إصدارات

قراءة في كتاب :« الـمرأة الـجزائرية والثورة: نضال وحرية (وقائع وشهادات) » لعائشة بنور

د. محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـــــــة*

يكتسي موضوع: «دور المرأة الجزائرية أثناء ثورة التحرير الجزائرية1962-1954م» أهمية بالغة في زمننا الراهن، وهذا ما جعله يحظى بعناية فائقة من لدن العديد من المؤرخين، والباحثين المعاصرين، فالمرأة الجزائرية، توصف دائماً بأنها صانعة المعجزات، والأمجاد والملاحم التاريخية، وقد لعبت دوراً كبيراً، لا يقل أهمية عن دور أخيها الرجل في ملحمة الجهاد، والنضال، وهناك عدة كتب أشارت إلى بطولات، ونضال المرأة الجزائرية أثناء ثورة التحرير المظفرة، وتطرقت إلى كفاحها، وتضحياتها ضد الاستدمار الفرنسي، ومن أوائل هذه الكتب كتاب الباحثة المجاهدة أنيسة بركات درّار الموسوم: «نضال المرأة الجزائرية خلال الثورة التحريرية»، والذي أكدت فيه على الدور الرائد الذي أدته المرأة الجزائرية في سبيل تحرير وطنها، وأبرزت مواقفها الاستبسالية، وألفته «تقديراً لجهاد المرأة الجزائرية بكل تفان وتجرد وإخلاص واعترافاً ببطولاتها وتحديها لقوات العدو ولكل أنواع وسائل التعذيب والاضطهاد»1.
ومن بين الكتب المهمة، والجديرة بالإشادة، والتنويه، والتي قدمت صورة وافية عن جوانب متنوعة من نضال، وجهاد، وتضحيات المرأة الجزائرية كتاب المجاهد الباحث الدكتور محمد قنطاري الصادر بعنوان: «من بطولات المرأة الجزائرية في الثورة وجرائم الاستعمار الفرنسي».
ويعد هذا الكتاب المتميز، والمعنون ب: «الـمرأة الـجزائرية والثورة: نضال وحرية (وقائع وشهادات)»، للأديبة المتميزة، والباحثة الجادة عائشة بنور، امتداداً لسلسلة من الكتب التي حاولت إبراز دور المرأة الجزائرية في ثورة التحرير ، فهو يتميز بكثافة معلوماته، وتصويره الدقيق للجرائم الاستعمارية المرتكبة ضد المرأة الجزائرية، كما يلخص جملة من خصائص المرأة الجزائرية في النضال، والمقاومة، وحب الحرية، كما يُبرز رغبتها الملحة في الحرية، والاستقلال، ويبين شجاعتها المنقطعة النظير في مقاومة أبشع استعمار عرفه الوجود، ويعرض كتاب الأديبة عائشة بنور صوراً فظيعة عن التعذيب الإجرامي الذي مارسه الاستعمار الفرنسي إلى درجة أن النفوس سترتاع ، كما ستهتز مشاعر القراء عندما يقرؤون عن المجاهدة البطلة فاطمة خليف التي اهتمت بها المؤلفة في قسم خاص، فقد روت المجاهدة فاطمة خليف للدكتور قنطاري أنه «في بداية نوفمبر1956م ألقت القوات الفرنسية القبض عليها وهي مصابة بجروح بليغة إثر معركة دامية دامت يوماً كاملاً. حيث أخذت مقيدة بالأغلال، وملابسها ممزقة، حافية القدمين تمشي والدماء تنزف من قدميها نزفاً، ورغم حالتها المرثية، فقد سلط عليها جنود الاحتلال وزبانيته أبشع أنواع التعذيب والإهانة المعنوية والضرب الجسدي وشرب (ماء أومو) ومختلف الوسائل الكيمياوية، والأوساخ والكي بالنار والكهرباء، وجرح مختلف مواقع جسمها خاصة الحساسة منه ودهنها وطلائها بالأملاح، وقد استمرت العملية عدة أيام»2.
