حوار

المفتش المركزي لمادة التربية الإسلامية الأستاذ: “سيد علي دعاس” في حوار خــاص لـ: “البصائر”/ عبد القادر قلاتي

– حذفنا “فرائض الوضوء” من درس الوضوء، واكتفينا بالكيفية في إعطائه للتلميذ…

–  أطمئن الجميع أنَّ الكثير من الأخطاء التي وردت في الكتب المدرسية تمَّ تداركها ولله الحمد.

انطلاقاً من رؤيتنا الاعلامية الجادة والمسؤولة، وإبرازاً لقيم الاسلام في التقصي والتبين، وحسما لجدل أغلبه يفتقر إلى الحقائق والمعلومات، رأينا أن نفتح صفحات جريدة البصائر لحوارات مع شخصيات وطنية وعلمية، ارتبط اسمها بقضايا خلافية، وفي مسائل يعنى بها المجتمع وخصوصا في قضايا التربية والتعليم، وهدفنا الرئيس هو تكريس هذا المنطق في السياسة الإعلامية، حتى ننقل الحقائق بميزان العدل، فنستمع لكل الأطراف وغايتنا العدل مع النّاس، ليكون المجتمع على بينة من أمره، وفي هذه الصدد توجهنا الى الاستاذ سيد علي دعاس المفتش المركزي لمادة التربية الإسلامية، والذي اشرف على كتب الجيل الثاني في مادة التربية الاسلامية من أجل توضيح بعض القضايا، والتي منها حذف درس الوضوء من المقرر، وقد تفضل الاستاذ دعاس بقبول اجراء الحوار، والذي اجريناه بمكتبه بوزارة التربية الوطنية…

 

– انعقد مؤخرا مؤتمر دولي حول التربية الإسلامية دعا إليه المجلس الإسلامي الأعلى بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية ووزارة الشؤون الدينية والأوقاف، ووزارة الثقافة.

لماذا أقيم هذا المؤتمر )مؤتمر للتربية الإسلامية( بالذات؟ وليس للتعليم عموما؟ ولماذا طرح في هذا التوقيت بالضبط؟

*هذا المؤتمر كما ذكرتم مؤتمر دولي؛ وهو استمرار لمؤتمر وطني انعقد منذ سنوات عديدة، وطرحت فيه مجموعة من الأفكار والرؤى حول مسائل التربية، وقد رأى الأستاذ بو عبد الله غلام الله رئيس المجلس الإسلامي الأعلى ضرورة تطوير هذه الرؤية، ودعا مشكورا لعقد مؤتمر دولي؛ لتوضيح الكثير من المفاهيم حول التربية الإسلامية في مدارسنا رداً على تلك الدعاوى القائمة على اتهام التعليم الديني بأنه وراء “الإرهاب”، وهو ما جعل بعض الدول العربية والإسلامية تحذف كلمة “الإسلامية” كنسبة للتربية، وأسمتها بمسميات أخرى مثل: مادة الأخلاق، أو التربية الحضارية…وغيرها من الإطلاقات المقصودة؛ لكننا في الجزائر أبقينا النسبة إلى الإسلام، وهناك دول أخرى قامت بمراجعات شاملة للتربية الإسلامية مثل السعودية، ومن ثم جاءت الدعوة لعقد هذا المؤتمر الذي حضرته وفود من دول عربية وإسلامية، وبعض الجاليات الإسلامية في أوروبا، من السويد وكرواتيا وفرنسا وإسبانيا، وبعض الدول الإفريقية مثل: تشاد، مالي والسنغال …وغيرهم، وقد شهد المؤتمر محاضرات ومداخلات قيمة، طرحت فيها الكثير من الأفكار والرؤى، كل ذلك من أجل تبادل الخبرات والأفكار لتصحيح المسارات في هذه الدول، وأي قراءة أخرى لهذا المؤتمر لا معنى لها.

– هل كان لوزارة التربية دور في هذا المؤتمر؟

*المؤتمر كما ذكرت لك – وكما هو معلوم- دعا إليه المجلس الإسلامي الأعلى، وقد كان بالتنسيق مع وزارة التربية باعتبار الموضوع المطروح للدراسة هو التربية الإسلامية، وهو من اختصاص الوزارة، كما كان التنسيق مع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف باعتبارها الوزارة الوصية على الشأن الديني، وكذا الأمر بالنسبة لوزارة التعليم العالي التي شاركت ممثلة بمركز البحث الأنثروبولوجي (كراسك)، وكنت ممثلا للوزارة في لجنة الإعداد للمؤتمر، وعضوا في اللجنة العلمية.

