فتح الكريم المنان بجَمع مقالات الشّيخ محمَّد شونان : نصّ مغمور ومنسي للوطني والمصلح شونان سنة 1938م

أ. الأخضر عالب/
بدأ بحثي عن هذا المقال المغمور لصاحبه الشَّيخ محمَّد شونان؛ عندما تتبعتُ سيرة ومسيرة الإصلاحي الكبير الشَّيخ عبد القادر بن إبراهيم المسعدي أحد عُلماء أولاد نائل، ورائد من روَّاد الحركة الإصلاحية بالجنوب الجزائري، الذي انتقل إلى مدينة الجلفة في نهاية 1937م حيث تولى التَّدريس بالنَّادي الإسلامي الذي أسَّسه جماعة من مصلحي الجلفة، واختاروا الشَّيخ المسعدي باعتباره عالم دين وفقيها مشهورا، فكان مُعلّمًا ومُرشدًا إلى التّعاليم الإسلامية وللسان العربيّ، وأصبح النَّادي الإسلامي بالجلفة عامرًا بالدُّروس والمحاضرات العِلْمية النافعة والداعية إلى الإسلام الصحيح بما جاء به القرآن الكريم والسُّنّة النَّبويَّة، ونجحت حركته العِلْمية والإصلاحية رغم أنها لم تدم إلا ستة أشهر فقط، حتى تفاجأ الشَّيخ المسعدي بمنعه من التَّدريس من طرف رئيس ملحقة الجلفة متحجِّجا بالقانون المشؤوم 8 مارس 1938م الذي يمنع تعلّم اللّسان العربي، وصار الشَّيخ المسعدي تحت المتابعة الدقيقة من قاضي وحاكم مسعد وبعض الطُّرقيين من أجل قطع محاضراته وصحوته بالنَّادي، وعاد الشَّيخ إلى مسعد ليجد قرار آخر في انتظاره يمنعه من مزاولة أي نشاط ببلدته.
وقد وثّقت جريدة البصائر حجم العراقيل والمضايقات التي اعترضت الشَّيخ المسعدي من طرف حاكم مسعد وبعض الطُّرقيين، فمنعت مُصلحيها من أي نشاط ديني وهددتهم، وتحدثت البصائر عن تعطيل النَّادي الإسلامي ووقف محاضراته تماما، وذكرت البصائر إشارة مهمَّة وهي أن محمَّد شونان قد كتب مقالًا في جريدة الفرقان، وأنه تم منع صحيفة الفرقان بسبب نشرها مقالا عن تعطيل النَّادي ونفي السَّيد شونان محمَّد من الجلفة.
ومن هذه الإشارة؛ بدأ بحثي عن هذا المقال المغمور الذي كتبه الشَّيخ محمَّد شونان، وقبل أن أعثر عليه، قرأتُ للشيخ المسعدي في مخطوطته: ( ديكتاتورية غير متناهية مظالم حاكم مسعد المتوالية)، والتي حققها الأستاذ لحسن بن علجية، حيث أشار الشَّيخ المسعدي في معرض حديثه عما لقاه من الاحتلال الفرنسي وأذنابه إلى هذه الحادثة وذكر اسم الشَّيخ محمَّد شونان، إلا أنه ذكر جريدة الأمَّة بدل الفرقان، حيث قال: (… انتقل الشَّيخ إلى بلده مسعد، وعند حلوله احضرهُ حاكم الرّباط وتنكر له، وقال: بلغني أنّ مقالةً صدرت في جريدة الأمَّة بإمضاء محمد شونان، وما أظنُّك إلا مُمْلِيهَا أو كاتبها، ولكن إنِّي أحجرُ عليك الخروج من البلدة إلا بإذنٍ منّي، وجعل يهدده بأنواع العقوبات، وقال: إنَّ شونانَ نُفِيَ، والجريدة عُطِّلَت بسبب تلك المقالة، وكل ذلك اختلاق منه، والشَّيخُ لا يكترث بتهديداته، لأنه يعلم كذبه، وبراءة ساحته من كلّ ما ينسبه إليه بهتانا وزورا …).
