مكانة المخطوط الجزائري في الحواضر الموريتانية
![](https://cdn.elbassair.dz/wp-content/uploads/2021/11/Boumaaza-abdelkader.jpg)
د.عبد القادر بومعزة/
انطلاقا من معطيات الجغرافيا ووقائع التاريخ تكونت روابط بين الجزائر وعدد من البلدان الإفريقية جعلت بلادنا تحرص على إدامة علاقات متميزة مع هذه البلدان، على أساس ثوابت مشتركة لم تؤثر فيها العوائق في الماضي البعيد والقريب، سواء تعلق الأمر بالغزو الأجنبي منذ بداية العصر الحديث إلى منتصف القرن العشرين، أو ما تلا ذلك من البحث عن مرجعيات إيديولوجية من خارج القارة، بل ظلت تلك الثوابت تثمر رغبة مشتركة في تجديد هذا التعاون، لاسيما في الميدانين العلمي والروحي. فبالإضافة إلى التواصل البشري والتمازج السلالي عبر الصحراء الكبرى، فقد توطدت الصلات بين الجزائر والبلاد الإفريقية الأخرى عبر عدة أنشطة مشهودة.
كان للجزائريين عبر العصور مكانةٌ جليلةٌ في مختلف العلوم والفنون، حتى برعوا وأبدعوا فيها تأليفا وشرحا…؛ مما جعل مؤلفاتهم تصل إلى أبعد مناطق العالم العربي والإسلامي، فكان للمخطوط الجزائري بذلك مكانةٌ في نفوس الشعوب العربية والإسلامية؛ مما جعلهم يهتمون بها اهتماما بالغا، ومن مظاهر ذلك الاهتمام انكبابهم عليها حفظا، ودراسة، وشرحا، وتعليقا، وتطريرا، وتحشية، أو نظما، ومحاكاة، ومعارضة، ومن تلك البلاد العربية والإسلامية دولة موريتانيا الشقيقة التي وصلها المخطوط الجزائري منذ قرون بعيدة فكان لعلماء الجزائر في نفوس الموريتانيين مهابةٌ وإجلالٌ عظيمان، حتى صارت لديهم من المقررات المدرسية بمحاضرهم.
لقد كان للمؤلفات الجزائرية العربية وجودٌ في مدارس عربية عديدة في المشرق والمغرب العربيين وبعض بلدان إفريقيا وما كان ذلك الحضور والوجود إلا صدى لقيمتها العلمية، فقد بذل علماء الجزائر جهودا علمية كبيرة خدمت الحضارة والثقافة العربية الإسلامية؛ دينيا، ولغويا، وعلميا، لأنهم كتبوا في شتى الفنون العلمية العربية من رياضيات، وفلك، وهندسة،..
إن مؤلفات الأخضري، المغيلي، واب المزمري كانت الأكثر طلبا، والأكثر استنساخا وإن الأفارقة قد تأثروا كثيرا بهؤلاء العلماء حيث لا تكاد تخلو خزانة من الخزائن إلا وبها بعض من هذه المخطوطات، بحكم التواصل العلمي والثقافي بين الجزائر وأفريقيا جنوب الصحراء، والذي شكلت القوافل التجارية، وقوافل الحجيج، وتنقل العلماء بين المنطقتين روافد أساسية.
لقد أنجبت موريتانيا علماء عظماء أجلاء أبدعوا في ميادين العقيدة الإسلامية واللغة والفقه والرياضيات والمنطق و غيرها من الفنون. وتركوا لنا تراثا ثریا منه المطبوع المحقق، ومنه المخطوط الذي ینتظر التحقیق، ولا یزال حبیس المكتبات والخزائن الموريطانية. وقد وطدت في وقت مبكر علاقتها بالحواضر الإسلامية عموما وبحواضر الجنوب الجزائري خصوصا.
المخطوطات الجزائرية في البلاد الموريتانية
تظم الخزائن الموريتانية ألاف المخطوطات من شتى المعارف و العلوم، بعضها تم تأليفه على يد علماء البلاد وبعضها الأخر هو في الأصل مؤلف في الخارج، ولكن إقبال العلماء والطلاب عليه جعله متداولا بين أهل العلم ، و في هذا الإطار حفظت لنا الحواضر الموريتانية القديمة (ولاتة، تيشيت، شنقيط، وادان) الكثير من المخطوطات الجزائرية.
مصادر وطرق استجلابها:
اهتم الموريتانيون قديما بالعلم والحرص الشديد على اقتناء المخطوطات وشرائها بأغلى الأثمان فقد ازدهرت سوق المخطوطات في هذه البلاد. وقد تعددت المصادر والوسائل التي جمع بها الموريتانيون القدماء هذا الكم الضخم من المخطوطات ويمكن تقدير الحصول عليها بالوسائل التالية:
أ- رحلات الحج: بمناسبة هذه الفريضة كان أصحابها يقومون باقتناء الكتب وجلبها
ب- النسخ: أولى الموريتانيون اهتماما بمهنة نسخ الكتب، فقد إشتهرت أسر وقبائل كثيرة بخط الكتب، إذا لا تخلو خيمة أو دار من مخطوط.