– نذهب لسؤال مهم عن موضوع طالما شغل الناس، وأثار الكثير من الجدل، وهو المقرارات الجديدة التي سميتموها بـ: “كتب الجيل الثاني”، ماذا يعني: “الجيل الثاني”؟

*نعم هذا المصطلح شهد لغطا كبيرا وتفسيرات ذهبت بعيدا في التوصيف والقراءة، لكنه ببساطة شديدة، يعني الكتب التي ظهرت في عام 2016م، وهي الكتب التي جاءت تالية لتلك التي ظهرت مع الإصلاحات التي دعا إليها رئيس الجمهورية السيد عبد العزير بوتفليقة، والتي ارتبطت باللجنة المسماة بـ: “لجنة بن زاغو” عام 2002م، وقد شرعت لجان إعداد البرامج عام 2011م، وخلصت منها عام 2014م؛ وعندما عدلت الوزارة هذه الكتب سمَّتها بـ: “الجيل الثاني”، وهي لا تختلف كثيرا عن كتب “الجيل الأول”، وهي المرحلة الثانية ما بعد المرحلة الأولى التي تلت “إصلاحات بن زاغو”. فكتب “الجيل الثاني” هي “إصلاح الإصلاح” إن صحَّ التعبير، ولا تعني شيئا آخرا من تلك التفسيرات التي حملت دلالات التخوين، والاتهام غير المبرر.

– لكن هذه الكتب حملت الكثير من الأخطاء في اللغة العربية، وفي المحتوى كذلك، وقد قدم بعض الأساتذة ملاحظات وإرشادات نشر بعضها في وسائل الإعلام وعلى الصحف الوطنية، وتناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، وأثارت الكثير من السخط والتذمر في الوسط الاجتماعي..!

*في 23 جانفي 2008م صدر القانوني التوجيهي الذي ينص على إنشاء هيئات رسمية منها المرصد الوطني للتربية والتكوين، والمجلس الوطني للبرامج، وقد نص على فتح سوق طبع الكتب المدرسية أمام دور النشر الخاصة، وذلك من خلال مناقصات وطنية، وإذا فازت دار من دور النشر بكتاب في مادة ما، تقدم للوزارة لجنة للتأليف مختصة من مفتشين وأساتذة في المادة المعنية توافق عليه الوزارة أولاً، ثم تقدم مشروعها للمعهد الوطني للبحث في التربية، الذي يقدم القبول أو الرفض، وهي المهمة المخولة له أي النظر في المنهاج والمقرارات؛ ومن هنا يمكننا القول أن هذه الأخطاء تتحملها بالدرجة الأولى لجان التأليف، فمثلا: الكتب التي أشرفت على تأليفها في المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية (ENAG) كان معنا مدقق لغوي، وقد خلت هذه الكتب من الأخطاء تماماً، أما الكتب العلمية فربما ظهرت فيها هذه الأخطاء لعدم تخصص الأساتذة في المجال اللغوي. وهناك مشكلة أخرى – لأو سمحت لي- وهي أن هذه الكتب طبعت في ظرف قياسي، حيث طلب منا الإسراع في تنفيذها  لقرب الدخول المدرسي، لكننا تداركنا الأمر مع الطبعات الأخرى التي تكاد تخلو من الأخطاء تماماً.

– عندما ظهرت كتب “الجيل الثاني” أثيرت – أيضا- قضية أسالت الكثير من الحبر، وأثارت ردود فعل في الأوساط الاجتماعية، وحتى في أوساط النخبة، وهي قضية “حذف البسملة” من هذه الكتب. هل من تفسير لهذه القضية؟

*اتهام الوزارة – يومها- لا أساس له من الصحة؛ لأنه لو كان هذا القرار صادر من وزارة التربية، لما وجدنا البسملة في بعض الكتب، أي: كلّ الكتب تظهر بدون “البسملة”، إلاّ أنّ “البسملة” حذفت من كتب، وبقيت في كتب أخرى مثل: كتب اللغة والتربية الإسلامية، وتفسير ذلك أنّ الديوان الوطني للمطبوعات أراد أن يُوَحِد الصفحات الأولى التقنية للكتب، فاهتم بالشكل وحذف “البسملة” التي لم تكن في الكتب العلمية، وهذا ليس من الآن، بل حتى في الكتب السابقة، ومن يطلع على كتاب السنة الأولى ابتدائي يجد درسا بهذا العنوان: “بسم الله..”. وهذا رد قاطع على كل من أراد أن يتهم وزارة التربية.

لكن الإشكال الذي وقع كان في كتب المرحلة المتوسطة للمواد العلمية التي من عادة أصحابها ألا يضعوا “البسملة”، وهذا منذ سنوات طويلة، وكما ذكرت لك من قبل أن الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية قام بتوحيد الصفحة التقنية للكتب فسقطت البسملة، وأما المؤلفون فلا علاقة لهم بالموضوع – هذه هي الحقيقة- لكن أطرافاً تعودت الاصطياد في الماء العكر، ذهبت بعيدا في التفسيرات انطلاقاً من رؤى أيديولوجية وأخرى شخصية، نسأل الله الهداية للجميع.

