أقلام القراء

خطيئة خطيب عرفة لا تبرئ ساحتنا !

محمد خليفي /

تابعت قبل أيام التعليقات والانتقادات التي طالت خطيب عرفة القارئ ماهر المعيقلي، وما أخذ عليه من عدم الدعاء لغزة أو بالأحرى عدم الاسترسال في الدعاء والاكتفاء بدعاء قصير لا يتعدى السطرين!، هذا من جهة ومن جهة أخرى تصريحه الذي أثار لغطا وجدلا واسعا لا يقل عما أثاره قِصَرُ دعائه، والذي جاء فيه بأن الحج ليس مكانا للشعارات السياسية ..ولعل أكثر تلك الردود كانت قاسية وجارحة في عدالة القارئ ماهر المعيقلي، وصلت حد الشتم والسب والدعاء عليه بالويل والهلاك له ولدولته… دكاترة، علماء، مثقفون، كتّاب، إعلاميون، عوام.. الكل تفاعل وبقوة مع هذا الحدث،وقد أبدى كل واحد رأيه من منبره الخاص، حتى رأيت بعض الشعراء ينظمون القصائد في هجاء ذلك الخطيب، وكلها ردود تشترك -وإن اختلفت صورها – في التذمر الشديد من سيئتين اقترفهما خطيب عرفة، قِصَرُ دعائه، وعلمانية خطابه … إن قائلا ما يقول وهو يقرأ هذه الأسطر، إنه لا ينبغي لمسلم موحد غيور على دينه ومقدساته إلا أن يلعن هذا القارئ « المارق»، ويتبرأ منه وممن نصّبه خطيبا على المسلمين في يومهم الأكبر،يوم عرفة ….وإنا لن نقبل منه بعد اليوم نصحا، ولن نسمع له تلاوة، ولن نقرّ له بفضل ..وليذهب إلى مزبلة التاريخ حيث خونة القضية، ..سأضم صوتي إلى صوت هذا القائل، وسأكون ممن ينادي بأعلى صوته «أيها الناس إن البراءة من ماهر المعيقلي براءة من الشرك وأهله « ..سأفعل هذا لو كنت أعلم أن في هذا انتصار فلسطين، وعودة القدس إلى حوزة المسلمين ،،، إنني لا أريد أن أتألى على الله -معاذ الله – لكن هب أن خطيب عرفة دعا لغزة فأطال، وبكى فأبكى، وتباكى بصعيد عرفات كل من لم يحضره البكاء، فسالت أودية مكة وشعابها بدموع الحجيج، ثم إن خطيب عرفة قرر أن ينقل الحجيج نقلة كبرى،بعد أن تحركت فيه نوازغ الإيمان والجهاد، واستيقظت في نفسه مكامن الحمية الإسلامية، فأعلنها في صراحة تامة «أيها الناس إنه لاحج لكم حتى تستردوا ثالث الحرمين، ثوروا لأرضكم، واكسروا شوكة من يقف في طريقكم ..و …..انقطاع الصوت ….» ها قد ابتلت الثياب بالدموع، دموع الدعاء الخاشع المتذلل، وها قد سمعنا من خطيب عرفة -قبل قطع الصوت – ما يغني عن سماع الخطبة إلى آخرها، وها قد أقيمت الحجة التي لا نريد قيامها علينا إلا على يد خطيب عرفة … ثم ماذا ؟ خطيب عرفة ..إلى الإعدام . الحجيج : إكمال مناسك الحج، والعودة السريعة إلى أرض الوطن، الالتحاق بالوظائف والمناصب، البحث مرة أخرى عن شماعة جديدة نعلق عليها فشلنا وتخاذلنا، أو لعله البحث عمن لم يدع لمن دعا لفلسطين، وعمن لم يدع على من لم يدع لفلسطين …وتصبح قضية الدعاء لفلسطين أساس الولاء والبراء ..