وراء الأحداث

المجرمون بعضهم أولياء بعض

أ. عبد الحميد عبدوس/

بعد مرور عشرة أيام فقط ،على سعي المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان لاستصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتهم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فتحت يوم الخميس الماضي (30 ماي 2024) القناة الإخبارية
(أل. سي . إي) «LCi» التابعة لمجموعة ( تي. أف.1) «TF1» الفرنسية الخاصة ذات التوجه اليميني، شاشتها للسفاح نتنياهو لإجراء حوار مطول معه. رغم أن فرنسا دعمت قرار محكمة الجنايات الدولية، إلا أن حرص قناة (أل. سي . إي) على إجراء لقاء عن بعد مع المجرم بنيامين نتنياهو، يشير إلى سطوة اللوبي الصهيوني على وسائل الإعلام في فرنسا.

التصرف المشين للقناة الفرنسية، أثار غضب العديد من الفرنسيين ووجوه السياسة البارزين في فرنسا خصوصا من حزب «فرنسا الأبية» للزعيم اليساري جان لوك ميلونشون، ومن الحزب الاشتراكي الفرنسي، كما دعت عدة أحزاب وتشكيلات من المجتمع المدني الرافضين لاستمرار المجازر الصهيونية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، إلى تنظيم وقفات للاحتجاج على بث حوار يمثل تشجيعا لترويج خطاب الكراهية والإبادة الجماعية من مجرم حرب قال عنه زعيم حزب سياسي فرنسي: «على نتنياهو أن يرد على أسئلة قضاة المحكمة الجنائية وليس على أسئلة صحفي». كان الحوار عبارة عن مسلسل من الأكاذيب والمغالطات المفضوحة،فقد تبجح المجرم نتنياهو أمام الفرنسيين بالقول: «إن انتصار إسرائيل هو انتصار لفرنسا»، وشبه عملية اجتياح مدينة رفح بعملية إنزال قوات الحلفاء في النورماندي في جوان 1944 خلال الحرب العالمية الثانية. سعي نتنياهو لكسب تعاطف جمهور مشاهديه من الفرنسيين دفعه إلى تشبيه إنزال القوات المتحالفة في الحرب العالمية الثانية لتحرير أرض فرنسية محتلة من طرف القوات النازية، بعملية غزو عدوانية إسرائيلية لمدينة فلسطينية محاصرة، كما قارن القوة العسكرية لحركات المقاومة الفلسطينية في غزة التي تعمد على أسلحة خفيفة وذاتية الصنع في بعض أنواعها، بقوة وعتاد الجيش الألماني النازي الذي كان يتفوق في تسليحه وتنظيمه على أغلب الجيوش الأوروبية. وادعى نتنياهو في حواره مع القناة الفرنسية أن المستوطنات المقامة على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية ليست غير شرعية، لأن الإسرائيليين ليسوا محتلين، وأكد أن العقبة الرئيسية في طريق السلام هي الرفض الفلسطيني للاعتراف بدولة يهودية. لم يكتف المجرم نتنياهو بهذا القدر من الأكاذيب ،بل وصف اتهام إسرائيل باستهداف المدنيين وتجويعهم بأنه «معاداة للسامية». وأكد أن عدد الضحايا المدنيين بالنسبة إلى عدد المقاتلين الفلسطينيين الذين قتلوا في غزة هي النسبة الأدنى في حروب المدن.
في الوقت الذي كان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي يطلق هذا الافتراء الفاحش، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفاع عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية على القطاع، إلى 36 ألفاً و224 شهيدا أغلبهم من النساء والأطفال، و81 ألفاً و777 مصابا، منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر2023. قبل أربعة أيام من هذا التصريح العلني، تناقلت وسائل الإعلام صور الأطفال والنساء الذين تم إحراقهم أحياء في قصف جيش الاحتلال الصهيوني لمخيم السلام في جنوب مدينة رفح التي كان الجيش الإسرائيلي قد صنفها «آمنة» ودعا الغزاويين إلى النزوح إليها. تذكر الإحصائيات أن 70 بالمائة من ضحايا الحرب هم من الأطفال والنساء.
