع الأفكار من حيث التناول وتطوّر الاتصال أصبح أمام الدعاة النُّبهاء تحدٍّ كبير وحقيقي لابد من مواجهته بأسلوب علمي دقيق مناسب وشجاعة أخّاذة، وهذه الرؤية الإصلاحية التي تبعث الأمّة من جديد من خلال ذاتها وقيمها المكنونة في بذرتها الصالحة التي تدّخر صلاحها ونموّها وتحتاج من يسقيها ويرعاها، فكان أوّل من فتّش في خزانة ذخائر الأمّة العلاّمة الشيخ ابن باديس رحمه الله فكانت نظرته الثاقبة المترقّبة منذ فُتِّحت عيناه على الواقع والحياة المحيطة به ابتداءً من حاضنته قسنطينة إلى استكمال دراسته بالقيروان إلى رحلته إلى الحجاز والشام والقاهرة ثم استقراره بمسقط رأسه بعد 1913م وهو لم يتجاوز حينذاك أربعا وعشرين سنة من عمره، بدأ بالتدريس والبحث عن أساليب تُناسب دعوته لتصل إلى قلوب النّاس من إخوانه في الدّين والوطن، لأنّ الهدف والغاية الكبرى كانت واضحة لديه دون أدنى شائبة أو شك وهو تكوين نواة صلبة واعية بقيم دينها ووطنها ويكون على عاتقها تحرير العقول قبل الأبدان والأوطان فكانت ثورته الفكرية على التقليد الأعمى البالي للأشخاص وللأقوال السقيمة والخُطب العقيمة والسقيمة المنوّمة، والكتابات السامجة، والأمثال والحِكم “القدرية” المعطلة للقوى الفكرية، والأشعار الرنّانة والدروشة الساقطة والأساطير التي بطلها “الغول” وقصص”ألف ليلة وليلة” و…، فكان الحِمل ثقيلا في واقع آسن معقد ، ولكن بتوفيق من الله ووجود ثلّة من العلماء والدعاة والأدباء والمعلمين المربين المؤمنين بالإصلاح جهادا بالقلم واللسان وبعد عقود قليلة كانت النتائج مبهرة، وكان لزاما على كل منّا أنْ يدرس بتأنٍّ هذا النجاح والتوفيق الربّاني من حيث الأسباب البشرية دراسة علمية موثّقة بناءً على النظريات التطبيقية والقواعد الفكرية العلمية المحكّمة التي تهتم بالأساليب التواصلية وتُسهِّل الخِطاب لتبليغ الفكرة في قالب مقبول مقنع راسخ، ومن الأحفاد الذين انْــــبروا اختيارا وحُــــبًّا للخوض في هذا الموضوع رغم دقّـــته وعُمقه الأستاذ الدكتور الشاب” عبّاس حشاني الطولقي” من خلال رسالة الماجيستير بجامعة محمد خيضر ببسكرة سنة 2011م.
تنطلق فكرة الكتاب من مفهوم “خِطاب الحِجاج” دراسة نظرية وتطبيقية وتتبع لتطوّر المفهوم عبر الزمان بداية عند العرب من خلال مؤلفاتهم وأشعارهم ومقاماتهم ومختلف نثرهم وإنتاجهم الأدبي إلى الغرب في القرون الأخيرة ودراساتهم المختلفة، وتطبيق كل هذا على النتاج الأدبي (خطب، مقالات، دروس، أشعار، مناظرات….) للشيخ العلامة ابن باديس رحمه الله باعث النهضة في الجزائر.
