«المبصر لنور القرآن الكريم»
أ.د حجيبة أحمد شيدخ/
مما عهدناه أن الذي يتكلم ويصخب كثيرا لا يفعل ولا ينتج كثيرا …الضجة التي أحدثتها النسويات الحداثيات في دعوتهن إلى الثورة ضد الفكر الرجولي وإصدار بعضهن لكتاب «دعونا نتكلم» للنظر في تجاوز التفسير الذكوري للقرآن (بتعبيرهن) والاعتقاد أنه كان ظالما للمرأة ومنحازا لمصالح الرجال….لم تنتج تفسيرا للقرآن ماعدا بعض المحاولات البسيطة لبعضهن في التطرق لبعض الجزئيات، كما كان الأمر بالنسبة لآمنة ودود في كتابها «المرأة والقرآن»، الذي قدمت من خلاله نقدا للتفاسير القديمة، واعتمدت من خلاله منهج أستاذها فضل الرحمان في نظرته إلى التراث ودعوته إلى تفسير القرآن وفق أسس وضوابط جديدة .
في الانتاج النسائي الرسالي كانت محاولة عائشة عبد الرحمان بكتابها «التفسير البياني للقرآن» مميزة وإن كانت السور المفسرة فيه محدودة، وقد كانت اللمحات التي أتت بها مرجعا لكثير من المهتمين بالتفسير البياني للقرآن الكريم، وفي المجال نفسه تواصل الأستاذة حنان لحام وفق منهجية إصلاحية إكمال تفسيرها للذكر الحكيم.
من الداعيات اللاتي كرّسن حياتهن لخدمة القرآن والدعوة إلى الله تعالى الفلسطينية: نائلة عكرمة صبري (ولدت سنة: 1944م). والتي أكملت تفسيرها للقرآن الكريم وطبع في 11جزءا…في هدوء عائلي وفكري نشأت نائلة متشبعة بعلوم الشريعة، والدها العالم الأزهري هاشم صبري الذي كان مفتيا وإماما وداعية من دعاة فلسطين، وكانت والدتها على درجة عالية من الثقافة.اشتغلت بمجال الدعوة. فالّفت تفسيرها دون انقطاع عن تعليم طالباتها كيف يعشن بنور القرآن…ولأنها محبة لهذا الدين ومثابرة في خدمته ومرتبطة بحب سيد الأنام كانت تحيا بنور الله في اليقظة، وفي الأحلام فكانت تتلقى القبول برؤية سيد الأنام، وهي تخط كلمات تفسيرها لتنير بها بصائر السالكين إلى الله؛ فبعيدا عن القرآن يعيش الإنسان في متاهة الفكر البشري القابل للتغير والتلون…
في هدوء كانت نائلة تفسر القرآن، لم تهاجم أحدا من الرجال أو الذكور بتعبير الحداثيات…فلا يحق لشخص أن يمنع آخر من الاجتهاد في فهم كلام الله، والتبصر بهديه إذا كان تفسيره لا يخل بأصول التفسير ولا يعارض الفطر السليمة. وكانت تتلقى الدعم من زوجها عكرمة صبري مفتي القدس والديار الفلسطينية.
على مدى ثمانية عشر سنة استمرت في تفسير القرآن الكريم واصلة له بالحياة الاجتماعية مستفيدة من أصول التفسير المتعارف عليها موظفة لعلوم عصرها في فهم الإشارات العلمية والحكمية فيه. فأتى تفسيرها بعيدا عن التعقيد يفهمه الخاصة والعامة من الناس.
رؤيا جميلة تحولت إلى سفر يتصفحه طلبة العلم في ربوع العالم الإسلامي (المبصر لنور القرآن)
ويكتبون حوله عشرات الرسائل الجامعية… ليخلد اسم صاحبته مع أسماء السابقين من أهل التفسير ….»المبصر لنور القرآن» فهو كاشف لنور القرآن. وهو دعوة للتبصر وتعليم له في الوقت ذاته…
عاشت نائلة مرابطة ببيت المقدس لتعليم القرآن الكريم ولا زالت معطاءة إلى يومنا هذا ..لها مجموعة من المؤلفات منها : ومضة في ظلام، وكواكب النساء، وفلسطينية سأبقى، وخواطر ندية وأفكار مقدسية.. وموسوعة الأسماء البهية ودلالات معانيها في القرآن الكريم، وأحسن القصص في القرآن الكريم.
وهي مؤسسة جمعية نساء الإسلام في القدس التي استمر العطاء فيها ما يقارب الثلاثين سنة، ثم أغلقت سنة 2010م بسبب قلة الدعم المادي.
لم يثنها حبها للعلم والدعوة عن النجاح في تدبير شؤون بيتها والاعتناء بأسرتها تقول: «وبالرغم أنني كنت أقضي ما يزيد على سبع ساعات يوميا في القراءة والكتابة، إلا أنني لم أهمل بيتي وأولادي يوما واحدا؛ بل على العكس لشدة رغبتي في القراءة وتعدد زياراتي للمكتبات غرست في أولادي حب المطالعة منذ الصغر، فكنت كثيرا ما أصطحبهم معي للمكتبات وأختار لهم من الكتب والقصص ما يناسبهم وأناقشهم بها، وقد استطاعوا بحمد الله تحقيق نجاح باهر في دراستهم، فمنهم من أكمل دراسته الجامعية أو مازال يدرس، ومنهم من يعد الآن لنيل شهادة الدكتوراه».