ولا ريب في أن كتابات الأديبة عائشة بنور الشمولية، والمتنوعة، وذات الاتجاهات المتعددة، تعكس ألواناً من قراءاتها الجمة، وضروباً من مطالعاتها المتنوعة، فمن يقرأ كتاب: «الـمرأة الـجزائرية والثورة: نضال وحرية (وقائع وشهادات)»، يلمس فيها التطلّع المثالي إلى المعرفة، والعمل الدؤوب لنيلها، ورغبة المؤلفة الشديدة في إفادة القارئ بثمار ما جنت من مطالعاتها ،وقراءاتها المكثفة، فقد شكلت بطولات المرأة الجزائرية مادة خصبة، وحيوية، للنهوض بهذا العمل المتميز .
إن الباعث الحقيقي على تأليف هذا الكتاب القيم هو إيفاء المرأة الجزائرية المجاهدة، والمناضلة، والشجاعة، حقها من التمجيد، والاحتفاء بنضالاتها، وتضحياتها أيما احتفاء، فمن عنوان الكتاب يتضح أن المؤلفة تسعى إلى تمجيد بطولات المرأة الجزائرية، وتخليد مآثرها، وكفاحها ضد المستعمر الفرنسي من جانب، ومن جانب آخر فهي ترمي إلى كشف النقاب، وإماطة اللثام عن الجرائم المرتكبة من قبل جيش الاستدمار الفرنسي في حق المرأة الجزائرية، وسائر أفراد المجتمع الجزائري.
ويتجلى للقارئ من خلال توزيع مادة الكتاب المتنوعة، والمدعمة بالشهادات، والوثائق والحقائق التي كشفتها الأديبة عائشة بنور أنها لم توفر جهداً في سبيل البحث، والتنقيب للإفادة من مختلف المصادر، والوثائق، والشهادات، حيث إنها استقت معلوماتها من شهادات المجاهدات، فقد بذلت جهوداً مضنية من أجل الوصول إلى المعلومات التاريخية، ثم في تدقيقها،وتمحيصها، وتقديمها إلى القراء في أسلوب سائغ، ومبسط.
إن كتاب الباحثة القديرة، والأديبة المتميزة عائشة بنور هو ثمرة جهود جديرة بكلّ تقدير، درست فيه قضايا تكتسي أهمية بالغة، تتصل بنضال المرأة الجزائرية، وقد ساعد الباحثة عائشة بنور على إنجاز هذه الدراسة شغفها، وانكبابها على قراءة، ومطالعة التاريخ النضالي للشعب الجزائري، مستقصيةً الأخبار، والنصوص، والشهادات، حيث أفادت أيما إفادة من قراءاتها المتنوعة عن نضال المرأة، فتناولت الموضوع من وجوه عديدة، ومن ميزة الباحثة الجادة عائشة بنور أنها تقدم إضاءات متنوعة، وقد استعانت بمصادر، ومراجع كثيرة، ومتنوعة في الصنف، والمادة، فقد قدمت لمحة عن نضال المرأة الجزائرية في محطات مختلفة،فتحدثت عن المرأة الجزائرية قبل مجيء الاحتلال الفرنسي،كما كشفت النقاب عن دور المرأة الجزائرية في مقاومة الاحتلال الفرنسي للجزائر، وأشارت إلى يوميات نساء عايشن الثورة أمثال المناضلة فاطمة قاد، واستشهدت في عدة جوانب بما ذكرته المناضلة المعروفة جميلة بوحيرد، فالمعروف أن جميلة بوحيرد إحدى الرموز الثورية المشعة على الصعيد العربي، والعالمي في ذاكرة كفاح الشعب الجزائري، ونضاله من أجل التحرر، وتحقيق الاستقلال، وهي التي تؤكد دائماً على ضرورة الوفاء لشهداء ثورة التحرير الجزائرية، وتدعو إلى الافتخار بهم، وتخاطب الشباب قائلة: «عليكم أن تفرحوا بثورتكم، وعليكم بحب الجزائر فهي تحبكم، وأوصيكم بالجزائر، لو تتأملوا في ثورتنا لعرفتم كم كانت عظيمة…لا أستطيع وصف عظمتها، وعظمة من جاهدوا في سبيل أن تحيا الجزائر، الأمل فيكم يا شباب الجزائر».