يقول الدكتور في مقدمة كتابه: (رسالته) بعد أن صدّر بالآية الكريمة في قوله عزّوجل: ﴿هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران :66] “الحمد لله الذي تعبّدنا بالسمع والطاعة، وأمرنا بالمحافظة على السنّة والجماعة وحفظ ملّة نبّيه الكريم….، إنّ الحِجاج من النظريات التي كانت نِتاجا لتطوّر اللّسانيات الحديثة في دراسة اللّغة، باعتبار هذه اللغة أداة تواصل وتبليغ، وقد عُدَّ فعالية خِطابية، وممارسة فكرية يعتمدها المتكلّم للتأثير على المتلقي بغية إقناعه أو تغيير معتقده أو سلوكه، وفكرة الحِجاج بلاغية، الهدف منها إقناع المتلقي، ولتحقيق الهدف ترى المتكلم يثبت دعوى ويصحّح معنى، فيعتمد في ذلك على وسائل وتقنيات من البلاغة: كالبيان، ومن اللسانيات: كالإحالة، ومن الفلسفة: كالقياس وغيرها…، وبهذا يُعدّ الحِجاج فضاءً مفتوحا على مختلف المعارف الإنسانية، وقد اكتسب اهتمام اللغويين والباحثين، لانفتاحه وتنوعه، فتجده مستعملا في التربية والقضاء وتدريس العلوم الشرعية…، حيث يأخذ في كل مجال شكلا خاصا وخِطّة معتمدة من المتكلم لإقناع المتلقي، كما يأخذ وسائل وتقنيات حديثة محددة “، ويواصل دكتورنا الفاضل في مقدمته ليقول: “بأنّ التداولية هي الكاشف لمستويات الحِجاج في الخِطابات المتعددة وهي تهتم أكثر بأقطاب العملية التواصلية (1- المتكلّم ومقاصده والظروف المحيطة به، 2- قدرة المتلقّي على الاستيعاب، 3- سياق الخِطاب وعناصر أخرى متعلقة)” ، ويتبع ذلك بقوله: “و يبرز الخِطاب الحِجاجي التداولي في أنواع الخِطاب في التفسير والحِوار والخُطبة والشِّعر- مع وجود تميز لهذا النوع” – ثم ينتقل المؤلف إلى إبراز إشكاليات بحثه المتميز عبر طرح أسئلة متميزة: “فما الخِطاب الحِجاجي؟، وما هي بواعثه؟، وما مصطلحاته القديمة؟، و فيم تمثلت أهدافه؟، وماهي أهم الوسائل والتقنيات التي تجعل الحِجاج ناجحا مُحققا؟، وهل يوجد حِجاج مجازي؟، وهل يُعدّ الخِطاب الشعري-لاعتماده المجاز- خِطابا حِـجاجيا؟”، ويُردف قائلا: “وللإجابة عن هذه الأسئلة كان اشتغالنا على نصوص من أدب العلاّمة الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله من تفسيره، ومقالاته من خُطبه و شِعره، ومن منطلق “حِجاجي” ذلك أن الحِجاج يؤخذ من المتكلم وقصده مراعاة للمقام (- السياق والمناسبة-)، ونصوص الشيخ الرئيس رحمه الله تُشكّل ِفعلا حِجاجيا ، وتحقّق هدفا ومقصدا”، ويقول أيضا: “اختياري لشخصية رائد النهضة الإسلامية الجزائرية كان لأسباب تخدم موضوع البحث، وتمثّلت في حِجاجية شخصيته لكونه رائدا للحركة الإصلاحية، وإماما، ورئيسا – لجمعية العلماء المسلمين الجزئريين – وخطيبا مفوّها، وكل هذا يقتضي متكلّما مُحاجِجا يهدف إلى الإقناع والتأثير على المتلقي”.
مما دفعني إلى التنويه بهذا السِّفر المتميز أنّ صاحب الكتاب واعٍ جدّا بأهمية بحثه ويصرّح دائما في مقدمته: “فنصوص الشيخ الرئيس رحمه الله على تنّوعها تُشكِّل في مجملها خِطابا حِجاجيا، فهو يسعى لتحقيق هدف، وبلوغ مقصد، وتغيير معتقد، بالنظر إلى ظروف إنتاج تلك الخطابات ومقامها (عهد الاستدمار الفرنسي)، ما ألزم ابن باديس رحمه الله أن يقف موقف المدافع عن حرية الجزائر بالحُجّة المقنعة والبيان الساطع”.
اعتقد أنّه لا يمكن تطبيق كل ما سبق إلاّ بعد الاطلاع على تراث ابن باديس رحمه الله من دروس وخُطب وأشعار ونثر مدوّن خصوصا في جرائد الجمعية وما نقله طلبته البارّون ، ويقول صاحب الكتا: “أنني اعتمدت المنهج الوصفي الذي يتلاءم مع موضوع الحِجاج في مختلف الخِطابات، فبعد التحليل يتكشّف المضمون، وقصد المتكلم، وحال المتلقي، وأهداف الخِطاب ـ ونوع الحِجاج منه، ومدى اقتناع المتلقي به” ولا يمكن الوصول إلى هذه الخلاصات، إلاّ بعد تبويب اهتمامات المادة المدروسة كالجوانب الدينية التربوية وأخرى سياسية اجتماعية، أو الأدبية، لإنّه لكل حقل أدوات حجاجية تميزه عن غيره وتحدّد طبيعة الحِجاج وقدرة الـمُحاجِج ومنزلة المتلقي وطبيعته وهدف المتكلم وقصده، وهذا ما أشار إليه أستاذنا الدكتور في مقدمته الـمـُـحكمة.
