إصدارات

صدر في كتاب جماعي أكاديمي: العلاّمة المالكي الإمام المغيلي (ت 1504 م) قاهرُ اليهود بالجزائر وناشر الإسلام بغرب إفريقيا

أ ـ فوزي مصمودي */

صدر حديثا عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية بالجزائر كتابٌ جماعي تناول حياة ومسيرة ومواقف وآثار العلاّمة المالكي الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي (ت 909 هـ/ 1504م) التلمساني مولدا، التواتي سكنا، والذي يتّصل نسبه بالحسن بن علي رضي الله عنهما وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو خلاصة أشغال ملتقًى دولي نُظّم تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وتحت شعار (الحوكمة واستقرار المجتمعات الإفريقية ووحدتها)، وهذا بالمركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحّال بالجزائر العاصمة يومي 12 و13 ديسمبر 2022. الكتاب جاء في 191 صفحة، وصدر في ماي 2023 بدعم من وزارة الثقافة والفنون.

العلاقة التاريخية بين الجزائر والغرب الإفريقي
توزعت المادة الأكاديمية لهذا الكتاب عبر مقدّمة للدكتور بوزيد بومدين وهو أستاذ جامعي وأمين عام للمجلس الإسلامي الأعلى ومنسّق الكتاب، تطرّق فيها إلى المسارات التاريخية الروحية بين الجزائر والبلدان الإفريقية، حيث ركّز على علاقة الجزائر بالغرب الإفريقي التي تميّزت بالفتح المعرفي السّلمي والتجاري لهذه البلدان، كما كانت هذه العلاقة ذات بُعد تحرّري إنساني وديني منذ الفتح الإسلامي إلى اليوم.
كما أن الثورة التحريرية ودولة الاستقلال 1962 جدّدت هذه المصاهرة الرمزية والتاريخية والاقتصادية مع إفريقيا، وبالخصوص الغرب الإفريقي، وهذا امتدادا للقوافل التجارية والدينية الأولى، التي حملت معها روح الإسلام وقيمه إلى إفريقيا، فكان الانتشارللإسلام تدريجيا ولم يتصادم دمويا مع السكان الأصليين، بل حافظ على بعض عاداتهم وتقاليدهم إلى اليوم، وكانت النواة الأولى لهذه المصاهرة النّسبية انتشار ما يُعرف في الذاكرة التاريخية الشعبية بالفاتح عقبة بن نافع ــ رضي الله عنه ــ دفين مدينة سيدي عقبة بولاية بسكرة، التي استشهد على أرضها عام 63 هـ، ومن خلال تواجد أحفاده بالجنوب الجزائري إلى اليوم، والشهيرين بـ (الكُنْتِيين).
كما عرّج على الطرق الصوفية المنتشرة بإفريقيا، ممثلة في: القادرية ومن فروعها البكائية والفاضلية، والطرق: الشاذلية، والرحمانية الخلوتية، والسنوسية، والتجانية.. هذه الأخيرة الأكثر انتشارا في إفريقيا والعالم.


المغيلي.. أُمّة وَحْدَهُ
أما الدكتور مبروك مقدّم ــ الذي حقّق مجموعة من آثار العلاّمة المغيلي فقد اعترف في بداية محاضرته (حياة وأعمال الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني)، أنه يصعب الإلمام بكل جوانب حياته ومسيرته، كونه شخصية متعدّدة الأطوار والمهام والخصال، فهو المدرّس والإمام والصوفي والواعظُ والقاضي والمجاهد والمفتي والثائر والرّحالة والمؤلّف والزاهد والمحارب للبدع والخرافات.. والمستند إلى كتاب الله وسنة نبيّه عليه الصلاة والسلام، والمعتمد على مذهب إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله.
كما وصفه بالناشر لدين الله وتعاليمه السمحة بإمارات وممالك إفريقيا الغربية، والتي تضم حاليا سبع عشرة دولة، منها: بِنِين، بوركينافاسو، كوت ديفوار، غامبيا، غانا، غينيا بيساو، ليبيريا، مالي، النيجر، السنغال، سيراليون، تُوغُو، الرأس الأخضر، نيجيريا.. هذه المملكة الشاسعة التي كان الإمام المغيلي يتنقّل إليها ويجول فيها، وكان بها إماما ومفكراومفتيا وواعظا وقاضيا ومصلحا بين القبائل ومعلّما ومدرّسا للقرآن الكريم، وواعظا لأحمد آسكيا الكبير..
والمتشبّع من رياحين التصوف السُّنّي من خلال الطريقة القادرية التي تلقّى مبادءها بمدينة بجاية، وتحديدا بزاوية الشيخ سيدي إبراهيم البجائي، حيث دَرَس بها الفقه وعلوم التفسير والتصوّف.. ومنها توجّه إلى الجزائر العاصمة، حيث التحق بشيخه سيدي عبد الرحمن الثعالبي (1384 م ــ 1470 م)، الذي لبث ملازما له طيلة أربع سنوات، دَرَس خلالها على يديه السيرة وعلوم الفقه والنحو والتصوّف، كما تزوّج من احدى بناته التي أنجبت له ثلاثة أبناء، وهم: (علي ومحمد وعبد الجبار).