المجرم الكذاب نتنياهو نفى في حواره تجويع سكان غزة قائلا: «إن عدد السعرات الحرارية المستهلكة يوميا من الفرد في قطاع غزة المحاصر، يصل إلى 3200 سعرة حرارية أي ما يزيد بألف سعرة حرارية عما ضروري للإنسان يوميا». أي أن سكان القطاع المحاصر الذين تحولت أجسام أطفالهم إلى هياكل عظمية،كما تظهر ذلك صور النشرات الإخبارية، يتناولون ـ حسب الكذاب الفاسد نتنياهو ـ سعرات حرارية تزيد عن اللازم، ويتمتعون بأمن غذائي أحسن مما يتمتع به سكان الدول الآمنة. مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أكد أن كمية الغذاء والمساعدات الإنسانية التي تدخل إلى قطاع غزة انخفضت بمقدار الثلثين، منذ أن بدأت إسرائيل عمليتها العسكرية في منطقة رفح بجنوب القطاع هذا الشهر. وقال المكتب الأممي، في تقرير له، إن: «كمية الغذاء والمساعدات الأخرى التي تدخل غزة، والتي كانت بالفعل غير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة، تقلصت بصورة أكبر منذ السابع من شهر ماي». في جانب آخر،لا يكتفي المحتل الصهيوني بفرض حصار تجويعي على سكان غزة، ومنع قوافل المساعدات الإنسانية من الوصول إليهم، بل إنه يتعمد قصف المؤن والمساعدات الإنسانية التي تصل إلى مخازن وكالة «الأونروا»، فضلا عن تعمده قصف المخابز وخزانات المياه وعمال الإغاثة الإنسانية. كما حدث يوم 29 فيفري 2024 عندما ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة وحشية ضد مدنيين كانوا ينتظرون الحصول على بعض المساعدات الإنسانية بدوار النابلسي غرب مدينة غزة، مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 100 شهيد، وجرح أكثر من 1000 مصاب. وفي 2 أفريل 2024 اقترف جيش الاحتلال الإسرائيلي جريمة بشعة أثارت صدمة عالمية وغضبا أمميا، بقتل 7 من عمال الإغاثة الإنسانية من فريق منظمة «المطبخ المركزي العالمي» (ورلد سنترال كيتشن)، واعتبرت هذه الجريمة بمثابة رسالة أرسلها الجيش الإسرائيلي تهدف إلى منع العاملين في المجال الإنساني من توصيل المساعدات الغذائية لسكان القطاع المحاصر.
لا يبدو أن الصحفي داريوس روشبان الذي أجرى اللقاء مع المجرم بنيامين نتنياهو، كان يخاف على مصداقيته الإعلامية وسمعته المهنية، وهو يفتح المجال لضيفه الصهيوني لممارسة كل ذلك القدر من الكذب وتزييف الحقائق وتضليل الجمهور، رغم أنه صحفي محنك ذو خبرة مهنية طويلة ولامعة، ولكن أغلب الصحافيين في الغرب المنافق الذي يتبجح بإعطاء الدروس للآخرين في الموضوعية والحياد والمهنية، أصبحوا يضعون أخلاقيات المهنة وشرفهم الوظيفي في درج المصالح المادية والمداهنة السياسية. ربما مازالت التجربة التي تعرض لها الصحفي الفرنسي محمد قاسي (من أصول جزائرية) مع قناة tv5 (تي .في 5) الفرنسية ماثلة في الأذهان ولم يطوها النسيان. ففي 15 نوفمبر الماضي (2023)، بعد مرور أكثر من شهر على حرب غزة، أجرى الصحفي محمد قاسي حوارا ساخنا وصريحا مع المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي أوليفييه رافوفيتش. لكن في 20 نوفمبر 2023 أصدرت القناة المشغلة له بيان توبيخ ضده وتبرأت من الصحفي الذي حاور الضابط الصهيوني بكل شجاعة أخلاقية وصرامة مهنية، رافضا أن يتحول إلى مجرد بوق لنشر الدعاية الصهيونية، هو ما أثار غضب وعصبية المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الذي لم يتعود على هذه المعارضة من طرف الإعلام الفرنسي. وبدل أن تشكر قناة tv5 حرص مذيعها على المحافظة على مصداقيتها وعدم سماحه للضابط الإسرائيلي بتمرير الدعاية الإسرائيلية الكاذبة، تصرف مسؤولو القناة مع الصحفي بما يوحي بأنهم يلومون الصحفي على عدم تعاونه مع الضيف أو بالأحرى عدم فهمه أن مهمة القناة كانت بالضبط نشر وتمرير البروباغندا الصهيونية والتضليل المقصود للمشاهدين فيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. خصوصا أنه سبق لقناة فرنسية أخرى، هي قناة (بي . أف . أم . تي .في) tv bfmالفرنسية التي استضافت الضابط أوليفييه رافوفيتش في 10 أكتوبر الماضي.
( 2023)،وتركته يتحدّث على الهواء من دون أي اعتراض أو مقاطعة أو استفسار. وظلت تنقل أكاذيبه المفضوحة لمشاهديها على لسان المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي حتى بعد أن تبث زيف ترديده للرواية الإسرائيلية عن قتل الرضع وبقر بطون النساء الحاملات من طرف مقاتلي حركة حماس.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com