وظل هذا المقال في غياهب النسيان والإهمال، وبعد جُهد جهيد عثرتُ على هذا المقال القيم في جريدة الفرقان فعلا، وأذكر هنا أن هذا النّص المنشور في جريدة الفرقان في العدد5، الصَّادر بتاريخ الثلاثاء 5 جمادى الثانية 1357هـ/2 أوت 1938م، نصُّ نادر؛ فلم يُنشر من قبل في الأبحاث التي تناولت الحركة الإصلاحية بمِنْطَقة مسعد و الجلفة، أو الأبحاث التي اهتمت بآثار الشَّيخ محمَّد شونان أو من كتب عن أعلام الجلفة.
وللعِلْم فجريدة الفرقان أصدرها الشَّيخ أبو اليقظان سنة 1938م وحلّت محل جريدة الأمة التي صادرتها سلطة الاحتلال، بسبب نشرها أخبار الإصلاح وفضح سياسة الاحتلال الفرنسي، وهي آخر الجرائد اليقظانية الثمانية، صدر منها 5 أعداد فقط، صدر آخرها في 2 أوت 1938م وهو العدد الذي نُشر فيه مقال الشَّيخ شونان، وفعلا تمّ تعطيل الجريدة كما ذكر المسعدي (سابقا) على الرغم أنه أخطأ في اسم الجريدة فذكر الأمّة بدل الفرقان، ويبدو أن مقال محمَّد شونان من المقالات الإصلاحية التي كانت سببًا في توقيف جريدة الفرقان.
وقد حمل المقال الكثير من الأحداث التاريخية والأخبار عن الحركة الإصلاحية وعن الشَّيخ عبد القادر المسعدي، وما واجهه من الاحتلال الفرنسي ومشايخ الطُّرق الصوفية من صعوبات وعراقيل جمّة، حاولت بذلك ثني المسعدي عن نشر العِلْم والمعرفة والوعي الديني والوطني ونشر اليقظة وزعزعة الركود والجمود الفكري، فرفض السياسة الفرنسية، وضرب تراكمات الدجل والخرافات والبدع المنتشرة في الوسط الشعبي، كما يظهر المقال علاقة جمعية العلماء بمِنْطَقة الجلفة، ومعلومات جديدة عن الدور الإصلاحي والتّعليمي للنَّادي الإسلامي، وعن وطنية أهل الجلفة عامة، ووطنية ومواقف الشَّيخ محمَّد شونان المشرّفة، وغيرها من الحيثيات التاريخية التي يمكن استنباطها من هذا المقال المنسي منذ 1938م، فضلا عن أن هذا الأثر العِلْمي يُمثل إضافة جديدة تُضاف لآثار الشَّيخ شونان هذا الرجل الوطني المخلص، المنسي والمغيب الذي يحتاج منا إلى نفض التراب عن تاريخه ونضاله ومواقفه الوطنية، كما يُضيف هذا المقال النفيس قيمة للدراسات التَّاريخية الأكاديمية حول الحركة الوطنية والإصلاحية بمِنْطَقة الجلفة.
الشَّيخ محمَّد بن شونان عَلمُ من أعلام الحركة الوطنية و الإصلاحية بمِنْطَقة الجلفة وأحد أعلام الجزائر، وهو من الرعيل الأول في الغيرة والوطنية والحركة الفكرية والثقافية بمِنْطَقة الجلفة والمواقف البطولية الشجاعة، يستحق منا التعريف به والبحث في مناقبه وآثاره ومآثره والافتخار به، فقد برز كغيره من الرجال الإصلاحيين الذين حملوا راية العِلْم الصحيح ونشر الوعي الديني والتحرري، دافع عن لُغته العربيّة وعن الدين الإسلامي الحق وعن عروبة الجزائر، عُرف عن الرجل كُرهه الشديد للاحتلال الفرنسي، وكانت مُشاركة قويَّة وفعَّالة في الحركة الوطنية بمِنْطَقة الجلفة، وصولًا إلى الثَّورة المظفرة التي أبلى فيها البلاء الحسن، وسنُحاول في هذه الورقة البحثية التَّعريف به، لعلنا نرُّد له و لهذا الجيل الرائع من رجالات مِنْطَقة الجلفة بكل مدنها وقُراها، فُهم اللّبنة التي نتكأ عليها في خدمة حاضرنا وبناء مستقبلنا، فيجعلنا نفتخر بهؤلاء الأعلام، وهم الذين دافعوا عن وطننا الجزائر وعن لُغتنا العربيَّة وعن ديننا الإسلامي الحق، وعاشوا من أجل الدفاع عن أساسيات الهُويّة الوطنيّة.