تصدّي المغيلي لليهود بالجزائر
وبأمر من شيخه الثعالبي توجّه الشيخ المغيلي تلقاء دول الغرب الإفريقي، وقصور توات بالجنوب الجزائري، حيث كانت بها شرذمة من اليهود الذين عاثوا في الأرض فسادا باتخاذهم الرّبا ونشر الانحراف الاقتصادي والاجتماعي واحتدام صراعه معهم، حيث جمع أنصاره وحثّهم على الجهاد ضد اليهود، بعدما أفتى بذلك، بفتواه الشهيرة: «من يأوي يهوديا أو يساعده على أمر فيه ضرر على المسلمين فقد ارتكب ظلما عظيما تجب مقاتلته مثلهم»، حتى كسر شوكتهم بالديار التواتية، وألزمهم بأحكام أهل الذّمّة التي قررتها الشريعة الإسلامية، بل وبضرورة إجلائهم عن ديار الإسلام بالجزائر للأسباب التالية:
ــ عدم تقيّدهم بالتعاليم الإسلامية.
ــ إحداثهم المنكرات بديار الإسلام وتعاطيهم التجارة الربوية.
ــ امتناعهم عن دفع الجزية التي نصّ عليها القرآن الكريم صراحة.
ــ محاولاتهم المتكررة وتماديهم بناء معابدَ لهم بين ظهراني المسلمين وبدون إذن مسبق من الحاكم الشرعي.
ــ تغلغلهم في المحيط السكني للمسلمين، وهذا من شأنه أن يضعف قوة المسلمين ويرفع باب التعامل الربوي معهم.
ــ يرى ما يقدّمون لرؤساء القصور لايدخل في باب دفع الجزية بل هو رشوة لما يسميهم بـ (الغلائف)، لذلك صنّف في هذا الشأن كتابه (رسالة في الغلائف)، التي قام بتحقيقها الدكتور مبروك مقدم.
ــ محاولتهم التزاوج مع المسلمات، فينجبون أطفالا قد يصبحون عيونا على الإسلام والمسلمين..

آثارٌ فاقت السبعين تأليفا:
وقبل تقديمه آثار الإمام المغيلي التي نيّفت عن السبعين مؤلّفا في التفسير والحديث والفقه والسيرة النبوية والمنطق والأدب والسياسة الشرعية وأحكام أهل الذّمّة وعديد المناظرات والرسائل والفَتَاوَى والنوازل.. وفي هذا الشأن ذكر الدكتور مبروك مقدم أنه كان يكتب ما يعادل 35 إلى 40 وَرَقَة بين الليل والنهار، ومن هذه المؤلفات التي خلفها:
– الأربعون المغيلية، أو أربعون حديثا.
– أسئلة الأسكيا وأجوبة المغيلي.
– إكليل مُغْني النبيل.
– البدر المنير في علم التفسير.
– تفسير تأولي للسور الأولى من القرآن.
– الدالية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وهجاء مناوئيه.
– الدالية في هجاء أنصار اليهود.
– أحكام أهل الذّمّة.
– رسالة في الرّدّ على المعتزلة في اعتقاداتهم الفاسدة.
– شرح التبيان في علم البيان.
– شرح جمل الخونجي.
– شرح خطبة مختصر خليل.
– علوم السُّنَّة.
– الفتح المبين في شرح الأربعين.
– فتوى في نازلة يهود توات.
– مختصر تلخيص المفتاح.
– مُغْنِي النبيل في شرح مختصر خليل.
– مفتاح الكنوز في شرح بيوع خليل.
– مقدمة في العربية (التبيان في علم البيان).
– مقدمة في المنطق.
– مناظرة بين المغيلي والسنوسي.
– مراسلة بين المغيلي والسيوطي في المنطق.
– الميمية في مدح الرسول.
– جزية أهل الذّمّة.
– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رسالة لأمير كانو..
وغيرها من المؤلفات المحقّقة المطبوعة، وأخرى ما تزال مخطوطة تنتظر من يزيل عنها غبار النسيان من خلال تحقيقها تحقيقا علميا، وربما أخر مفقودة قد يُعثر عليها في بعض الزوايا والمساجد العتيقة والمكتبات في عدد من الدول المغاربية والإسلامية لاسيما بدول الساحل الإفريقي.
أما أ. د حاج أحمد عبد الله الأستاذ بقسم العلوم الإسلامية بجامعة أحمد دراية بأدرار فقد تناول الجهود الإصلاحية للإمام المغيلي ببلاد الهوسا خلال القرن التاسع الهجري، التي كانت تضم سبع ممالك وإمارات، وتتوزّع حاليا على شمال نيجيريا و جزءا من جمهورية النيجر، مؤكّدا أن الإمام قام بدور كبير في المجال الإصلاحي والتربوي بهذه الممالك، لاسيما محاربة الجهل والعادات الفاسدة، مع التنظير القانوني لبناء الدولة، خاصة بإمارة كانو، وتقديم النصيحة للملوك والأمراء، كاتصاله بحكام كل من: فاس، تكدة، أقدز، كانو، كاشنة، غاو عاصمة مملكة سنغاي الإسلامية.. وغيرها.
فيما قام الأستاذ الدكتور جَعْفري أحمد أستاذ التعليم العالي بالجامعة الإفريقية أحمد دراية بأدرار، بتحليل ودراسة الحوار الذي دار بين الإمام المغيلي وبين ملوك وأمراء غرب إفريقيا وأثره في حركة الفتح الإسلامي بهذا الجزء من القارة الإفريقية، وتواصله مع عديد العلماء. وحواره الشهير مع كل من الأمير محمد بن يعقوب رمفا أمير مملكة كَانُو، ومع الأمير الحاج محمد أسكيا حاكم سنغاي، مع تطرقه إلى مناظرته مع العلاّمة جلال الدين السيوطي (1445 م ــ 1505م).

