في رحاب رمضان

رمضان .. و الإقبال على الأعمال الصالحة

د. إبراهيم نويري/

في هذا الشهر الفضيل المبارك، شهر القرآن والمسارعة بالخيرات، والإقبال على القربات والأعمال الصالحة، لا بدّ للإنسان المسلم أن يتذكّر إخوة الدين والعقيدة والمصير، وأن يسعى بما آتاه الله تعالى من قدرات وما زوّده من مواهب، من أجل نفعهم وتقريب ثمرات العون إليهم ؛ لأن الوقوف بالصوم عند حدود المعاني البسيطة التي يعرفها الدهماء والرعاع من عوام الناس، مثل الامتناع عن الأكل والشرب وغيرهما من ضروب الشهوات والضرورات، ليس فقهاً صحيحاً ولا تبجيلاً يليق بمقام ومنزلة هذا الشهر المبارك .
وفي مقدمة إخوان العقيدة والمصير أهل غزة الذين يحاصرهم الاحتلال الصهيوني ويُعرّضهم للموت والإبادة صباح مساء منذ ستة شهور، ومَن لم يستشهد منهم بالقصف الهمجي من الطائرات والدبابات وغيرها من الآليات العسكرية المدمّرة ، يهلك بسبب المجاعة وندرة الغذاء والماء وكل ضروريات الحياة .

شهر الإقبال على الأعمال الصالحة
يُجمع المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها على جملة الخِلال والشمائل اللطيفة التي لا يمكن الشعور بألقها وأريجها سوى في شهر رمضان ، فهوموسم أودع الله فيه القِدْحَ المُعلّى من الأسرار والضوامر واللطائف المُبهِجة .
يقول فضيلة الشيخ الإمام محمود شلتوت رحمه الله تعالى : ” لكلّ شيء في هذه الحياة إيحاءٌ ، فلأسماء الأشخاص إيحاءٌ ، ولأسماء الأمكنة إيحاءٌ ، ولأسماء الأزمنة إيحاءٌ ، وما من مرئي يقع عليه البصر أومسموع يتصل بالسمع إلاّ وله إيحاءٌ . ولعلّ أقوى ما يربط الإنسان بماضيه وينير له طريق مستقبله ويركّزه في حاضره على أسس قوية وسبل بيّنة تكشف له سنن الخير، وتُبعده عن سنن الشر ، هوما يتلقاه من هذه الإيحاءات .. ورمضان لم يكن إلاّ اسما زمنياً لشهر معروف في السَّنة القمرية ، يقع بين شعبان وشوال ، ولكن له عند المسلمين إيحاءٌ تهتزّ له قلوبهم وتنشرح به صدورهم وتسموبه أرواحهم .. “(1) .
بيد أنّ علاقة المسلم بهذا الشهر الكريم ، لا ينبغي أن تتوقف عند هذه التخوم ، بل لا بدّ من رسم برنامج عمل متوازن دقيق يعمّق الفهم ويَشحذ الهمّة ، ويستثمر المناسبة الزمنية بأفضل جهد يمكن أن تفرزه الإرادة الإنسانية الكامنة في إهاب روح الإنسان المسلم ، ومن ثمّة فإن مَنْ يفقهون رمضان ويُدركون خواصه التي تنطوي عليها أيامُه وساعاتُه ولحظاتُه الزمنية فإنّ كلمة رمضان ” توحي إليهم برحلة إلهية ميقاتها الشهر كله ، يخلع فيها المؤمن نفسه من حياة مادية مظلمة إلى حياة روحية مضيئة ، يخلع فيها نفسه من هموم الدنيا وأكدارها إلى لذّة لا يعرفها ألم ، وسعادة لا يعرفها شقاء ، فيبدأ يومه : باسمك اللهم صمتُ ، ويختم نهاره : باسمك اللهم أفطرتُ ، وفيما بين الوقتين يقوم لله قانتاً ، يركع مسبّحاً ويسجد داعياً ، مرتلاً وحيه وقرآنه حتى مطلع الفجر ، وهكذا دواليك حتى يبلغ الغاية ويصل إلى النهاية ” (2).
إن المسلم خلال شهر رمضان بمكابدته لوطأة الجوع ولَأْواءِ الحَرّ، يستشعر نداوة الإيمان الحق ؛ مما يدفعه إلى تعميق شعوره وإحساسه بالآخرين ممن يعانون معظم أيام السنة من المسغبة والعِوز ومصاعب الحياة ومتطلباتها ومشاقها في واقع يتميّز بالقسوة وضعف نزوع التضامن والتعاون .
إنّ هذا الشهر المبارك فرصة عظيمة جليلة لشحذ الهمّة والعزيمة من أجل الإقبال على الأعمال الصالحة بشتى ألوانها وضروبها، لكن ينبغي الإنتباه إلى أنّ الأعمال الصالحة في رمضان هذا العام الهجري 1445هـــ، ينبغي ـــ إلى جانب خصوصيات الأوضاع المحلية ــــ أن تتشوّف وترنوإلى مراقبة أوضاع أهلنا في فلسطين عامة وسكان غزة خاصة الذين يتعرّضون للموت والإبادة والجوع والتهجير أمام أعين ملياري مسلم. ناهيك عن الإنسانية العاجزة أمام إجرام وصلف الكيان الصهيوني المتغطرس.

هـــــوامش :
1 ـــ محمود شلتوت ، من توجيهات الإسلام ، دار الشروق ، القاهرة ، ط 7 ، 1980 م ، ص 351 / 352
2 ــــ المرجع نفسه ، ص 352
* كاتب وباحث

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com