شعاع

في سياق الجدل الثقافي الكبير حول رواية «هوارية» بـعض ُ ما يكشـفه الواقع الثقـافي الإعلامي الوطني

أ. حسن خليفة/

يـمكن قراءة «الجدل» الحادّ الذي جرت وتجري وقائعه في تضاريس الأزرق الكبير، منذ مدة حول فوز إحدى الروايات بجائزة من الجوائز الأدبية ..يمكن قراءته من أكثر من منظور:
1ـ حاجة المجتمع إلى «الحوار»، وجوع النُخب إلى «النقاش»؛ لأن في ذلك حياتها ومنهُ تظهر إمكاناتها ـ أي النخب ـ في التعبير، والتفكير، والتغيير، وقيادة الرأي، ويبدو أن لدينا إشكالا مجتمعيا كبيرا في هذا المجال؛ حيث تكاد تنقرض النُخب ولا نكاد نجد لها «أثرا» أو تأثيرا.
والسبب الأول ربما هو عدم وجود بيئة جاذبة جادة مشجعة على الحوار والنقاش ..وينبغي الحرص على صناعة هذه البيئة؛ لأنها بيئة صحية نافعة مفيدة للمجتمع، محرّكة لعقول أبنائه وبناته.
2ـ الاصطفاف «الإيديولوجي» المترهّل الذي سرعان ما برز من خلال القاموس المعتاد وهو الحدّة في الخصومة، والإسراف في الشتيمة والمغالاة في وصم الآخر بأبشع ما يمكن من الصفات … «دواعش»،»انكشاريون»، «متطرّفون» الخ. وهذا أمر لا يليق بمثقفين ..
3 – الميل إلى الأساليب العتيقة في التعبير عن الرأي والبحث عن «الغبلة» وذلك من خلال فتح قوائم إمضاءات …وقد ظهر سريعا الفريق الذي يُحسن التموقع مع «حرية الفكر والتعبير» من طوائف مختلفة، ومذاهب متنوعة ،لكنهم يجتمعون في مثل هذه «الزردات» عادة .
4ـ الغريب أن المصطفّين في مواقع المدافعين عن حرية التعبير لم يُعرف لهم رأي ولا فكــر في وقائع العدوان الإجرامي الصهيوني على المظلومين في غزة وفلسطين، وكأن ذلك مما لا شأن لهم به ..وهو أمر محيّر؛ حيث إن ذلك حرّك كل الأجناس، وكل الأعمار، وكل النُخب في قارات الدنيا كلها ..إلا هؤلاء …وفي ذلك ما فيه من دلالات.
4ـ لا بد من الإقرار أن مئات من التعليقات والكتابات كانت راقية وأنيقة ومعبّرة عن أدب عال وقوة في الطرح ، ولا ينبغي التعسّف في الجمع بين كل ما قيل ووضعه في «سلة واحدة».
5ـ إطلاق إشارات قوية على مسألة الجوائز الأدبية بصفة عامة، في العالم كله، وفي الوطن العربي، وفي وطننا أيضا …حيث لا يمكن الإفلات من بعض المقاييس الخاصة، والأهداف الخاصة أيضا …وأن ثمة إحجافا ما في إسناد تلك الجوائز إلى مستحقيها لاعتبارات يجب أن تُدرس ويطلق بشانها حوار مسؤول وجدي وإيجابي .فضلا عن الحديث الذي ينبغي أن يتجدد حول أعضاء اللجان في مختلف الجوائز والدوائرذات الصلة بالثقافة والكتاب …و التي لا تخلو في اقتراح الأفراد فيها من الممالأة والمجاملة وغيرهما مما هو معروف على نطاق واسع في الساحات الثقافية والأدبية.
7ـ يبدو الإشكال المتعلق بـ «الأخلاق» و«القيّم» مازال بعيدا عن الفهم الحقيقي لدى بعض دوائر المثقفين، كما أن أعراف المجتمع وتقاليده وفضائله وأخلاقه لا يعني شيئا عند هؤلاء ..ومن ثم يستوي عندهم «الساقط» و«المتألق» والفاضل و«الخامج» وهذا لا يستقيم. من الضروري أن يرقى المثقف ويسمو، ويعانق مجتمعه في اشرئبابه نحو الأفق الأفضل، بل من واجبه أن يعمل على ذلك، ويجعله جزءا من واجبه في الارتقاء نحو الأعلى والأكمل حسّا ومعنى.
8ـ من الضروري التأكيد على أن الأدب ليس مجرد «وصف «للواقع، وإلا كانت الصحافة أفضل منه في تحقيقاتها و«ريبورتاجاتها»…، الأدب تخييل، ورمزية، وسموّ، وفضائل واستفادة من التجربة الإنسانية للصعود وليس للنزول …ونزوع بالقاريء نحو الأجمل ..وليس لإخراج أسوأ ما في الإنسان وهي عُريه وغرائزه وظلماته وشهواته.
9ـ من الجميل أن يؤطّر هدا الجدل وتتلقفه القنوات وا لمواقع والصحف في أشكال مختلف، وإفساح المجال للكتاب والأدباء والإعلاميين والمثقفين ليقولوا ما لديهم دون رقيب ..ليعرفهم المجتمع بشكل أفضل …ويظهر ـ حتما ـ تألقهم وتمثيلهم لمجتمعهم أو يظهر «عوارهم».
10ـ انخراط الأكاديميين، من تخصصات مختلفة شيء جميل ورائع، وينبغي الاستثمار فيه بشكل كبير، ثقافيا وإعلاميا واتصاليا ….

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com