– قدمت خلال مؤتمر التربية الإسلامية محاضرة جاء فيها جملة من المقترحات، وقد أثارت محاضرتك ردود فعل في وسائل الإعلام، حيث اتهمت بأنك طالبت بـ”حذف درس الوضوء” من المقرر، فهل من توضيح؟

لم أطالب ولم أقل ذلك إطلاقاً، بل قلت أننا حذفنا “فرائض الوضوء” من درس الوضوء، واكتفينا بالكيفية في إعطائه للتلميذ، حتى تتم العملية التعليمية؛ أي: هدفنا أن يتعلم التلميذ كيفية الوضوء دون أن نرهقه بالتفاصيل الفقهية التي لا يمكنه استيعابها، وأخرنا تفصيل ذلك إلى السنة الأولى متوسط، لكن “الصحافة الصفراء” كعادتها لا تنشد الحق والحقيقة، إنما يهمها الإثارة والمبيعات، والقاعدة التي اعتمدناها قول النبي صلى الله عليه وسلم: [صلوا كما رأيتموني أصلي]، والحديث صحيح. وكذلك الأمر بالنسبة للصلاة، فتهمنا الكيفية، أي: أن يتعلم التلميذ الصلاة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا وفرقوا بينهم في المضاجع]، وقد أشار الحديث إلى الكيفية في هذا السن؛ أي: بين السادسة والسابعة، وربما نطرح سؤالا هو جواب لهؤلاء، هل علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فرائض الوضوء، والسنن والمستحبات بهذا التصنيف الفقهي؟

– هناك قضية أخرى أثيرت حول “السلفية” عندما سئِلتَ في بعض وسائل الإعلام عن بعض “الأساتذة السلفيين” الذين يلقنون تلاميذهم بعض الأفكار السلفية، واعتبر ذلك هجوما على السلفية، نرجو أن توضح لنا القضية.

*إجابتي كانت واضحة، أنا لم أذكر كلمة “سلفية” في ردي، ولم تَرِدْ على لساني؛ فأنا قلت ببساطة: “أن الموظف الذي أمضى عقده مع وزارة التربية الوطنية، ويقبض أجره منها لا يحق له الخروج عن المقرر الذي اعتمدته الوزارة )والمؤمنون عند شروطهم(، وكما هو معلوم العقد شريعة المتعاقدين، فالذي يدرس أموراً تخالف المنهاج الجزائري، وتخالف المرجعية الوطنية، فإنه بذلك قد أخل بهذا العقد )والمؤمنون عند شروطهم(، وأصبح الأجر الذي يتقاضاه في “حكم السحت”، هذا ما قلته بالحرف الواحد، وأمام كاميرات وسائل الإعلام، وأنا قلت ذلك، ولا أقصد فقط “السلفية”، بل كل التيارات  وحتى التيارات العلمانية التي تسوق أفكارا خارجة عن نسق المرجعية الفكرية لبلادنا، معنية بكلامي، وكل من يتلاعب بعقول أبنائنا، ويحاول ربطهم بفكر وتراث لا يمثل هويتنا وانتمائنا الحضاري.

– يطالب البعض باستحداث منصب أستاذ التعليم المتوسط لمادة التربية الإسلامية، إلى أين وصل هذا المطلب؟ وهل لوزارة التربية جواب في ذلك؟

*في الحقيقة فإن وزارة التربية لا ترفض هذا المطلب، لكن الإشكال الذي يعترضنا في استحداث هذا المنصب، هو أن أستاذ التعليم المتوسط يدرس 22 ساعة في الأسبوع، وما دامت التربية الإسلامية تدرس ساعة واحدة في الأسبوع، فهذا يعني أن أستاذ التربية الإسلامية، سيقوم بتدريس 22 قسما، وهذا ليس بالأمر الهين، ومع ذلك فالوزارة تفكر جدياً في إيجاد حل لهذا المطلب.

– كلمة أخيرة وجزاك الله خيرا.

* نقول فقط أن العمل صعب، وأن الكلام سهل، فالذي يعمل لا شك أنه يخطئ أحيانا، المهم أن نحسن النيات، وأن نبتعد عن الاتهامات الباطلة؛ لأن هذا من الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، كما أنبه أنَّ أساتذة العلوم الإسلامية، يملكون كفاءة عالية في التدريس، وهم مهمومون بقضايا التربية والتعليم، ولهم غيرة وحرص عليها، كما أطمئن الجميع أنَّ الكثير من الأخطاء التي وردت في الكتب المدرسية تمَّ تداركها ولله الحمد.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com