ما قل و دل

الإنسان قبل المحيط/محمد الصالح الصديق

استيقظت صبيحة اليوم على حركة غير عادية، وأصوات مرتفعة تنبعث من هنا وهناك، ظهر لي بعد حين أن جماعة من الشبان – هم الذين – يقومون بتطهير الحي وتنظيفه، لأنه بالرغم من رقيه وتميزه – نسبيا- فإن طغيان الأوساخ والقاذورات على البلاد قد دهمه وشمله..!

وفي المساء بعد انتهائي من عملي الفكري، خرجت للمشي قليلا في الشارع العام طلبا للراحة، فسرني ما رأيت من آثار التنظيم والتطهير، وبعض الترتيب والتنظيم للحشائش والظهور على أرصفة الطريق، ولكني ما لبثت أن قلت في نفسي: “…ما فائدة هذه الحملة؟ وهذا المجهود المضني ما دام الإنسان هو مصدر الأوساخ والقاذورات؟! أليست الحكمة أن يطهر الإنسان قبل أن يطهر محيطه؟ أليس المنطق والمعقول أن يهتم بالعلة قبل أن يهتم بالمعلول؟

إن الإنسان هو الذي يشوه المحيط بما يرمي فيه من أوساخ وقاذورات، وهو الذي يحطم أجهزة الهاتف، ويكسر مصابيح الإنارة، وهو الذي يقتحم الحدائق، ويدوس على ورودها وزهورها، ويعيث فسادا بأشجارها وحشائشها.

إن الدخان لا يقضى عليه إلا بإطفاء النار، فمن أراد تنقية المحيط قبل تنقية الإنسان فإنه محالا يحاول، وعسيرا صعب المرام يطلب ويريد. فكما أن الجسم لا يصلح إلا إذا صلح قلبه، فإن المحيط لا يصلح إلا إذا صلح الإنسان، فهو قلبه ولبه، ومصدر سعادته أو شقاوته، فهو الذي يشيع في حيه ومحيطه الفضيلة والخير، ويغرس حب النظافة والطهارة، ويحبب النفوس إلى النقاوة والجمال، ولكي يصلح قلب المحيط الذي هو الإنسان، يجب العناية به منذ عهد الطفولة بالتربية والتعليم الصالحين!

ومن هنا اهتم الإسلام بالإنسان اهتماما لا مزيد عليه: اهتم به قبل ولادته، بتهيئة التربة التي ينبت فيها، ونعني بها الأسرة المحفوفة بالطهر، والمحصنة بالعفاف؛ واهتم به طفلا بتربيته وتعليمه، وغرس العقيدة الإسلامية في قلبه، وتنقية محيطه الذي يترعرع فيه، واهتم به شابا وزوجا وأبا، بما يحفظ له من أسباب الكمال والرفعة، وبما يربطه بواجبات تملأ عليه نفسه، وتصون له حسه، وتجعله دائم التوازن والاعتدال، دائم اليقظة والرقابة لسلوكه ولربه.

ولا منطق أفسد ولا أهوج من محاولة إصلاح المحيط وتنظيفه، أو إصلاح الفساد وتغيير المنكر، وبناء الحياة على أرضية ثابتة دون الانتباه إلى أصل الفساد، ومنبع الشر، ومصدر البلاء الذي هو الإنسان..!

فليس على وجه الأرض فساد ولا شر ولا وسخ لولا الإنسان، هذا الكائن العجيب الذي إذا صلح صلحت الأرض وعم الخير، وإذا فسد فسدت الأرض ومن فيهن..!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com