نسبه ومولده ونشأته العِلْمية
بلدة حاسي بحبح تقع في الجنوب الأوسط للجزائر، تبعد عن العاصمة بمسافة 250 كلم، وعن عاصمة الولاية الجلفة ب 50 كلم شمالا، يمر عليها الطريق الوطني رقم1، تم ترقيتها إلى دائرة سنة 1974بمرسوم رئاسي مؤرخ في 12 جويلية 1974م، وتتكون دائرة حاسي بحبح حاليا من بلديات: حاسي بحبح الأم، الزعفران، حاسي العش، عين معبد، تشتهر ببعض المعالم الأثرية والتاريخية، وقد أنجبت هذه المِنْطَقة الكثير من الأسر والشَّخصيات الدينية والعِلْمية والأدبية والجهادية، ومنهم الإصلاحي الوطني الشَّيخ محمَّد شونان.
هو الشَّيخ المصلح والكاتب الصحفي والمجاهد محمَّد بن المختار شونان، أصله من أولاد عمران من أولاد القويني، وهم فرع لقبيلة أولاد نائل العربيَّة، وُلِدَ ببلدة حاسي بحبح عام 1900م، انتقل إلى زاوية الشَّيخ المختار بقصر الشلالة بولاية تيارت، فحفظ أو يكاد القرآن الكريم وتعلّم العربيَّة، ليشد الرحال إلى جامع القرويين بفاس بالمغرب الأقصى، حيث واصل تحصيله في العلوم الشرعيَّة.
نشاطه السياسي والإصلاحي
عاد الشَّيخ شونان إلى الجزائر سنة 1920م، وانخرط في النضال السياسي ضدّ الاحتلال الفرنسي، وفي أواسط العشرينيات اتصل بزعيم النهضة الإصلاحية الجزائرية الإمام عبد الحميد بن باديس، وكان على عِلْم بالمشروع الإصلاحي لابن باديس؛ وهو من السبَّاقين لانضمام إلى جمعية العلماء بمِنْطَقة الجلفة، وقد حثّه ابن باديس على تأسيس مدرسة إصلاحية بمدينة الجلفة، ونذكر هُنا أن الشَّيخ ابن باديس قد زار مِنْطَقة الجلفة سنة 1932م أي بعد تأسيس جمعية العلماء بسنة تقريبا من أجل الوقوف على المشروع الإصلاحي والتقى مشايخها وأعيانها.
تقلَّد الشَّيخ محمَّد شونان نائب رئيس النَّادي الإسلامي بالجلفة إثر تجديد إدارة النَّادي في عامها الثاني في سبتمبر1938م، ليواصل نشاطه الإصلاحي ونضاله الوطني فترأس سنة 1951م شعبة جمعية العلماء بالجلفة عند تجديدها، وجاءت قائمة أعضاء الشعبة كالآتي الرئيس محمَّد شونان، ونائبه بلقاسم قحضاب، الكاتب عبد الله براهيمي ونائبه الحاج قويدر بن عمران بن شويحة، أما أمين المال فهو الحاج بن فاش دروازي ونائبه عبد الرحمن بن يحي حران، المراقب أحمد بن المدني عدلي، أما الأعضاء المستشارون فهم: عبد القادر بن القرن بن سالم، وحميش بودينار، والنعاس أبو الأرباح، والنعاس بن مبروك عمران، والمولود بن يوسف عرعور.
وعموما؛ فقد تقلَّد الشَّيخ محمَّد شونان عدَّة مهام سواء كمناضل في الحركة الوطنية أو عند اندلاع الثَّورة التَّحريرية.
