العالم الإسلامي

إيران: التفكير بالرغبة أو ثقل المؤسسات

وليد عبد الحي/

أثار سقوط طائرة الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي فرصة للمعارضة الإيرانية وبعض الاعلام الغربي والعربي وبعض الدوائر الاكاديمية هنا وهناك لتبرز تكهنات حول أمرين: الأول هل حادث الطائرة مدبر؟ وما تداعيات الحادث على استقرار النظام السياسي الايراني؟

الأول: هل الحادث مدبر؟
من الضروري الاقرار بداية أن العنف السياسي ليس ظاهرة جديدة في إيران، فشاه ايران محمد رضا بهلوي تعرض عام 1949 لمحاولة اغتيال وأصيب اصابة بالغة، ومنذ الثورة الايرانية 1979 جرت اغتيالات ومحاولات اغتيال تصل الى قرابة العشرين لرموز كبيرة للنظام الجديد، وكان خامنئي الحالي هدفا لإحداها عام 1981، وأدت لشلل يده اليمنى، ومحاولة أخرى عام 1985، كما تمّ اغتيال الرئيس الايراني الثاني محمد علي رجائي ورئيس وزرائه عام 1981، إضافة إلى شخصيات وازنة أخرى مثل آية الله بهشتي، وآية الله عباس سليماني وسيد مداني وآية الله مطهري..الخ. ذلك يعني أن الإرث السياسي العنيف يغذي التصور حول ما وقع لرئيسي، لكن الإسراع إلى إسقاط النموذج المتكرر على كلّ واقعة هو امر يشوبه خلل في منهج التفكير.
فجميع عمليات الاغتيال السابقة التي أشرت لها، وعمليات الاغتيال للعلماء والقيادات العسكرية الإيرانية، تمّ الاعلان عنها رسميا بأنها عمليات اغتيال مدبرة، فإذا اضفنا لذلك التقارير عن الأحوال الجوية ومن مصادر مختلفة تُقر برداءة شديدة في الجو وشبه انعدام كامل للرؤية وتساقط المطر الغزير ناهيك عن التضاريس المعقدة لهذه المنطقة التي فيها اعلى قمم الجبال في المنطقة، ناهيك عن الليل وبعض الثلوج والغابات، فإنّ الأمر لا يشجع على التفكير في عملية الاغتيال.
من جانب آخر، فإنّ حكام أو رؤساء وزراء سقطت طائراتهم في حوادث وإن يكن بعض منها ما زال حدوثه ملتبسا (التشيلي، بولندا، نائب رئيس جنوب السودان، مقدونيا، موزمبيق، بورندي، رواندا، البرتغال، باكستان، موزمبيق، موريتانيا (أحمد ولدبوسيف)، يوغسلافيا، الاكوادور، بوليفيا، البرازيل، العراق (عبدالسلام عارف)، الفلبين،السويد…الخ)، مما يعني ان ما حدث في ايران قد يندرج ضمن الاحداث الطبيعية.
من الطبيعي أن تتصيد المعارضة حدثا كهذا لكي تروج لعدم استقرار النظام السياسي، وهو امر ييسره معدل الاستقرار السياسي في إيران، فإيران تصنف ضمن الدول غير المستقرة بمعدل يصل الى سالب 1.1 (من سالب 2.5)، وهو ما يضعها في رتبة دولية تتراوح بين 170 و 176، لكن المؤكد أن معدل الاستقرار تحسن خلال الاربع سنوات الماضية خلافا لمؤشر الديمقراطية الذي تراجع بعض الشيء، وهو ما أبقى ايران مع بقية دول الشرق الاوسط كدول سلطوية.
إنّ النّفي التام «لعمل مدبر» أمر لا يجوز استبعاده بالمطلق، لكن المؤشرات المتاحة حتى هذه اللحظة تجعل الاحتمال الأقوى هو أن الحادث «قضاء وقدر».

