إصدار جديد للباحث لحسن بن علجية الشيخ محمد السعيد الزموشي: سيرة و مسيرة
عرض: الأخضر رحموني./
من الإصدارات الجديدة التي تدعمت بها المكتبة الوطنية، وخاصة المتعلقة بتاريخ الحركة الإصلاحية في الجزائر ورجالاتها العلماء العظماء العاملين، كتاب (الشيخ محمد السعيد الزموشي: سيرة ومسيرة) للباحث لحسن بن علجية، الكتاب يقع في 200 صفحة قياس 24سم×17 سم، صدر عن مكتبة عراس للنشر والتوزيع بالجزائر العاصمة، أهدى الكاتب مؤلفه إلى والده الشيخ محمد بن عبد الرحمان الذي سار إلى عفو ربه يوم 31 ديسمبر 2016، داعيا المولى -عز وجل – أن يجعل عمله خالصا لوجهه الكريم، وأن يكون ثوابه في ميزان حسنات الفقيد.
في المقدمة أشار الكاتب إلى أن سير وتراجم كثير من أعلام الجزائر لا تزال مجهولة وبالأخص أعلام القرن الماضي، لهذا انبرى للكتابة عن حياة الشيخ محمد السعيد الزموشي ونشاطاته، لأنّه مثال للداعية المخلص، والعالم الرباني العامل، والقدوة المبجل الذي وهب نفسه لخدمة دينه ولغته ووطنه، وزهد في حطام الدنيا، وصبر في البأساء والضراء.
ورغم أن سيرة و مسيرة الشيخ الزموشي حافلة بالجد والاجتهاد، والآثار والمآثر، إلاّ أن جوانب من حياته لا تزال مجهولة، خاصة بعد ضياع دفتر الطالب الزيتوني الخاص به، وكذا نشاطه وأخباره بالمغرب الأقصى، وحتى حقيبة من متاعه كانت تحوي جل وثائقه من تقييدات ورسائل وصور ضاعت أثناء عودة أسرته إلى وهران بعد استرجاع السيادة الوطنية.
لهذا اعتمد الباحث على ما تم نشره من أخبار ومقالات في مجلة الشهاب وجريدة البصائر وجريدة النجاح، وكذا المعلومات التي زوده بها أبناء الشيخ الزموشي.
توقف الباحث لحسن بن علجية في كتابه عند أهم المحطات في مسيرة الشيخ محمد السعيد الزموشي وخصص لكل وقفة قسما خاصا بها، فجاءت متسلسلة وثرية بالقرائن والشواهد منذ ولادته يوم 04 مارس 1904 بمدينة عين البيضاء من ولاية عين البيضاء حاليا، ونشأته وسط عائلة آل الصياغ المشهورة بأعلامها، حيث حفظ القرآن الكريم وأتقن تلاوته مع أخذ مبادئ العلوم على يد بعض مشايخ البلدة. وتحدث عن رحلته سنة 1920 للدراسة بجامع الزيتونة المعمور بتونس، ودامت دراسته حوالي ثماني سنوات، أشرف خلالها كذلك على جمع اشتراكات مجلة الشهاب بتكليف من الشيخ ابن باديس، وأنهاها بحصوله على شهادة التطويع سنة 1928. وممن زامله في الدراسة الشيخ محمد الفاضل بن محمد الطاهر بن عاشور والشاعر التونسي أبي القاسم الشابي. وقد أقام والده الشيخ امحمد بن بلقاسم حفلا بهيجا ومأدبة عشاء احتفاء بتخرج ولده، حضرها جماعة من العلماء منهم الشيخ ابن باديس، تصدر بعدها لتدريس السيرة النبوية تطوعا بمسجد البلدة وبزاوية آل خليفة. ولما زار الشيخ ابن باديس عين البيضاء في أكتوبر 1929 طلب من الشيخ الزموشي إلقاء درس وقدمه للحضور بقوله (أقدم لكم عالما زاده الله بسطة في العلم والجسم)، وبعد إعجابه بما قدمه من آراء وأفكار طلب منه القدوم إلى قسنطينة لمساعدته في تدريس تلامذته بالجامع الأخضر وسيدي قموش.
