لماذا تكرم المجاهدة جميلة بوحيرد عربيا، وتهمش في الجزائر ؟ عبد الحميد عبدوس
جميلة بوحيرد الرمز الحي للمجاهدة التي لاتكل ولا تستسلم، تبلغ اليوم الثانية والثمانين من العمر(هي من مواليد 1935 بالقصبة، معقل المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي في عاصمة الجزائر) وعندما كانت تبلغ 22 سنة وقفت أمام جلاديها بشموخ وهي تقول بشجاعة أدهشت العالم: “أعرف أنكم سوف تحكمون علي بالإعدام لكن لا تنسوا أنكم بقتلي تغتالون تقاليد الحرية في بلدكم ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة“.
هذه المرأة التي دوخت الشمس ـ على حد تعبير الشاعر العربي الكبير الراحل نزار قباني ـ المرأة التي “صفق لها التاريخ طويلا محبة واعتزازا وتقديرا” تعيش في الجزائر التي أعطت حياتها للذوذ عنها وتحريرها من رجس الاستعمار، كالمنفي في وطنه.
ليس خافيا أن علاقتها مع النظام الجزائري ليست على ما يرام، فقد طالبت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في رسالة مفتوحة بتحقيق جزائر مستقلة عن “الفساد والمحسوبية والرشوة”، ومازالت المجاهدة في هذا السن المتقدمة تشع بروح الثورة والتمرد والوقوف مع القضايا العادلة للشعوب العربية وفي مقدمتها قضية تحرير فلسطين من المغتصب الصهيوني. وإذا كانت تتعرض للتهميش وحتى لمحاولات التشويه في الجزائر، فإنها مازالت رمزا للصمود والكرامة في العديد من الدول العربية، وفي أقطار العالم ،وهذا ما
دفع مجلس أمناء جائزة “بهجت أبو غربية” لثقافة المقاومة في الأردن بالتنسيق مع رابطة الكتاب الأردنيين منح جائزته لعام 2017 للمجاهدة الجزائرية، جميلة بوحيرد، وذلك يوم الجمعة 26 ماي 2017 – . وكرمت السيدة بوحيرد “عرفانا بالدور الذي قامت به إبان الثورة وباعتبارها رمزا للمجاهدين ومثالا للكفاح والتضحية من أجل استقلال الجزائر”، حسب الأستاذ صبحي غوشة رئيس مجلس أمناء جائزة “بهجت ابو غريب”. وأكد غوشة بان بوحيرد هي ”رمز مضيء من رموز الكرامة العربية والحرية والإنسانية وهي تجسيد للنزوع المقدس نحو كل ما هو جميل في الحياة البشرية”.
وكنت أنا كاتب هذه السطور قد تشرفت بالمشاركة ضمن الوفد الجزائري بدعوة كريمة من قناة “الميادين” الفضائية في فعاليات تكريم المناضلة الرمز السيدة جميلة بوحيرد، خلال الحفل الذي أُقيم يوم 3 ديسمبر 2013 بقاعة اليونسكو في بيروت، عاصمة لبنان الشقيق.
وسجلت انطباعاتي آنذاك عن هذا التكريم المستحق لبطلة الجزائر وإيقونة المثقفين العرب المدافعين عن ثقافة المقاومة .
“تلبسّني شعوران متناقضان خلال حضوري هذه المناسبة التاريخية: الشعور الأول هو شعور بالفخر والاعتزاز، وأنا أسمع كلمات النشيد الوطني الجزائري تعزف في هذه القاعة المملوءة عن آخرها بالشخصيات السياسية والثقافية والإعلامية والفنية، التي وقفت احترامًا للسلام الوطني لبلد المليون ونصف مليون شهيد.. شخصيات بارزة من مختلف أقطار الوطن العربي تفاعلت بصدق وحرارة مع تكريم المناضلة الجزائرية الكبيرة التي ابتلّت عيونها بالدمع تأثرًا بكلمات الإشادة والتكريم التي ألقاها الإعلامي الكبير الأستاذ غسان بن جدو، رئيس مجلس إدارة قناة “الميادين”، وقوبلت من قِبل الحاضرين بعاصفة من التصفيق.