شروط الإمارة العادلة في فكر الإمام المغيلي
كما عاود الدكتور بومدين بوزيد المحاضرة من خلال (الرسائل المغيلية في السياسة والتقوى والعدل من أجل الاستقرار ووحدة الجماعة)، معدّدا شروط تحقيق إمارة العدل في فكر العلاّمة المغيلي في العناصر التالية: هيبة السلطان، توزيع مهام المستشارين والحراسة والعلماء والقضاة والوزراء والخطباء، والزهد في الحياة والشجاعة وتقريب أهل الثقة وكِتمان السّر، مع الحذر من بطانة السوء، وهدم الحصون (بالمعنى السياسي والأخلاقي)؛ التي تكون منفذا للأعداء في الإخلال بالأمن الاجتماعي، مع السؤال عن العدول الأمناء والأَوْصِيَاء والحَجْر على السفيه واليتيم. كما أكّد أن للسلطة رجلين: العدل والإحسان، إلى جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
وللإحاطة أكثر بمسيرة العلاّمة المغيلي فقد ألقى الأستاذ عبد الرحمن حمادو الكُتُبجي محاضرة بعنوان (المغيلي محدّثا على خطى الحافظ السيوطي)، حيث أعتبر هذا الأخير من شيوخ المغيلي في علم الحديث، دون أن يغفل عن بعض تلاميذه المشتغلين بالرواية كمحمد بن عبد الجبّار الفجيجي وإبراهيم بن عبد الجبار الفيجيجي، ليعرض في الأخير ببليوغرافيا الآثار العلمية التي صنّفها هذا العلاّمة في علم الحديث، كما عرّج على رحلته إلى الجزائر العاصمة ولوْلاتة والإسكندرية والقاهرة..
أما أ. د بوعرفة عبد القادر الأستاذ بجامعة وهران ومدير مخبر الأبعاد القيمية وعضو المجلس الإسلامي الأعلى فقد تعرض بإسهاب إلى مكانة المنطق في مؤلفات المغيلي، مركِّزا الحديث على المناظرة الشهيرة التي جرت بينه وبين جلال الدين السيوطي، وهي من أشهر المناظرات في علم المنطق، بعد أن تبنّى هذا الأخير فتاوَى الشيخ ابن تيمية في نقض المنطق، كما أشار إلى ردّه على المعتزلة في طروحاتهم الفكرية والعقدية.

ببليوغرافيا حول آثار المغيلي وما كُتِب حوله
وكخلاصة لهذا الكتاب القيّم – الذي أهداه إلينا السيد هاني قيدومي رئيس الديوان بولاية الوادي – فقد أنجزت الأستاذة راضية قداح نائبة مدير التوثيق والمتابعة بالمجلس الإسلامي الأعْلَى قائمة ببليوغرافية ضمّت الكثير من آثار العلاّمة المغيلي المحققة والمطبوعة بالجزائر والمشرق العربي، إلى جانب المؤلفات التي تم إنجازها حول هذا الرمز الوطني والعالم الجِهْبِذ، وكذا الدراسات والمقالات المنشورة في عديد الدوريات والمجلاّت المحكّمة، والرسائل الجامعية باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية التي أسهبت في دراسة حياته ومسيرته وآثاره العلمية ومواقفه السياسية الوطنية، بالرغم من أن هذه الببليوغرافيا ما زالت محدودة وتحتاج إلى بحث دقيق وإلمام معمق ودراسة شاملة.

* باحث في التاريخ
مدير المجاهدين لولاية الوادي

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com