عرض الكتاب محل الدراسة ” الحِجاج والتداولية (دراسة في نتاج ابن باديس الأدبي)”: طُبع في المملكة الأردنية الهاشمية بدار “عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع” – إربد- الطبعة الأولى 2014م، بورق جيد، وخطّ صغير نسبيا، عدد الصفحات: 330 صفحة، من الحجم فوق المتوسط-17×24سم- ويتكون من:
بداية فهرس الموضوعات، فمقدمة ملخصة للكتاب مبيّنة الدوافع العامّة لاختيار الموضوع، ثم تمهيدا تناول فيه مؤلفنا، بيان الشخصية الحِجاجية والمقام الحِجاجي من خلال: (أ- الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله عرض فيه ترجمة وعوامل نشأته، ومكانته المحلية والدولية، وجهوده وأعماله ومواقفه، ونقل مقتطفات من أسلوب الشيخ، مبرزا شخصيته المؤثرة، مذيلا بذكر آثاره، كل هذا في سبع صفحات، /ب- الحالة الثقافية في الجزائر أثناء الاحتلال الفرنسي وقد ركّز على البيئة التي ولد وتربّى فيها شيخنا الهُمام رحمه الله منطلقا من أنّ المجتمع الجزائري العربي المسلم المتميز بحبّه لدينه ووطنه وما تعرّض له من سَلب وتفقير وتجويع وتجهيل على مدى أكثر من ستين سنة الأولى رغم قساوتها وآثارها الشديدة إلاّ أنّها أبانت على معدن الجزائري الذي تصدّى وواجه رغم الكيد وعدم توازن القوى بين الظالم المحتل والمظلوم صاحب الحق، ومن المحنة تولد المنحة، وفي هذه الظروف الحالكة، ولد من رحم الأمة أئـمّة مصلحون أخذوا على عاتقهم الذود عن حياض العِرض والدّين والوطن، واتخذوا أعمالا جليلة من أهمّها إحياء الدّين عقيدة وشريعة واللغة العربية وذلك من خلال التعليم وعبر فتح المدارس والنوادي والخطب المنبرية والرحالات الداخلية والصحف السيارة وربط العلاقات مع مصلحي وسياسي العالم الإسلامي، وكانت الانتفاضة الفكرية المفصلية تأسيس “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين” بنادي –الترقي- بالعاصمة يوم 17 ذي الحجة 1349 هـ الموافق لـ 05 ماي 1931م، ردًّا على احتفال المحتل بالذكرى المئوية وتتلخّص مبادؤها في الثلاثية الخالدة بإذن الله (الإسلام ديننا، الجزائر وطننا، والعربية لغتنا)، ويختم هذا المبحث بقوله: “… لقد كانت نشاطات الجمعية بادئ الأمر تحت ستار الوعظ والإرشاد ولا ترقى إلى الجهر بالحرية والاستقلال إلاّ إيحاءً مخافة تجميدها، لكن بعد هذا يخرج ابن باديس رحمه الله من التلميحات لى التصريحات المحددة الواضحة ويصرّح بأبيات من الشعر بعد ست سنوات من إنشاء الجمعية(1356ه/1937م)، فيقول:
شعب الجـزائر مســــلم … وإلى العـــروبة ينتسب
من قال حاد أن أصله … أو قال مات فقد كذب
أو رام إدمـــاجا لــــــه … رام المـحـال من الطلب
ثم أربعة فصول: أوّلها يتكون من مبحثين وخلاصة، تناول فيهما الحِجاج عند الغرب : (1- عند السفسطائيين اليونان، 2- أرسطو384/322 قم)، ثم الحِجاج عن العرب: (1- عند الجاحظ 776/868م، 2- السكاكي 1160/1229م، 3- الحِجاج عند علماء الأصول الإسلامي، أ- الحِجاج عند المفسرين، ب- الحِجاج عند علماء الكلام، ج- الحِجاج عند وهب بن منبه 655/738م)، أما الخلاصة لهذا الفصل في الصفحة(55) فكانت موجزة وواضحة: “… المصطلحات التي وردت بمعنى الحِجاج و هي: البيان والاستدلال والبرهان، فالأوّل ظهر مع الجاحظ وهو اللبنة الأولى لبحثنا، وظهر الثاني مع السكاكي، والثالث مع ابن وهب في البحث الأصولي وعلاقته بالبلاغة الجديدة البرهانية، وصفوة القول أنّ البحث الحِجاجي كان منثورا بين ثنايا البلاغة العربية والإسلامية، وإن لم يُعرف بمصطلحاته الحديثة”.