وعقب أحداث 08 ماي 1945م نفته السلطات الفرنسية إلى أدرار، وبقي بها مدة سنتين درس فيها بزاوية مولاي المهدي بن سي حمود، ثم عاد إلى مدينة الجلفة سنة 1947م، وكانت له علاقة مع زعماء تيارات الحركة الوطنية مصالي الحاج وفرحات عباس وهذا الأخير زار الجلفة ومسعد مطلع سنة 1947م حسب وثيقة عثرنا عليها، وقد أدرجنها في كتابنا: الموسوم: الشَّيخ الأخضر بن الغويني المسعدي حياته وآثاره، الصَّادر في جانفي 2024م عن دار قرطبة للنشر والتوزيع.
وكان نشاطه المكثف في الحركة الوطنية بمنطقة الجلفة سببا في دخوله السجن فكان أول دخول للسجن سنة 1925م في قصر الشلالة لمدة ستة أشهر، وقضى عدّة شهور في سجون كل من الجلفة وتسمسيلت وغرداية والمنيعة وأدرار وبشار، فضلا عن تعرضه للنفي المتكرر.
تجربته مع صحافة جمعية العلماء
يُعدُّ المصلح محمَّد شونان أحد أعلام الصحافة الإصلاحية والوطنية بمِنْطَقة الجلفة، فقد اقتحم الكتابة الصحفية، وبذلك يُعدُّ من الأقلام الأوائل الذين نشروا مقالات ضافية في أوج عطاء الحركة الإصلاحية الشاملة، كتب بعض المقالات في جريدة البصائر تحدّث في مجملها عن عرقلة الحركة الإصلاحية التعليمية الدينية وملاحقة ومراقبة مصلحي الجلفة كسجن المصلح عبد القادر المسعدي ورفيقه سنة 1938م، وقضية سجنه هو بنفسه في أوت 1939م رفقة الشيخين محمَّد الشامخ وصالح الزنيني.
التحاقه بالثَّورة التحريرية
ولأن بعد كل حركة إصلاحية إلا ولها هدف منشود تسعى للوصول إليه ألا وهو تحقيق الاستقلال، وقبل ذلك فلا بد من تفجير ثورة عارمة ضد الاحتلال الفرنسي يقودها جيل الصحوة ومن حمل الوطن في قلبه وعقله وضميره، فالتحق الشيخ شونان بالثَّورة التحريرية وبصفوف جيش التَّحرير الوطني سنة 1955م، وإلى جانب دوره الثوري البارز في الثَّورة فقد كانت السلطات الفرنسية وأجهزتها المخابراتية تتبع كل شيوخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فصفت منهم واعتقلت البعض الآخر لعِلْمها قوة تأثير هؤلاء المشايخ في دعم الثَّورة والمجاهدين وحثّ الشباب للالتحاق بالجبال، وبسبب نشاطه الثَّوري وعدواته لبلونيس وأتباعه، فألقى عليه القبض وسجن 10 شهور في سجون العميل بلونيس من1957 إلى1958م، كما تعرّض للنفي فنُفي بعدها مرة أخرى إلى المغرب ما بين 1959إلى1962م، ليعود بعد الاستقلال إلى بلده الجزائر، وظل الرجل مُخلصًا ووفيًّا لبلده الجزائر ولأمته العربيَّة الإسلاميَّة.
وفاته
قضى الشَّيخ محمَّد شونان كل حياته للعِلْم والقرآن ولخدمة قضايا وطنه وأمته ولدينه وللجهاد، توفي الشَّيخ يوم 16جويلية 1993م، عن عُمر ناهز 93 عاما، ودُفن بالمقبرة الخضراء بالجلفة، وحضرت جنازته جموع غفيرة من كل جهات ولاية الجلفة، وألقى مفتي ولاية الجلفة الإمام الشَّيخ عامر محفوظي كلمة التَّأبين، رحم الله الشَّيخ محمَّد شونان، الرجل الذي جمع بين العِلْم والإصلاح والوطنية والسياسة والجهاد الثوري، عاش منافحًا عن اللُّغة العربية العربيّ والإسلام الصحيح، وعن الثَّقافة العربيَّة الإسلاميَّة الأصيلة، وقد تميز الرجل بخصال حميدة يمكن استنتاجها من كتاباته كالشجاعة والأنفة والثبات في المبدأ والموقف، والصدق وقول الحق والصبر فقد تعرّض للسجن والنفي عدّة مرّات سواء في نضاله في الحركة الوطنية أو في الثَّورة التحريرية.