أمّا الشعور الثاني فهو شعور بالأسف والإحباط الناتجين عن تجاهل السلطات الجزائرية ووسائل الإعلام الرسمية لهذا الحدث الذي استقطب اهتمام وسائل الإعلام العربية، حتى إنّ سفير الجزائر في لبنان لم يحضر شخصيًا هذا التكريم ضمن الوفد الممثل للسفارة الجزائرية، ولم يحظ التكريم بأدنى إشارة في نشرات أخبار التلفزة الجزائرية، وكأنّ هذا الحدث كان يخصّ مواطنة من جزر ساموا، وليس مجاهدة جزائرية ملأت الدنيا وشغلت الناس ببطولتها المثالية، ووطأت ذرى المجد النضالي بقدميها، وتحوّلت إلى رمز عالمي للكرامة الإنسانية، ومقاومة الطغيان والوحشية الاستعمارية.
كانت صور جميلة وإعلانات حفل تكريمها تزيّن الطريق الرابط بين المطار وفندق الشيراطون ببيروت، المخصص لإقامة الوفد الجزائري والوفود العربية المدعوّة. وكانت بطلة الجزائر محلّ حفاوة خاصة من قِبل الدكتورة أليدا تشي غيفارا، ابنة المناضل الاشتراكي العالمي أرنستو تشي غيفارا أحد رموز الثورة الكوبية، كما كانت محلّ ترحيب وتقدير من قِبل قاد ة المقاومة اللبنانية البطولية التي أذّلت المحتل الصهيوني وداعميه من القوى الإمبريالية الكبرى، وأفشلت مخطط اقتحام جنوب لبنان عام 2006.
استعادت جميلة بوحيرد عنفوان روحها الثورية وهي تجول بمنطقة السياج الحدودي الفاصل بين جنوب لبنان وأرض فلسطين المحتلة؛ تلك الأرض المحبوبة المغتصبة التي تمنّت أن تستشهد فوق ترابها، وتشحن همم المقاومين لتحريرها.
كما توترت ملامحها بالغضب وانفعالات ذكريات الزمن البطولي، وتسارعت خطاها على أديم معلم ”مليتا”؛ ذلك المتحف الجهادي المفتوح على الطبيعة والمسقي بدماء المقاومين والمحتضن لبقايا سلاح المقاومة ورفات بعض الشهداء المدفونين في ذلك المكان الذي شهد أروع ملاحم البطولة والصمود والتضحية، ومازال مزروعا بحطام الدبابات والمدافع والعربات التي خسرها الجيش الإسرائيلي في معاركه الخائبة ضدّ المقاومة. وكان من الصعب على المرافقين للمجاهدة جميلة بوحيرد التي تجاوزت عقدها السابع اللحاق بخطواتها المتوثبة، لأنها بقيت مفعمة بروح الثورة والوفاء للمقاومين والشهداء، وكلّما سئلت عما إذا كانت تريد التوقف أو الاستراحة قليلا أو العودة إلى السيارة أشارت بالرفض، وأكّدت أنّها تريد أن ترى كلّ تفاصيل المعلم وآثاره المجيدة التي تعدّ مفخرة لتاريخ الصمود والمقاومة في لبنان والعالم.
جميلة بوحيرد تشعرك بالاعتزاز بالانتماء إلى الجزائر وتاريخها وجهادها، هذه البطلة التي تحوّلت إلى أسطورة حيّة، تأسر القلوب بتواضعها وصدقها، وعفويتها التي تصل إلى حدّ براءة الطفولة، كانت بحق جديرة بتكريم قناة ”الميادين” والحصول على درع ”جدارة الحياة” ذلك التكريم الذي أطلقته قناة ”الميادين” للاحتفاء برموز النضال والدفاع عن الكرامة الإنسانية في العالم. وقد تناوب على الإشادة بشخصيتها وبنضالها أسماء عالمية وعربية لامعة، من أمثال الدكتورة أليدا تشي غيفارا، والسيدة أني رجا نائبة رئيسة الاتحاد النسائي العالمي، والسيد جورج غالواي النائب في البرلمان البريطاني، والسيد سليم الحص رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، والشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم، والفنانة اللبنانية جوليا بطرس، وعدد من الإعلاميين البارزين من تونس ومصر والعراق والأردن واليمن.