في رحاب رمضان

الجوهرة الخالدة

أ.د مصطفى داودي*

المتمعن في قيمة الأشياء وجواهر الحياة لا يجد أنفس وأغلى من تلك الجوهرة الخالدة التي منذ أن تبرز للحياة إلاّ وهي تعدّ نفسها لرسالة الحياة الكبرى، بإباء وتضحية، لا لشيء، إلاّ إرادة للسعادة والبقاء.
إنها الجبل الشامخ الذي كلما أردنا استحضار قمته والوقوف على أسراره، واستجلاء حقيقته، إلاّ وانتابتنا رجفات الإعجاز وعجائب القدرة .
إنها الشمس التي في كنهها احتراق وفي ظاهرها إشراق، تراها تتآكل وتتحدى كل شيء لأجلنا، بغية أن تنير لنا الحياة، وتبلغنا السعادة .
إنها اللؤلؤة البراقة التي تستهوينا وتجذبنا نحوها في كل حين، فلا نمل رؤياها وإن طالت، ولا ننشغل بغير بريقها إلاّ لمن سوّاها وإن غارت، لأجلها يهتز عرش الرحمن إذا انكسرت، ودونها تحزن الحياة إذا انقطعت.
إنها سر الله المودع، الذي إذا حضر يسعدنا وإلى شوق الله يعلينا، وإذا غاب يحزننا وترى الأيام ترثينا، إذا غابت تعلق الوجدان بها، فيحضر طيفها، ومعه تستحضر الذكريات وتنبعث الآهات ويعظم الشوق والوجد نحوها فينا … آه … لو كانت …
إنها اختيار الله الغفار، الذي جعل رحمها ولاّد في كل حين، ليبعث في الحياة استمرار، وجعل عاطفتها تتأجج مع كل البنين، لتصون الأرحام وتبعثنا بالحسن تبعا لخير الأنام .
إنها الجوهرة التي لا تطيب الحياة إلاّ بها، ولا تنال المكرمات إلاّ برضاها .
لذاتها تضمحل صفات الأنا، ولقيمتها تجتمع صفات العطف والرحمة والتضحية، فلا شيء يزنها ولا تضحية توازيها وتوفي قدرها .
إنها العاطفة الأكثر صدقا والحب في أعلى الدرجات، بذكراها يفنى الجسد تأرقا وتدمع العين تقصيرا وتأسفا، لا لأمر، سوى لأنها مأوى للعطاء وذخرا للفضيلة والنقاء، وملاذا فطريا لكل الكروب والأحزان، وفوق كل ذلك هي برج كلما أردنا أن نوازيه إلاّ وجواذب الحياء ومشدّات قوتها العظمى تأبى إلاّ الخضوع والانكسار لها والوقوف بجلال أمام بهائها وكرامتها وعزّتها .
إنها روح الروح التي كلما اقتربنا منها إلاّ ووهج العطف والحنان فيها يعلو وسمو الإرادة والقوة يتراءى في الأفق، إنها جمال الله الخارق والجوهرة الخالدة إنها الأم المعطاء .

* جامعة الشهيد زيان عاشور/ الجلفة

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com