*عنوان المقال: أول ناد بالقطر الجزائري تُمنع فيه الدروس والمحاضرات:
[مكثت الجلفة في هناء وراحة إلى أن قدم إليها بعض مشايخ الطرق، والذين لا يريدون بالأمة خيرًا والذين هالهم ما رأوا فيها من انتشار الإصلاح وفشوه بين أرجائها وساءتهم يقظة أبنائها واقبالهم على سماع دروس الوعظ والإرشاد التي يقوم بها الشَّيخ عبد القادر بن إبراهيم فغاظهم ذلك جدًا وأقض مضاجعهم وأسهرهم، فأوعزوا إلى بعض الأذناب وحرضوهم على السعي بكل الجهود في عرقلة دروس الوعظ بالنَّادي حتى لا تنتبه الأمة من غفلتها، وتبقى على ما كانت عليه من الجهل والجمود خاضعة لسلطانهم مطيعة لشيطانه.
فتنبهت الحكومة لذلك وأرسل رئيس الملحقة خلف الشَّيخ عبد القادر وأخبره بأنه صدر قانون يقضي بمنع إلقاء الدروس والمحاضرات بدون رخصة.
فأجابه الشَّيخ بأن القانون الأساسي للنادي الذي صادقت عليه الولاية العامة ينص في مادتيه الأولى والثانية من الفصل الرابع أن لأعضاء الجمعية تنظيم الدروس وإلقاء المحاضرات وإنني بصفتي عضوا من أعضائها فإن القانون المذكور يخولني حق التدريس وإلقاء المحاضرات، فأجابه الحاكم بأني أعلم القانون وأنه لا بد من طلب الرخصة لمن يريد التدريس أو المحاضرة سواء كان من إدارة النَّادي أو من غيرها، لأن القانون المذكور – قانون مارس – شامل لكل ما ذكر.
فأجابه الشَّيخ بأن هذه المحاضرات مجرد كلام يلقى على مسامع الحاضرين وليست كالدروس المنظمة بالدفاتر والأقلام كما تظن حتى تفتقر لطلب رخصة.
فأجابه الحاكم بأني رأيتُ عدّة مدارس كبرى بالجزائر وباريس كلها على تلك الصورة لا دفتر ولا قلم ولا بد من أن تطلب الرخصة أو تترك المحاضرة.
فرجع الشَّيخ إلينا وأخبرنا بما دار بينه وبين الحاكم فأوفدتني الجمعية إلى خليفته الأكبر إذ ذاك السيد (اريستان)، الرجل الحر الديمقراطي الذي خسرته الجلفة المنكودة الحظ، والذي لولاه لم يفتح النَّادي بها، فسألته عن السبب الذى منع الحاكم المحاضرة بالنَّادي من أجله، فقال لي لم لا تجعلون الإمام الرسمي، فقلت له أن هذه المسألة مسألة انتخاب واقتراع ليس لأحد فيها رأي وحده، وأن الرجل الذي تشير إليه لا يرضاه أحد، ولو وصلت الحالة إلى غلق النّادي وأيضا فهو رجل جاهل لا يعرف شيئا، وهل يليق بمن لا يعلم أن يتقدم على من يعلم، فقال لي إنه لا ينبغي للشيخ عبد القادر أن يحاضر فرجعت إلى الجمعية وأخبرتها بما وقع، فاتفقنا على أن نكتب لرئيس الملحقة كتابا نستفسره فيه عن رأيه، ونسأله عن القانون المانع إلقاء المحاضرات بدون رخصة، وهل نحن أحرار في نصب من نريده للوعظ والإرشاد أم لا، وفعلا كتبناه وصحبناه بنسخة من القانون الأساسي للنادي و بعثناه على طريق البريد مضمونا (ريكو ماندي) ومكثنا ننتظر الجواب مدة طويلة ولما لم يرجع اجتمعنا مرة ثانية وقررنا أن