مَدَافع رمضان… من راجمات المغالطات الغربية إلى قذائف “عمليات الالتهام الذاتي” بين المسلمين/محمد مصطفى حابس
اعتاد الناس كل عام مع بداية شهر رمضان، على سماع مغالطات تنتشر في الغرب حول طبيعة الشهر الكريم، وأسباب صوم المسلمين، وتحاول بعض وسائل الإعلام الغربية الأخرى تنوير شعوبها والإجابة على الأسئلة، كفضل الصوم في تهذيب النفس وتدريبها على الصبر والتحمل، والصوم كعلاج للعديد من أمراض العصر المزمنة، كما كشفت ذلك دراسة يابانية حديثة: “أن جسد الإنسان عندما يجوع يأكل نفسه، أو يقوم بعملية تنظيف لنفسه بإزالة كل الخلايا السرطانية وخلايا الشيخوخة والزهايمر، ويحافظ على شبابه، ويحارب أمراض السكر، والضغط والقلب، عن طريق تكوين بروتينات خاصة لا تتكون إلا تحت ظروف معينة، وعندما يصنعها الجسم تتجمع بشكل انتقائي حول الخلايا الميتة والسرطانية والمريضة، وتحللها وتعيدها إلى صورة يستفيد منها الجسم، وتتمثل هذه الظروف في امتناع الإنسان عن الطعام والشراب لمدة لا تقل عن ٨ ساعات، ولا تزيد عن ١٦ ساعة، وسمي ذلك علميا بـ: “عملية الالتهام الذاتي”، وهو موضوع جائزة “نوبل” للفسيولوجيا والطب لعام 2016م للطبيب العالم الياباني بورشينورى أوسومي.
لكن إلى جانب هذه الحقائق العلمية والطبية تبرز مجموعة أخبار وشائعات حول شهر رمضان لا علاقة لها بحقيقة الشهر الفضيل، وقد تتداول هذه الأخطاء حتى من بعض المؤسسات التربوية والدينية الغربية “المختصة”، منها على سبيل المثال – لا الحصر- أن المسلم مجبر على الصوم شهراً كاملاً بلا توقّف عن الأكل والشرب لمدة 30 يوماً متتالياً من دون أن يفطر ولا مرّة إلا عند حلول عيد الفطر، وهو طبعاً أمر مستحيل علمياً، وخاطئ دينياً، كما يروج أيضا أنه يمكن للمسلم شرب المياه خلال فترة الصيام، أي الصيام على الطريقة “اللاهوتية” تصوم عن بعض المأكولات كاللحوم وغيرها، مع إباحة شرب الماء والسوائل في أي وقت من النهار. ومن الإشاعات أو المغالطات المنسوبة أيضا للمسلمين منع تنظيف الأسنان، لأنها تفسد الصوم، ومن الأقلام الغربية من كتب أن الصيام إلزامي على المسلم مهما كانت ظروفه وصحته، متناسيا قول الله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، وفيهم من لم يكلف نفسه عناء البحث والتحري، وكتب أن رمضان “يأتي في موعد ثابت كل عام”، وهي أيضا معلومة خاطئة، إذ يأتي رمضان في كل الفصول..!
أما الطامة الكبرى، فهي “عملية الالتهام الذاتي” أو الإشاعات الداخلية بين المسلمين، وأنواع القذف المتبادل ووصف الآخر بالجهل، وعدم الدراية والتهكم من بعضهم البعض التي تروج هذه الأيام خاصة فيما يخص بداية الشهر الفضيل..!