فصل الكاتب بعدها في هذه المرحلة بعد تلبية الشيخ الزموشي الدعوة سنة 1931. كما عين مدرسا بمدرسة التربية والتعليم بقسنطينة. ومن طلبته المشايخ أحمد حماني والمولود بوزيد وعلي زردازي والصادق حماني. ومكث بقسنطينة نحو سنتين.
ثمّ تحدث عن جهوده في حاضرة معسكر بعد اختياره من طرف الشيخ ابن باديس للتدريس بها، تلبية لطلب من أعيانها في تعيين مدرس ومرشد لأبنائهم، ويشرف على الحركة الإصلاحية والتربوية بها. وحلّ بها في أواخر نوفمبر 1932، وأثمرت جهود الزموشي التعليمية بتخرج مجموعة من تلاميذه غرس فيهم العلم النافع والوطنية الصادقة. كما أرسل بعضهم لمواصلة الدراسة في قسنطينة وفي جامع الزيتونة. ورغم غلق مدرسة الشبيبة المعسكرية بأوامر من السلطات الفرنسية، إلاّ أنّ الزموشي بمساعدة أفاضل معسكر من رجال الأمة ونوابها الأحرار تمكنوا من إعادة فتحها أمام التلاميذ.
وفي سنة 1936 عين عضوا في لجنة التعليم لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين مكلفا بمدينة معسكر، كما عين ممثلا عن جمعية العلماء ضمن وفد معسكر الذي حضر المؤتمر الإسلامي بالملعب البلدي بالعاصمة يوم 06 جوان 1936.
وبسبب جرأته وصرامته حيث عرف بقول كلمة الحق، ولا يخشى لومة لائم تعرض سنة 1937 إلى محاولة اغتيال في منطقة بني شقران، إلاّ أن العناية الإلهية أنجته منها، كشف المؤلف عن أسبابها الحقيقية وخلفياتها، كما فصل في الرّد على إشاعة استقالة الشيخ الزموشي من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعدما نشرت جريدة -النجاح – هذا الخبر المكذوب. وكتب يقول (وإن أمكن أن أقدم استعفائي من جمعية العلماء –لا قدر الله –، أمكن أن أقدم استعفائي من الإسلام أيضا).
بعد نشوب الحرب العالمية الثانية منع الشيخ الزموشي من التدريس والوعظ والإرشاد، وأغلقت مدرسته في 26 مارس 1939. كما منع من حضور مراسيم جنازة الشيخ ابن باديس الحاشدة بقسنطينة.
كما تحدث الكاتب عن نشاط الشيخ الزموشي في منفاه بعدما قررت السلطات الفرنسية نفيه في أواخر 1940 إلى مدينة عين البيضاء، ووضع تحت الإقامة المحروسة. ولكن التفاف أقاربه وأصدقائه حوله ساعده على مواصلة نشاطه الإصلاحي والتعليمي، لهذا قررت نفيه من جديد إلى بلدة تبسة، وبها عينه الشيخ العربي التبسي مدرسا ضمن هيأة أعضاء التدريس بمدرسة التهذيب بتبسة، ومكث مدرسا نحو سنتين.
وأبرز دوره المشهود عندما عين معتمدا لجمعية العلماء بعمالة وهران في أوائل سنة 1944، ومديرا لمدرسة الفلاح، ففي هذه الفترة كان يشارك الناس في كل حدث، ويذكرهم بواجباتهم نحو وطنهم، ويحثهم على التمسك بدينهم. وحتى بعد تأسيس لجنة إغاثة فلسطين، عين الشيخ الزموشي رئيسا للمكتب الدائم للجمعية بعمالة وهران بحضور الشيخ محمد البشير الإبراهيمي.
في سنة 1951 أنتخب عضوا في المجلس الإداري لجمعية العلماء. وفي سنة 1954 عين عضوا دائما في المكتب الإداري بها.
وبعد افتتاح معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، اختاره الشيخ الإبراهيمي لتدريس الطلبة به في سنته الدراسية الثانية (1948- 1949)، وقال عنه أنه (مبرز في صناعة التدريس).
وممن تتلمذ عليه الكاتب والإعلامي سعدي بزيان الذي وصفه بالشيخ المهاب وكان أساتذة وطلبة المعهد يحبونه ويجلونه.
عاد بعدها إلى وهران وتابع إدارة مدرسة الفلاح وأعانه في تدريس تلاميذها العربي بن عيسى القمقوم وأحمد لعروسي وفاطمة طياب.
