بالمختصر المفيد

سلفية ابن باديس والإبراهيمي 1/ كمال أبو سنة

في أحيان كثيرة يرفع بعض الناس أصواتهم باتهام جمعية العلماء المسلمين بأنها “وهابية” نسبة للشيخ محمد عبد الوهاب النجدي رحمه الله، وأنها امتداد للحركة الوهابية لأن مؤسسيها ابن باديس والإبراهيمي هما وهابيان سلفيان…!

والحق أن هذا التوصيف من أحاديث الخرافة فيها من لي عنق الحقيقة، والغلط، ما يعلمه كل من قرأ تراث الشيخين ابن باديس والإبراهيمي وغيرهما من علماء الجمعية، فابن باديس والإبراهيمي أسَّسا معا مدرسة إصلاحية جزائرية وسطية لها أصولها وخصائصها ومميزاتها قد تشترك مع بعض الحركات الإصلاحية في العالم الإسلامي في بعض القواسم، وتشابهها في بعض الوسائل والغايات، وتجمعها ربما كثير من الهموم والآمال، غير أن جمعية العلماء حركة لها خصوصياتها التي جعلتها مختلفة عن الحركات الإصلاحية الأخرى في العالم الإسلامي بسبب الواقع الذي وجدت فيه والظروف التي أحاطت بها وتكوين رجالاتها المتنوع الذي كان عامل تكامل لا تضاد، ففي الجمعية كان من العلماء الزيتوني والأزهري والمتخرج من الشام والدارس في الحجاز، والإباضي، وبعضهم من أبناء بعض الزوايا الصامدة المتواجدة عبر الوطن الذين تعلموا فيها القرآن والعلم النافع وهيأتهم ليكونوا من العلماء والمعلمين…فكانت جمعية العلماء جامعة لكل أبناء الجزائر الذين قبلوا بالعمل تحت ظلها، وكانوا محترمين لقوانينها، ومعترفين برئاسة الشيخين وزعامتهما.

لقد حاول بعض الناس أن يلصقوا بابن باديس والإبراهيمي صفة “الوهابية” ظنا منهم أنهم بذلك يذمونهما، ويلبسونهما لباس التشدد والتطرف، ولكن أحسن رد على هذا الافتراء والتزوير هو ما رد به الإمام عبد الحميد بن باديس على أمثالهم من المشبهين المزورين في مقال بعنوان” عبدويون! ثم وهابيون! ثم ماذا؟ لا ندري. والله!” جاء فيه ما يلي: “لما قفلنا من الحجاز وحللنا بقسنطينة عام 1332هـ، وعزمنا على القيام بالتدريس أدخلنا في برنامج دروسنا تعليم اللغة وأدبها والتفسير والحديث والأصول ومبادئ التاريخ ومبادئ الجغرافية ومبادئ الحساب وغير هذا، ورأينا لزوم تقسيم المعلمين إلى طبقات واخترنا للطلبة الصغرى منهم بعض الكتب الابتدائية التي وضعتها وزارة المعارف المصرية وأحدثنا تغييرا في أساليب التعليم وأخذنا نحث على تعلم جميع العلوم باللسان العربي والفرنسي ونحبب الناس في فهم القرآن، وندعو الطلبة إلى الفكر والنظر في الفروع الفقهية والعمل على ربطها بأدلتها الشرعية ونرغبهم في مطالعة كتب الأقدمين ومؤلفات المعاصرين، لما قمنا بهذا وأعلناه قامت علينا وعلى من وافقنا قيامة أهل الجمود والركود وصاروا يدعوننا للتنفير والحط منا (عبداويين) دون أن أكون- والله- يوم جئت قسنطينة قرأت كتب الشيخ محمد عبده إلا القليل فلم نلتفت إلى قولهم، ولم نكترث لإنكارهم، على كثرة سوادهم وشدة مكرهم وعظيم كيدهم، ومضينا على ما رسمنا من خطة وصمدنا إلى ما قصدنا من غاية وقضيناها عشر سنوات في الدرس لتكوين نشء علمي لم نخلط به غير. من عمل آخر فلما كملت العشر وظهرت – بحمد الله- نتيجتها رأينا واجبا علينا أن نقوم بالدعوة العامة إلى الإسلام الخالص والعلم الصحيح إلى الكتاب والسنة وهدى صالح سلف الأمة وطرح البدع والضلالات ومفاسد العادات فكان لزاما أن نؤسس لدعوتنا صحافة تبلغها للناس فكان المنتقد، وكان الشهاب ونهض كتاب القطر ومفكروه في تلك الصحف بالدعوة خير قيام وفتحوا بكتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم- أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً، وكانت هذه المرة غضبة الباطل أشد ونطاق فتنته أوسع وسواد أتباعه أكثر وتمالأ على دعاء الحق الجمود والبدعة وعليها بنيت صروح من الجاه، ومهما جرت أنهار من المال، وأصبحت الجماعة الداعية إلى الله يدعون من الداعين إلى أنفسهم (الوهابيين) ولا والله ما كنت أملك يومئذ كتابا واحدا لابن عبد الوهاب ولا أعرف من ترجمة حياته إلا القليل، ووالله ما اشتريت كتابا من كتبه إلى اليوم، وإنما هي أفيكات قوم يهرفون بما لا يعرفون ويحاولون من إطفاء نور الله ما لا يستطيعون وسنعرض عنهم اليوم وهم يدعوننا (وهابيين) كما أعرضنا عنهم بالأمس وهم يدعوننا (عبداويين) ولنا أسوة بمواقف أمثالنا مع أمثالهم من الماضين. [آثار ابن باديس 3/27].

يتبع

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com