إذ صدم الجميع بهذا السلوك وذاك التفرق بيننا، ونحن في عصر الحساب والتكنولوجيا، إذ لاحظنا أنه من المسلمين في أوروبا من بدأ صومه يوم الثلاثاء، نعم يوم الثلاثاء..! وفيهم من بدأ يوم الأربعاء..! وفيهم من بدأ يوم الخميس مع أغلبية دول العالم الإسلامي التي اعتمدت الرؤية الشرعية بأن فاتح رمضان سيكون يوم الخميس 17 ماي 2018م، إلا أن فريق “صيام يوم الأربعاء” في بعض الدول الأوروبية، أو الذين يتبنون اعتماد التقويم الأحادي على أقليته، إذ حاول بعض رموزه التحريض، وحتى الضغط ببيانات شفوية وكتابية ارتجالية، في وسائل التواصل الاجتماعي خاصة، وحتى ببعض الإشاعات والمغالطات قصد “كسب الأنصار واستمالة الكفة إلى جهتهم” الساعات الطوال دون تثبت، بل قل حتى إلى ساعات متأخرة من ليلة الأربعاء، على حد تعبير بعض الأئمة، بحيث أردف يقول “لاحظنا أن معظم الذين يدافعون عن الحساب الفلكي منفردا يصرون على تكرار نشر جملة: (غدا الأربعاء 16 ماي 2018م، إن شاء الله تعالى، هو أول أيام رمضان في ألمانيا وسويسرا حسب الحسابات الفلكية الدقيقة)، وأردف محدثي بقوله: “لماذا الإصرار على كتابة كلمة: (الدقيقة)؟ هل لتغليط الرأي العام؟ أم لأن القوم ليسوا مقتنعين تماما بالرأي الذي اعتمدوه؟ أم أنهم تورطوا ولا يملكون الجرأة الفقهية للتراجع؟
كما لاحظ محدثي ومن على شاكلته هجوما شرسا على بعض المشايخ، إلى حد التسفيه والتنقيص والتحريش، بل والتشكيك في صحة صومهم، متناسين أن الخلاف لا يفسد للود قضية، معللا بقوله، إن مذاهب الصحابة رضوان الله عليهم في هذه المسألة ثلاثة:
- مذهب الصوم مع أول من رأى.
- مذهب لكل قطر هلال، وعليه قول ابن عباس، القول المشهور: أنتم رأيتم ونحن لم نر.
- مذهب صوم الاحتياط تورعا للزهاد.
فلماذا التغليط وتوهيم الناس أنهم إن لم يصوموا بالحساب يكونون عصاة؟ لأن هذا ما فهمته العامة من بياناتهم على تعبيره.
رغم كل هذا الهرج والمرج والحقائق الدامغة أحيانا، وحتى بعد توقف الزوبعة في يومها الأول والثاني، يخرج بعض القوم للتشفي بقولهم، إن حجم الهلال كبير جدا يوم الخميس، وهو دليل قاطع على أن بداية الشهر كانت يوم الأربعاء وليس الخميس؟ فرد عليهم الفريق الثاني بشهادة موثقة حول حجم الهلال من الشيخ عبد الله الزبير عبد الرحمن؛ نائب رئيس مجمع الفقه السوداني، يطمئن بها المسلمين في السودان بصحة الصوم يوم الخميس، إذ كتب يقول: “أنا الذي أعلنت نتيجة تحري هلال رمضان، وكنت رئيس اللجنة التي درست التقارير الفلكية، ووقفت على الحسابات الفلكية القطعية المؤثرة في إثبات هلال رمضان، وباتفاق علماء الفلك حسب التقارير الفلكية المختلفة من جمعياتهم، ومراكز الرصد الفلكي وغيرها، الرؤية كانت مستحيلة في كل آسيا، وغير ممكنة عندنا، وكذلك باتفاق الفقهاء”، ليجزم بقوله: “أن كل أدعاء للرؤية يوم الثلاثاء يكذبه الحساب القطعي، وترده القاعدة الفقهية، وعليه فقد أعلنا بعد التدقيق العلمي والفقهي أن يوم الأربعاء هو المكمل للثلاثين من شعبان، وأن الخميس هو أول رمضا”.
“وأما ظهور الهلال كبيرا فسببه أمران، الأمر الأول: أنه مولود من ظهر يوم الأربعاء، فعند مغرب الخميس سيكون عمر الهلال أكثر من 28 ساعة، وبالتالي من البدهي، والمنطق الفلكي أن يظهر جرم الهلال كبيرا.