بل قضية القضايا … إن الذي أفهمه من الإسلام أن الدعاء سلاح المؤمن، وأن الدعاء من جملة الأسباب التي أمرنا باتخاذها، على ألا يصبح السلاح الوحيد، ولا السبب الوحيد الذي نقدمه إلا إذا ألجئنا إلى الزاوية وانقطعت الأسباب ونفدت الحيل …وإن هذه الضجة الكبيرة التي تسبب فيها خطيب عرفة تكشف فيما تكشف فكرة مميتة وعقيدة فاسدة تسكن عقولنا مفادها أنه لا حيلة غير الدعاء، ولا سبب نقدر على تقديمه غير اللجوء إلى الله، لذلك أقمنا الدنيا ولم نقعدها على خطيب عرفة الذي دعا،لكنه لم يطل !! لقد أتى هذا الخطيب على آخر الأسباب أو لعله يضمر الإتيان عليه، لقد بخل على أهل غزة بما لم نقدر إلا عليه ..كان عليه أن يدعو فيطيل،وأن يرفع صوته ويظهر حزنه ويستدعي دمعه و يشق إحرامه، وأن يبالغ في الدعاء على إسرائيل بالويل والثبور والهلاك والدمار وعلى حكام العرب ومعاونيهم ومن مشى في حزبهم وكل من وقف في طريقنا نحو تحرير فلسطين..إن هذا لخطيب سوء، لم يشف غليلنا، ولم يعبر عن أسفنا وأحزاننا بما يبرئ ساحتنا أمام إخواننا في غزة!! إننا نعتقد أننا استنفذنا جميع الطرق، وأننا أتينا على جميع الأسباب، وقد ألجأتنا الظروف المحلية والعالمية إلى الزاوية التي لم يبق معها إلا الدعاء والتضرع والقنوت على إسرائيل، إننا محاصرون من كل جانب تماما كما حوصر محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر في الغار …ولم يبق إلا الدعاء ..هذا حالنا وهذا اعتقادنا …وهي الفكرة القاتلة لكل أمل ، والاعتقاد الفاسد الذي يشوه صورة التوحيد الحقيقي ..وهو اعتقاد لا يقل في خطورته عن خطورة ذلك الخطيب الذي دعا عرضا،وجرد الحج من السياسة … فلسطين قد جرت من العرب والمسلمين مجرى الدم، لسنا بحاجة إلى دعاء خطيب حتى نتسوله من ماهر المعيقلي، ولا إلى رثاء شاعر، ولا إلى تنديد حاكم ..نحن -الشعوب المقهورة- بحاجة إلى شيء واحد وفقط، وقفة صادقة مع النفس واستفزازها بسؤال : مالذي يمكن أن نقدمه كشعوب لفلسطين في عالم الأسباب بعد تآمر الجميع عليها ؟ ، فلننفض أيدينا من كل من تبرأ من فلسطين وخانها وخذلها ..ثم لننظر مالذي يمكن أن نفعله كشعوب مستعبدة مقهورة لإخواننا في فلسطين غير الدعاء وفتات الصدقات التي لاتسمن ولا تغني من جوع …إن الذي أودع هاته الأنفس عقولا مفكرة، وفطرا سوية، وإرادة قادرة على الفعل كلفها بإعمال تلك العقول وإطلاق طاقاتها، وكلفها بالاستجابة إلى نداءات الفطرة، وإلى تحرير تلك الإرادة ..حتى ينطلق ذلك الإنسان -المقهور المستعبد – إنطلاقة السهم في إبداع الحلول الممكنة، وابتكار وسائل النصر ، يشق طريقه وسط الركام الهائل من المواقف المخزية،،مستعينا بالله، معلقا رجائه في الله أن يهديه سبيل النصرة، ملتفتا إلى واقعه، باذلا جهده في فهمه، غير غافل عن السنن الإلاهية، ولا مصادم للقوانين الكونية .. أعتقد أن خطوة إلى الوراء لتجديد الفهم، مهمة جدا قبل الشروع في خطوات غير محسوبة، وغير نافعة بالضرورة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com