وبذل جهودا مضنية في فترة تواجده بعمالة وهران حيث أشرف على تأسيس الكثير من شعب جمعية العلماء وكذا المدارس الحرة، وكان يتفقد سير النهضة الإصلاحية والتعليمية، ويحث السكان على التمسك بدينهم ولغتهم ووطنهم وفاء لمبادئ وقيم جمعية العلماء.
وأبرز الباحث لحسن بن علجية نشاط الشيخ محمد السعيد الزموشي بعد اندلاع الثورة التحريرية في الجزائر وفي المغرب بالوثائق والرسائل الخطية وما نشرته الجرائد الفرنسية لتلك المرحلة، حيث كان من مؤيديها وكان من جملة مشايخ جمعية العلماء الذين وقعوا على بيان مارس 1955 باسم معلمي الجمعية، ولمواقفه الجريئة الثابتة وصف من طرف الشرطة الفرنسية بأنّه رجل خطير جدا، يجب تتبع خطواته، لهذا عندما عاد إلى وهران بقي تحت المراقبة، بل تم اعتقاله في أوائل سنة 1956، وعذب عذابا شديدا لكن قيادة جيش التحرير قامت في أواخر سنة 1956 بترحيله إلى مدينة وجدة بالمغرب تفاديا لاغتياله. وانخرط في خلايا ثورة التحرير هناك. كما تم تعيينه مدرسا في المسجد الكبير بالرباط لمدة عام، انتقل بعدها إلى وجدة بعد تعيينه مفتيا لجيش التحرير ومرشدا وداعية بثكنة محمد العربي بن مهيدي، بالإضافة إلى التدريس بالمسجد الكبير بوجدة.
كما توقف عند وفاته يوم 13 سبتمبر 1960، حيث أقيمت له جنازة مهيبة حضرتها كتيبة كاملة من جيش التحرير، ودفن في مقبرة سيدي المختار بوجدة، وتنفيذا لوصيته تم بعد استعادة السيادة الوطنية نقل جثمانه الطاهر إلى الجزائر في شهر جويلية 1964، ودفن في مقبرة عين البيضاء بمدينة وهران.
زيادة على هذه التفاصيل في مسيرة الشيخ محمد السعيد الزموشي، شمل الكتاب ملحقين، نشر في الأول نصوص مقالات الشيخ الزموشي المنشورة في مجلة الشهاب وجريدة الإصلاح وجريدة النجاح، وقد أحسن عملا بجمعها وتسهيل المهمة للباحثين حفاظا على التراث الوطني، وفي الملحق الثاني نشر مجموعة من الصور والوثائق الهامة التي لها صلة بالبحث. مع ذكر قائمة المصادر و المراجع التي اعتمد عليها.
للإشارة، فإنّ الكاتب لحسن بن علجية من الأقلام التي تحاول التنقيب في المخطوطات الوطنية وتحقيق الوثائق النادرة والكتابة في تراجم علماء الجزائر حفاظا على تراثنا الثقافي المتنوع.
أصدر على نفقته الخاصة مجموعة من الكتب تناولت التراث الجزائري منها:
– ابن باديس من خلال الإجازات والوثائق وتقارير المخابرات الفرنسية.
– مراسلات في التاريخ والتراث الجزائري (الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله شيخ المؤرخين الجزائريين).
– العلامة محمد حمدان بن أحمد الونيسي القسنطيني المدني: حياته وآثاره
– تعشير البردة لناظم مجهول.
– ثلاث رسائل نادرة للإمام عبد الحميد بن باديس.
– الدر النفيس في إجازات ومرويات الإمام عبد الحميد بن باديس.
– العلامة نعيم النعيمي: حياته وآثاره.
– أشعار الإمام عبد الحميد بن باديس .
– العقد الجوهري في التعريف بالقطب الشيخ عبد الرحمان الأخضري .
– العلامة عبد القادر بن ابراهيم المسعدي: حياته وآثاره.
– الشيخ عمر دردور سيرة ومسيرة .
– أعلام جزائريون في بلاد الحرمين الشريفين.
– الشيخ علي بن أحمد بن محمد سلطاني حياته وآثاره.
– إرشاد الحائر إلى من دخل من الصحابة والتابعين بلد الجزائر.
– شرح إملاءات الإمام عبد الحميد بن باديس في العقائد الإسلامية.