ثانيًا: تداعيات الحدث:
من الضروري فهم قواعد الانتقال السياسي في ايران بعد 1979، وأزعم أن إيران تنفرد بقواعد إجرائية لتعيين القادة غير موجود في أية دولة أخرى فهو نظام يجمع في بنية سلطاته بين الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر والتعيين، ويكفي ملاحظة ما يلي:
– يتمّ انتخاب المرشد الاعلى من قبل مجلس الخبراء (وهو مجلس ينتخبه الشعب).
– يتمّ انتخاب رئيس الدولة انتخابا مباشرا، لكن المرشحين في اي مستوى من مستويات السلطة العليا يجب ان يوافق عليهم مجلس صيانة الدستور.
– مجلس صيانة الدستور يعين المرشد نصفهم ويعين مجلس الشورى النصف الآخر.
– مجلس الشورى: (290 عضوا) يتم فيه انتخاب مباشر من الشعب.
– مجمع تشخيص مصلحة النظام يعينهم المرشد الاعلى.
– مجلس الخبراء (88 عضوا) يتمّ انتخابهم مباشرة من الشعب وهم من يختار خليفة المرشد في حالة الوفاة أو عدم القدرة على اداء مهامه.
فإذا أضفنا لذلك الدور غير المرئي للحرس الثوري فإن تولي السلطة لا يتمّ باليسر الذي يبدو للوهلة الأولى، وهناك قوى أخرى كالجيش والحوزات والجمعيات لها دورها في المشهد السياسي الإيراني.
فإذا فرغ منصب المرشد -لأي سبب – يتم تشكيل مجلس قيادة مؤقت يضمّ الرئيس وأحد كبار القضاة وأحد أعضاء مجلس الوصاية ممن يختارهم مجمع تشخيص مصلحة النظام لتسيير الأمور إلى حين تعيين مرشد من قبل مجلس الخبراء.
ما دلالة ذلك؟
ثمة ترويج يربط بين النقطة الأولى (إن الحادث لرئيسي مدبر) وبين صراع بينه وبين ابن خامنئي وهو مجتبى، وان مجتبى كان لديه مشاعر أن رئيسي هو الذي سيخلف والده كمرشد أعلى فأراد التخلص منه لا سيما أن العلاقة بين الشخصين لم تكن ودية.
هذه المسالة تثير ملاحظات عديدة/
أ‌- أن خامنئي وفي أكثر من مناسبة أشار إلى رفضه التام العودة لتقاليد الحكم الشاهنشاهي بتوريث السلطة، وهو أمر يصعب تجاوزه.
ب‌- أنّ قسمًا كبيرًا من مجلس الخبراء (الذي يعين المرشد) شخصيات تختلف عن «أغلب النواب العرب»، فهم شخصيات -في اغلبهم – ممن يمتلكون اتساقا سيكولوجيا وعلميًا، ممّا سيجعل تمرير قرار التوريث أمرأ صعبا.
ت‌- أنّ هناك شخصيات وازنة ممن قد يطمحون لتولي منصب المرشد (مثل حسن روحاني رغم أن المحافظين المسيطرين على مجلس الخبراء لا يميلون إليه) أو سيد حسن الخوميني (حفيد الخوميني، لكنه ما زال حجة الإسلام ولم يصل لمرتبة آية الله، لكن ما جرى مع خامنئي نفسه قد يتكرر مع هذا الرجل بخاصة بعد الغاء شرط ان يكون المرشد «مرجع تقليد» طبقا للتقاليد الشيعية، ثمّ هناك عقبة اخرى امامه ان صلته بالعسكريين بخاصة في الحرس الثوري ليست على ما يرام) وهناك محسن آراكي (وهو اكاديمي مرموق لكن وزنه الشعبي ليس كافيا) وهناك ايضا صادق لاريجاني وعلي رضا…الخ.
ذلك يعني أن وصول مجتبى الخامنئي إلى منصب المرشد لن يكون بالبساطة التي يبدو أن البعض بخاصة من معارضي النظام يروج له.

ثالثا: الرئيس الممكن:
طبقا للدستور يجب ان تتم الانتخابات في فترة لا تتجاوز الشهرين في حال شغور منصب الرئيس (حددت بخمسين يوما)، ويقوم نائبه بتسيير الامور خلال الفترة الانتقالية، ولكن من الضروري معرفة أن القرار الاستراتيجي في إيران هو بيد قوتين:
أولاهما: المرشد الأعلى الذي يعين: نصف مجلس صيانة الدستور، وينسق مع مجمع تشخيص مصلحة النظام لوضع سياسة الدولة مع إدراك أن هذا المجلس يعينه المرشد نفسه، ويعيّن قادة المؤسسات العسكرية وله ممثلون في كلّ محافظة وفي كلّ قطاع من قطاعات الدولة.
الثاني: مجلس الأمن القومي الذي يتراوح عدد أعضائه بين عشرين و25 (يتغير العدد حسب موضوع الجلسة)، ولكنه يضم قيادات أهم مؤسسات الدولة وممثلين اثنين عن المرشد، ويجب أن يصادق المرشد على قرارات المجلس.
ماذا يعني ذلك؟
إن احتمالات التغير في السياسة الخارجية الإيرانية في المدى الزمني المنظور شبه معدوم أيا كان الرئيس القادم، لأن الرئيس في إيران هو «تنفيذي»، مع صلاحية مرنة في آليات التنفيذ، لكنه لا يستطيع تبديل الخيارات الاستراتيجية للدولة.

رابعا: الرئيس القادم
من الضروري إدراك أن المحافظين يسيطرون على آليات الترشح والفرز (خاصة مجلس صيانة الدستور)، وهو ما يعني أن المرشحين المعتدلين سيجدون صعوبات في الترشح، لذا قد تكون فرص المحافظين هي الأقوى مثل محمد مخبر (الرئيس الحالي المؤقت)، سعيد جليلي (الأكثر عداء للولايات المتحدة)، ومحمد باقر قليباف (من رجال الحرس الثوري السابقين ورئيس مجلس الشورى حاليا) وعلي شمخاني (رئيس مجلس الأمن القومي السابق) وربما يحاول علي لاريجاني ومحمد ظريف وعبد الناصر همتي الترشح (لكني ارى ان النظرة لهم كمعتدلين ستقف امام حظوظهم) أو علي أكبر صالحي (ولكنه كبير في العمر)
يبدو أنّ آمال كلا من محمد قليباف وعلى شمخاني تتجاوز غيرهما ما لم يقع حادث غير متوقع، رغم أن قليباف سبق له وترشح وخسر في أعوام 2005 أمام أحمدي نجاد، و2013 مع حسن روحاني و2017 ترشح ثمّ انسحب أمام رئيسي، لكن الملاحظ أنّ عدد الأصوات التي حصل عليها في المرة الأولى والثانية ارتفعت بحوالي 2 مليون صوت، واحتل المرتبة الثانية بعد أن كان الرابع في انتخابات 2005، أما في البرلمان فكان الأول بدعم حوالي 69%. فهل يراهن على أنّه سيفوز هذه المرة… كلّ ذلك مرهون باحتمال ترشحه.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com