ثانيها (ص57-140): عنوانه الحِجاج والتداولية يحتوي على ثلاث مباحث، عرّف الحِجاج لغة واصطلاحا مبيّنا أهم المدارس العربية والغربية التي اهتمت به، ثم مراتبه، بواعثه، أنواعه، تقنياته، ووسائله، وكذلك مفهوم التداولية ولسانيات التلفّظ والأفعال الكلامية، شارحا الخِطاب والنّص الحِجاجيين وعِلاقة الخِطاب باللغة والكلام.
أما الفصل الثالث(ص139- 238): فخصّصه من خلال ثلاث مباحث إلى الحِجاج في النثر الباديسي وأوّلها تفسير القرآن الكريم ” مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير” بداية من الصفحة 141، حيث عرض محطات ظهرت فيها صور المحاجَجة، “فالتفسير أعمُّ من شرح القرآن الكريم إلاّ أنّه يشمل شرح لغة القرآن ودراسة إعجازه وبيان أحكامه ومعرفة أسباب النزول للآيات والسور وترتيبها…”، كما ينقل: “بأنّ التفسير علم يبحث عن مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية” لينتقل موضحا شروط المفسّر المحاِجج من خلال ما يطبقه على منهاج الشيخ رحمه الله ومَثَّــل لذلك بعدة آيات مفسّرة ، منها قوله سبحانه وتعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[سورة النحل125] التي كانت شعارومنهج دعوة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، ومما لفت انتباهي هذه الإشارة (ص149)”جمهور التفسير الشفاهي: كان الشيخ يعلم أن الذين يسمعونه فيهم الأمي والعالم ، ومتوسط الثقافة، فكان يسعى جاهدا ليكون تفسيره مؤثرا على كل الطبقات…”، ولم ينس ليضع مخططات للآليات الحِجاجية في تفسير الشيخ رحمه الله، وبعده يفتح مبحثا آخرا في نفس الفصل يتناول فيه الحِجاج في المقالة الباديسية واتخذ أنموذجا لحوار مشهور(رسالة جواب سؤال عن سوء مقال !) كتبه ردّا على سوء أدب نحو جناب النبي – صلى الله عليه وسلم – من طرف الطرقي بن عليوة المستغانمي وقال صاحب الكِـــتاب نقلا من أحد الكُتّاب “تعتبر أول مجابهة عنيفة في الجزائر المستعمرة بين الإسلام السنّي السّلفي الصحيح والتصوف البدعي المنحرف القبيح”، مستكملا ذلك بذكره لبواعث الحِجاج الباديسي في هذا المقال ومدعما بصور وبراهين عدّة من نفس المقال النموذج، ليخلص صاحبنا المبجّل لاستنتاج أنواع من الحِجاج منها: (التجريدي، وجه/ذات، السلطوي، القوة)، معدّدا أنواعا من الحُجج: (التواجدية، المقارنة بالمثال، التاريخية، الاستشهاد(الشواهد)، ليختم هذا الفصل بمبحث عن الحِجاج في الخطبة الباديسية من خلال عرض حال الجمعية الأدبية، معرّفا بالخطبة وعُدّة الخطيب ومنها: الاستعداد الطبيعي، اللّسن والفصاحة، سعة الثقافة، البصر بالحجة، ترتيب الأقسام، العبارة).
أما الفصل الرابع والأخير (ص235-312): بمباحثه الثلاث كانت على التوالي الحِجاج الشعري الباديسي، المعنى الحِجاجي للشِّعر والعام للقصيدة الباديسية،…، متمّما ذلك بمعنى الأفعال الكلامية وفي الأخير الوسائل البلاغية للحِجاج بالمجاز والبديع.
وخاتمة الختام المسك بيّن فيها فوائد البحث وتوصيات بدراسة النتاج الأدبي للشيخ ابن باديس رحمه الله ولعلّه يساهم في الاستفادة من عبقريته وجهوده الكبيرة. وآخر مادة هي المصادر والمراجع وكانت حوالي مئة متنوعة من كتب إلى المجلات المتخصصّة.
أمّا ما أقوله بعد هذا العرض المختصر لهذا الكتاب الذي حوى جهودا معتبرة وأفكارا متميزة وضرورية يستفيد منها المعلم، المربي، الأستاذ، الإمام، الخطيب، المحاضر، القاضي، المحامي، القاصّ، الروائي، الصحفي ،الوالد مع أسرته ،الناصح لأمّته والمحبّ للأدب، كما أنه بهذا الاختيار التطبيقي لنموذج كتابات الشيخ ابن باديس رحمه الله أحيت فينا جوانب الاعتزاز بجهود الشيخ الرئيس وبيّنت العبقرية وحِدّة الذكاء لديه ورفعت من منزلته، وتُشجّع الباحثين لإعادة دراسة تراثنا واستخراج اللآلئ والدرر المكنونة فيه.