وهي المناضلة الفذة التي تجسد ثقافة التضحية، ونكران الذات، وتستحضر ذكرياتها أثناء الثورة المجيدة، وتقول: «عندما كنت ومجموعة من المجاهدين والشهداء من بينهم طالب عبد الرحمن كنا نمزح عندما كان أحد القضاة الفرنسيين يقرأ علينا التهم الموجهة إلينا خلال محاكمة صورية، حيث وجهت لنا اتهامات تصل عقوبتها إلى الإعدام». كما قالت: «إننا كنا نواجه أحكام الإعدام بالأفراح والزغاريد»، وذكرت أن: «مناضلاً بكى بكاءً شديداً بعد الحكم عليه في سنة: 1957م بالسجن المؤبد ليس لشدة العقوبة، ولكن لكون عقوبته أخف من تلك المسلطة على جميلة بوحيرد، وبعض المجاهدات الأخريات، حيث قال: يا للعار كيف أقابل رفقائي غداً، النساء يحكم عليهن بالإعدام، وأنا بالمؤبد».
وقد تحدثت الأديبة عائشة بنور في كتابها القيم عن تجليات نضال الجزائريات في الأدب العربي، ومن بينهن المجاهدة الأسطورة الرمز جميلة بوحيرد التي يظل الحديث عنها، وعن تجلياتها في الشعر العربي من الأحاديث التي تغوي بالبحث، والتأمل، والاكتشاف.
فالمناضلة جميلة بوحيرد تعتبر إحدى أبرز المناضلات من أجل الحرية في القرن المنصرم، وتعد إحدى أهم خمس شخصيات سياسية طبعت القرن العشرين، وأثرت فيه بفضل نضالها، وصبرها الأسطوري، فهي رمز مشرق من رموز الكرامة العربية، والنضال البطولي، والحرية الإنسانية، وقد دوى صدى نضالها في شتى أصقاع العالم…
إن كتاب الأديبة عائشة بنور يمكن أن ندرجه ضمن واحد من الدراسات التاريخية المتميزة التي سلطت الضوء على نضال المرأة الجزائرية من خلال الوثائق، والشهادات، والأديبة عائشة بنور تدعم كلامها بالوثائق، والشهادات، وتذكر المصادر والمراجع عقب كل بحث بدقة، وهو ما جعل الكتاب ذا قيمة علمية، وأكاديمية، فهو صالح سواءً لعامة القراء، وكذلك للباحثين المتخصصين .
ومما لا يشوبه ريب أن البحث الذي اضطلعت به الباحثة، والأديبة عائشة بنور سيحتل موقعاً مرموقاً ضمن الدراسات الجادة، فهو بحث يتسم بالمغامرة، والجدة، والجرأة، وهي بهذا العمل القيم، والمتميز ستسد فراغا كبيراً في مكتبة الدراسات التاريخية التي سلطت الضوء على جهود المرأة الجزائرية، إذ أنها لم تذخر وسعاً في تقديم دراسة ثمينة، مستفيدة فيها من بعض الأعمال الجزئية التي سبقتها، ومضيفة إليها الكثير في هذا الكتاب الثمين، وإن شاء الله سيلقى هذا البحث ترحاباً في أوساط البحث التاريخي، نظراً لما يسده من فراغ، ولما أضافه من آراء، وتحليلات، ووثائق، وشهادات،فهذا الكتاب النفيس هو ثمرة لجهود باحثة جادة هي الأديبة عائشة بنور –حفظها الله- وهي ليست بعيدة عن ميدان البحث العلمي، والاهتمام بقضايا المرأة، حيث إنها مسلحة بعدة أدوات، وليست جديدة على عالم الكتابة، والتأليف، فقد أنجزت سابقاً عدة أعمال أدبية متميزة حظيت باهتمام واسع من لدن مختلف الباحثين، والنقاد، والأديبة الباحثة عائشة بنور تدرك حاجة المكتبة لمثل هذه الدراسات الراقية، وتعرف جيداً أهمية الأبحاث العلمية الرصينة، والدراسات التاريخية الجادة في النهوض بالأمم، وخدمة هذا البلد المبارك الذي سقي بدماء الشهداء، وقد جاء هذا السفر وفاء لتضحياتهم، وإنني أؤكد بأن المؤلفة المعروفة بغزارة أنشطتها العلمية، والأدبية قد قدمت عملاً مشرفاً أسهمت به في سد فراغ معرفي، وقد جاء البحث في المستوى المطلوب، وعلى أسس سليمة، ومتينة.

الهوامش:
(1) أنيسة بركات درّار: نضال المرأة الجزائرية خلال الثورة التحريرية،المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1985م، ص:5.
(2) د. محمد قنطاري: من بطولات المرأة الجزائرية في الثورة وجرائم الاستعمار الفرنسي، دار الغرب للنشر والتوزيع، وهران، الجزائر، 2009م، ص:19 وما يعدها.

*كلية الآداب واللُّغات، جامعة عنّابة، الجزائر

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com