يذهب إليه أحدنا يطلب منه الجواب، فعينتني الجمعية لذلك فذهبت إليه فابتدأني قائلا: ألم ينهكم الخليفة (اريستا) عن نصب الشَّيخ عبد القادر أولا، فقلت له لم ينهنا وقد أخبرناه حين قدم وشرع في المحاضرة، فقال امضوا في عملكم على حسب القانون المعطى لكم من الولاية العامة، ثم طلبتُ منه جواب الكتاب الله فقال لي لا جواب إلا ما ذكرت لكم سابقا، فقلت وأين القانون القاضي بمنع المحاضرات، فقال لي لا قانون وإنكم قوم تعلمون سائر القوانين، وأعلمك رئيس لهاته الملحقة ولي حق التصرف فيها بما أشاء، فقلت له أعلم بأنك كلفتنا بشيء لا نطيقه ولا يطيقه مسلم، وإننا بسببه نضطر إلى أحد أمرين، إما عصيانك أنت خاصة لأن القانون يبيح وأنت تمنع، والواجب علينا امتثال القانون لا امتثال رأيك، وأما أن نخوض في السياسة التي لا يجيز لنا قانوننا أن نخوض فيها ولكنك تضطرنا بفعلك هذا للخوض فيها، فقال لي أنني أقدر إن تكلمتم في السياسة أو خضتم فيها أو عصيتم الأمر أن أغلق عليكم النَّادي وأسجن وأعذب وأغرم من عصا فقلت له إننا مستعدون في سبيل ديننا لتلقي أكثر مما ذكرت وإننا لا نقدر أن نعيش بغير ديننا ولا نرضى أن نمس في شيء منه كما لا ترضى أنت وكل ذي دين بمس شيء من دينه، فقال لي لم أمسكم في أمور دينكم فهل منعتكم من صلاة أو صيام، فقلت له وهل تعرف الصلاة أو الصيام بغير قراءة وتعليم وإني أعلم بأنهم غلطوك فيما قالوه لك عن النَّادي وجماعته وما رموهم به من التهم، وأنه لا يليق أن تستمع لكل من يلقى إليك كلاما حتى لك صدقه، فقال إنك قد سمعت الجواب وهنا رجعتُ وأخبرت الجمعية بما تم، ولما سمع أعضاؤها تلك المحاورة التي دارت بيني وبين الحاكم عمد بعضهم إلى تقديم استقالتهم احتجاجا على تلك التصرفات الناشئة عن الاختلافات والدعايات التي يبثها المفسدون ضد النَّادي ورجاله، وهو عدم تريث وتثبت منهم لأنهم بذلك يثبطون العزائم ويوهنون القوى، غير أنّنا – والحمد لله- لا نألو – نحن الذين بقينا منهم – جهدا في النضال والدفاع عن الحق الذي هو ضالتنا وأننا معتصمون بالله وواثقون به ومتيقنون بأنه سينصر من سينصر كما لا نيأس أيضا من عدل رجال فرنسا لأننا نعتقد أنهم مغرورون ومتى تبين لهم الحق واتضحت الحقائق عدلوا عن سلوك هاته الخطة وارجعوا المياه إلى مجاريها، أما أولئك الخائنون لربهم ودينهم وأمتهم ووطنهم الغاشون لدولتهم الكائدون لها بقلب – الحقائق وتصويرها في صورة غير ملائمة فستكون لنا إن شاء الله عودة لبث مخاز يهم ونشر ما تكنه طواياهم من المكر والكيد حتى يتضح لرجال فرنسا الذين لا تخفى عنهم الدسائس بأنهم هم المشوشون المهيجون للأمة التي تريد أن تعيش تحت ظل الدولة الفرنسية في هناء وراحة] – الجلفة- محمد شونان.
– للمقال مصادر ومراجع
* باحث في التاريخ المعاصر- ولاية مسعد.