إن المخطوطات الجزائرية كان لها دور كبير في النهضة العلمية التي شهدتها عديد الحواضر العالمية، لا سيما الإفريقية منها، فعند حديثنا عن مخطوطات الجنوب الجزائري وشهرتها بإفريقيا ندرك ذلك الدور خاصة إذا تناولنا علماء توات، حيث كانت لهم عناية كبيرة باللغة والأدب وسائر العلوم، كما أننا إذا قمنا بتفحص محتويات بعض الخزائن لأدركنا ذاك الدور. لقد بلغ المخطوط الجزائري في موريتانيا شأوا كبيرا حتى صار من المقررات التي تدرس في المحاضر هناك، حيث اهتم الموريتانيون به اهتماما بالغا، ومن الأعمال الجزائرية التي قام بشرحها علماء موريتانيون نذكر منها ما يأتي على سبيل المثال لا الحصر:
1- إضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة:
لأبي العباس أحمد بن محمد بن يحيى بن عبد الرحمن المقري، التي كثرت حولها الشروح نذكر منها:
-تنكير الجنة على إضاءة الدجنة: لمحمد بن كداه الكمليلي.
– شرح عمى إضاءة الدجنة: لمحمد عالي بن عدود .
– شرح إضاءة الدجنة: لمحمد المختار بن الاعمش.
– تقرير المنة شرح إضاءة الدجنة: لعبد الله بن الحاج حمى الله القلاوي.المتكفى
2- مؤلفات الأخضري:
كان لمؤلفات عبد الرحمن الأخضري، من السلم المرونق» و«الجوهر المكنون» و«المختصر في العبادات» وغيرهما حضور قوي في المحاضر الموريتانية فكثرت حولها الشروح نذكر منها:
– شرح نظم الأخضري: للنابغة، نظم عبد الله بن الحاج حمى الله الغلاوي
– شرح الأخضري: للشيخ سيدي بن المختار بن الهيبة الابييري.
– شرح الأخضري: لامبيريك بن ميلود الحسنى البنعمري.
– إبراز الدر المصون على الجوهر المكنون للأخضري، والسلك البديع المحكم.
على سلم الأخضري، للشيخ حبيب الله بن ما يابي الجكني.
– شرح السلم في المنطق، لمحمد عبد الله بن البشير المالكي.
– شرح منظومة الغلاوي لعبادات الأخضري، لمحمد يحيى بن سليمة اليونسي.
– شرح باب التربيع في نظم السراج في علم الفلك للأخضري، للطالب محمد بن الطالب أعمر الخطاط الولاتي.
– شرح سلم الأخضري في المنطق لخديجة بنت العاقل.
3- منظومة المغيلي في المنطق:
– شرح منظومة المغيلي في المنطق، لإبراهيم بن أمانة الله اللمتوني
4- مؤلفات السنوسي:
-شرح أ م البراهين للسنوسي، للطالب أحمد بن محمد رار.
-شرح الصغرى السنوسي، للطالب محمد بن الطالب بوبكر الصديق البرتلي الولاتي.
– شرح الصغرى السنوسي، لعمر بن عبد الديماني.
إن تنوع موضوعات هذه المخطوطات وأحجامها والطرق التي اتخذت للحصول عليها ونسخها وتدريسها والمحافظة عليها في هذه البيئة الصعبة يدل على قدر كبير من الاهتمام بالكتب والعناية بالعلم، باعتبار أن الشناقطة هم حملة مشعل الدين واللغة في هذا الحيز الصحراوي
إنّ الخزائن الموريتانية شملت متون التوحيد والعقيدة والحديث والمنطق والفقه والتصوف، بالإضافة إلى علوم اللغة والأدب من المخطوطات الجزائرية.
إنّ هذا التنوع يعكس درجة أهمية المؤلفات الجزائرية وحضورها في الدرس لدى الشناقطة عموما.
اعتنى الموريتانيون بالعلم عناية شديدة مما جعلهم يستجلبون المتون العلمية من البلاد الإسلامية، وغني الطلاب بدرسها والعلماء بالتعليق عليها واختصارها ومحاذاتها بمصنفات منثورة أو منظومة، وكان المخطوط الجزائري حاضرا بموريتانيا ولقي ترحيبا كبيرا من قبل الشيوخ والطلبة على حد سواء وذلك للمكانة التي احتلها المخطوط العربي الجزائري في العالم العربي والإسلامي، ولقيمته العلمية والتعليمية، ومن تلك المخطوطات التي كانت تدرس في المحاضر الموريتانية وصارت ضمن المقررات المدرسية مختصر الأخضري في العبادات والذي كان يدرس لتلاميذ المرحلة الأولى ولقد شرحه جماعة من علماء موريتانيا كما نظم بعضهم أم البراهين صغرى الصغرى (وهي في العقائد وقد شرحها نخبة من علماء شنقيط:
-الصغرى وقد شرحها عدد من شيوخ موريتانيا.
– الوسطى وقد شرحها جملة من العلماء الموريتانيين، كما نظمها آخرون
-الكبرى والتي شرحها بعض علماء شنقيط.
-إضاءة الدجنة في عقيدة أهل السنة للمقري والتي شرحها عدد من العلماء.
– مقدمة ابن آجروم في العربية وقد عمل عليها العديد من علماء موريتانيا شروحا ومنظومات ومختصرات وكانت من المقررات الإلزامية في المحاضر.
– الجوهر المكنون للأخضري وهو في علم البلاغة وقد شرحه وعلق عليه بعض العلماء.
-السلم المرونق للأخضري وقد شرحه وعلق عليه العديد من العلماء.