في رحاب رمضان

منزلتــــان فـــي اللغـــة

د. مسعود صحراوي/

بعض المتحمسين للعربية -من طلبة العلم -سرعان ما يقعون في السطحية التي تنتهي بهم إلى التبسيط المُخِلّ، ويبتعدون عن الموقع العلمي الذي يمكّنهم من الرؤية الصحيحة للمسألة، وذلك حين يخلطون بين منزلتيْن أو مستوييْن في اللغة -ومنهم من يفعل ذلك عن حسن نية، لكن بسطحية وقِلّة تحقيق:
• الأول «اللغة العربية»
• والثاني «النحو العربي»
وكثيرٌ من المتحمسين لا يعلمون أن الأول نظام طبيعي اصطلح عليه أهلها واستعملوه استعمالا عاديا في خطابهم المعهود، قبل ظهور النحو بقرون، فتطور وتراكمت مادته عبر ثلاثة قرون قبله أو أكثر، وهو موضوع كل العلوم اللغوية، أما الثاني فبناء عقلي صناعي وخبرة علمية طويلة، أساسها الرؤية والاجتهاد المتمثل في آراء وأنظار ودراسات وضعها السادة النحاة الجهابذة بجهودهم الجبارة المشكورة في القرون المتعاقبة لتقعيد قواعدها ووصف نظامها ورصد خصائصها… والأول هو مستوى اللغة الموصوفة والثاني مستوى اللغة الواصفة، والأول موضوع وهدف للدراسة، أما الثاني فآلة وأداة ووسيلة لذلك الهدف… وعدم التمييز بينهما شبيهٌ بعدم التمييز بين جسم الإنسان وبين علم التشريح مثلا، أو بين الأجرام السماوية وعلم الفلك، أو بين القرآن العظيم وعلم التفسير، وهكذا… فهذا شيءٌ وذاك شيءٌ آخر.
في هذه المسألة وقع اللبس عند بعض طلبة العلم، أو عند كثير منهم، فخلطوا الوسيلة بالغاية ومزجوا الأداة الواصفة بالموضوع الموصوف… فإذا حدث أن اهتدى أحد الدارسين المعاصرين إلى أداة منهجية مختلفة أو وجّه نقدا إلى رأي أحد النحاة أو دحض قولا من أقواله بقول علمي مؤسس وراءه فائدة نظرية أو عملية للغة والمجتمع… استعظموه وهوّلوا أمره مع أنه ليس نقدا للغة العربية أو طعنا فيها ولا في نظامها لأن اللغة بهذا المعنى لا تُنقد ولا يُطعن فيها، ولكن توصف وتُدْرَس وتُحلل وتُقعَّد قواعدها وتُرصد خصائصها وتُعلَّم للمتعلمين…الخ، وإنما الذي قد يُنقد -مبدئيا- ويُعقَّب عليه وقد يُقبل وقد يُردّ هو اللغة الواصفة أو الاجتهادات المعلِّلة: كالرؤى والمناهج المعتمدة والنظريات المفسرة وما إليها…
غير أنه يجدر بي أن أوضح أن نقد آراء النحاة -إذا صدر من أهله- لا يعني بَسْطَ الألسنة فيهم بالسوء من القول الذي لا يحبه الله ولا ترتضيه آداب العلم، أو هتك أعراضهم وثلبها، أو ردّ الآراء التي نخالفها بعجرفة وتنقص، أو الاقتصار على ترديد المثالب وإنكار فضلهم وطمس مناقبهم كأنهم لا مَنقبَةَ لهم، كما تبتغيه نابتة نبتت في زمننا همُّها الهدم والثلب، وديدنُها أن تنتقصَ بلا تحفّظ، وتُنكرَ بلا علم، ومنهم من لم يفهم أقوال القدماء ابتداء فأنى أن ينقدها بلْهَ أن يُنشئ مثلها أو أحسن منها، وفكرتُهم قائمة على أساس هار ومنطلق خاطئ هو المفاضلة بين القديم والحديث، وهذا خطؤهم الأول، وخطؤهم الثاني أن الجديد عندهم مقدّمٌ على القديم بوصفه قديما لا لسبب آخر-في كل الأحوال والظروف- وحاكمٌ عليه،…
وذلك كله عمل سيء، قِيَميا وعِلميا، وهو سياقٌ بعيد كل البعد عن سياق هذه المحاولة المبتورة لدواعي الضرورة.

اظهر المزيد

تعليق واحد

  1. فإذا حدث أن اهتدى أحد الدارسين المعاصرين إلى أداة منهجية مختلفة أو وجّه نقدا إلى رأي أحد النحاة أو دحض قولا من أقواله بقول علمي مؤسس وراءه فائدة نظرية أو عملية للغة والمجتمع… استعظموه وهوّلوا أمره مع أنه ليس نقدا للغة العربية أو طعنا فيها ولا في نظامها لأن اللغة بهذا المعنى لا تُنقد ولا يُطعن فيها،
    حبذا مثال واقعي ليتضح المقصد

زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com