والأمر الثاني: أن من نبوءات نبينا عليه الصلاة والسلام كبر الهلال في آخر الزمان في أكثر من حديث”، مع إضافات أخرى يطول شرحها.
ورغم التخوف من هذه الظاهرة الغريبة بين المسلمين، والتي سهلتها انتشارها وسائل التواصل الاجتماعي، ونفخت في رمادها أبواق غربية وشرقية، إلا أن بعض دعاة الخير يرون أن مظاهر الشهر الفضيل في الدول الغربية أصبحت مع مرور الأعوام أكثر قوة وحضورا، وما دور المراكز الإسلامية في الغرب في تثقيف الأجيال وتنويرهم إلا مؤشر خير رغم صعوبة الإبحار في خضم أمواج مجريات وتوقعات لعواصف مخيفة قادمة من المشرق هذه الأيام في سماء متقلب من لحظة لأخرى، خاصة في شهر الصيام والمغفرة.
ورغم ثبات الهيئات الإسلامية والمؤسسات التربوية في أداء دورها الفعال في المجتمعات الغربية، فإن كان على الصعيد الاجتماعي، الثقافي والسياسي والخيري، فهي تعتبر نفسها جزءا من هذا المجتمع، وحريصة على ازدهاره، وتقديم الصورة الصحيحة عن الإسلام والمسلمين بعيدا عن التشويه المتعمد من قبل بعض وسائل الإعلام العنصري، واليمين المتطرف، إذ بات يشعر المواطن الغربي أن ما يشاع عن الدين الإسلامي من تـشــويه مـــا هو إلا أكـــاذيب لا تمت للحقيقة بصلة، لكن المخيف والمخجل هو سياسة التنافر والتصادم بين المسلمين، التي اصطلحت على تسميتها بـ: “عملية الالتهام الذاتي”، في بداية مقالي هذا، أو “الملاكمة تحت الحزام بين دعاة القبلة الواحدة”، في مقال مستقل سابق، إذ كتبت على لسان بعض رموز العمل الإسلامي، أنه يتوجب علينا كمسلمين وكمؤسسات إسلامية أن نوصل الصورة الإيجابية الحقيقية عن هذا الدين العظيم من خلال الاندماج والتفاعل الإيجابي مع المجتمع الذي نعيش فيه دون التنازل عن الالتزام بتعاليم ديننا الحنيف.
كما يعد العمل الدعوي والخيري في شهر رمضان المبارك فرصة للمؤسسات الإسلامية للتفاعل مع الجالية المسلمة والمجتمع الغربي بصفة عامة، رغم صعوبة المرحلة وشراسة الأعداء، إذ التحضير للشهر الفضيل يتطلب جهودا وتضحيات مضنية، من خلال تنسيق وتنشيط فعاليات تبدأ بالمساجد ومن المساجد، أبرزها مآدب الرحمن، ومشاريع إفطار الصائم للمسلمين وغير المسلمين، وحض الجالية للتبرع لقضايا الأمة، وكذلك المساهمة بزكاة أموالهم في بعض المشاريع التي تقوم عليها المؤسسات الخيرية في عالمنا الإسلامي، أو كإطعام المشردين واللاجئين للتخفيف من معاناتهم. كما عودت بعض الهيئات والمراكز الجالية المسلمة كل سنة على مسابقات حفظ القرآن الكريم أو أجزاء منه للناشئة من الفتيان والفتيات، حيث توزع الجوائز في ليلة القدر من كل سنة، وهو إعداد لأجيال قادمة تحمل مشعل الخير للناس كافة؛ وكذلك برمجة ندوات أسبوعية ودروس يومية في عدد من المساجد المنتشرة في المدن المختلفة وخاصة الكبرى، كما سعى بعضنا منذ سنوات، لتوحيد مواقيت الصلاة وأيام الأعياد، والسعي للاشتراك في عمل توعوي لتوحيد يوم بداية رمضان إلا أن هذا الأمر لا يزال تتقاذفه أمواج الفرقة والعصبية المقيتة.
ندعوا الله أن يبصر الجميع لما فيه خير الدنيا والآخرة، إنه قدير وبالإجابة جدير، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.