المعركة مع من يا “وطن”!
طالعتنا جريدة الوطن الناطقة بالفرنسية بمقال بتاريخ 19 أفريل 2018 يحمل عنوان: “معركة إيديولوجية” يتناول فيه كاتبه موضوع الإسلام والعربية والأمازيغية في كلمات هي ذاتها التي تتكرر في كل الصحف الفرنكوفونية الجزائرية، وفي أفكار هي نفس الأفكار المكررة المعادة المتبعة من مناضلي ذلك التيار الذين اقتنعوا بها كلهم جميعا كما يقتنع القطيع بكلمة الراعي إذا قال له “أر”!
أكاذيب وأنصاف حقائق وأغاليط وشتائم وتلفيقات، ذلك هو الطبق الواحد الوحيد الذي تعرضه الصحف الفرنكوفونية على قرائها صباح مساء، يمتزج فيه التطاول على الإسلام والشعب والتاريخ والثورة مع تجاوزات لكل الأخلاق والأعراف، ودوس على الدستور والقوانين، واللعب بكل الأوراق التي تدفع نحو الانقسام والتناحر والفرقة والتقاتل.
ندمت هذه الصحف الفرنكوفونية حليفة داعش والقاعدة (لأن الهدف واحد) على أن العشرية السوداء لم تكن عشريات كثيرة وعلى أن المائتي ألف قتيل لم يكونوا مئات عديدة ولم لا ملايين كثيرة حتى يقضى على كل الإسلاميين وكل العرب الذين احتلوا هذا الوطن منذ أربعة عشر قرنا من الزمان !!.
لا مكان للإسلاميين في هذه الأرض حتى ولو كانوا أمازيغ خلصا؛ لأن الأسلمة تمت بالقوة، والحجاب لُبِس بالقوة، والمساجد بنيت دون استشارة الساكنة، والعربية تنتشر في منطقة القبائل بشكل مقلق جدا ولا فرق، في عقل صحفيي جريدة الوطن الفروكوفيلي الصغير، بين الإسلام والإرهاب والإجرام، ولا اعتبار عندهم وهم الذين يرفعون شعارات الديمقراطية لشعور الملايين من الجزائريين الذين يقرؤون متعجبين متحيرين صحيفة جزائرية تسب الإسلام وعلماء الجزائر وتدوس على كل القيم الأخلاقية لمهنة الصحافة التي هي أشرف المهن لو كنت تدركين يا “وطن”!
ها قد تحولت الصحافة على ورقات الوطن إلى مهنة الاصطفاف والاستقطاب، وتهييج الناس وتغليط الرأي العام، وبث الأراجيف والأكاذيب، وضرب الشعب الجزائري في أعز ما يملك: دينه ووحدته!
ألم يكن عبد الحميد بن باديس أمازيغيا يا وطن! ألم يكن عظماء تاريخنا الإسلامي المجيد أمازيغا كلهم!
ألم تكن دولة الموحدين والمرابطين والرستميين والحماديين ممالك أمازيغية!
الوطن تفخر بملوك الأمازيغ القدامى قبل الإسلام ولا تفخر؛ بل ولا تذكر ملوك الأمازيغ المسلمين الذين سادوا وصالوا وجالوا وأذلوا الإسبان والفرنسيين في زمنهم، لأنها لا تريد الإسلام ولا تريد للأمازيغ أن يكونوا مسلمين.
وحين تقول الوطن إن المعركة معركة إيديولوجية فإننا نتساءل عن أطراف هذه المعركة الإيديولوجية؟!
ما هي الإيديولوجية التي تريد الوطن أن تحارب بها العربية والإسلام في الجزائر؟
إن المعركة لا تكون هجوميتها إلا بين طرفين وحين نرى صحيفة الوطن تشن هجوماتها على الإسلاميين الجزائريين والإسلاميين الأمازيغ وتريد أن تنزع بنات القبائل حجابهن وتريد أن تقل المساجد وتطرد اللغة العربية حين نرى ذلك نتساءل: ما البديل يا ترى؟
سيقولون إن البديل هو الأمازيغية؟
لم لا تنشئ الوطن صفحة واحدة بالأمازيغية حتى تثبت للجزائريين حسن نيتها تجاه لغتنا الأمازيغية الوطنية بدل أن تكتب أربعا وعشرين صفحة بلغة أجنبية عن الجزائريين والجزائريات؟
لم لا يقوم حزب فرنسا ببث الإعلانات في الطائرات ورحلات القطار بالأمازيغية بدل الفرنسية التي يتمسكون بها كما يتمسك المؤمن بإيمانه؟!
أين أنت من رسالة الصحافة الوطنية التي تقوم على احترام الشعب وقيمه ومبادئه يا وطن؟
أين أنت من رسالة الصحافة الحرة التي تقوم على الحياد والصدق والنزاهة ونقل الحقائق والبعد عن الأكاذيب والأراجيف!
أين صحيفة الوطن من مهنة الصحافة التي تقوم على تناول القضايا والمشكلات التي يعاني منها المواطن والوطن؟
هل حققت “الوطن” في نهب فرنسا للاقتصاد الوطني حيث تحول الملايير كل شهر إلى بنوك فرنسا؟ هل حققت في تجسس فرنسا على الحكومة الجزائرية وتدخلها في القرار السياسي والاقتصادي والثقافي؟ هل حققت في مؤامرات فرنسا على الوحدة الوطنية وسعيها الحثيث لتقسيم الوطن؟
هل حققت في جرائم فرنسا في مالي والنيجر واستغلالها لثروات إفريقيا وارتكابها أفضع الفضائع في إفريقيا السوداء؟ هل حققت في وضعية مهاجرينا في فرنسا حيث يعاملون كالمجرمين والعبيد؟
هل نورت الرأي العام حول جرائم فرنسا في منطقة القبائل التي تدعي نصرتها حيث قتلوا واغتصبوا وشردوا إبان الاحتلال دون تمييز بين قبائلي وعربي؟! هل دافعت الوطن عن التارقية والشلحية والشاوية وغيرها من اللغات واللهجات أم أنها تكتفي بالدفاع عن المصطلح “الأمازيغية” لأغراض سياسوية أصبحت مكشوفة؟
وحين تقول الوطن إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كانت ضد استقلال الجزائر فإننا نضحك ونتسلى ونقول لها: احذري فإن أنفك سيطول مثل أنف بينوكيو!
والله لو كانت جمعية العلماء مع الاحتلال لأحبوها كما يحبون المحتل ووالوها كما يوالون أعداء الوطن ودافعوا عنها كما يدافعون عن حاملي رايات الفتن لكنهم يبغضونها لأنها حملت ولا تزال تحمل رايات الدين والوطن؛ بل هي والدين شيء واحد.
كان على صحيفة الوطن وهي الفرنسية حتى النخاع أن تقتدي بالإعلام الفرنسي، الذي يدافع عن مصلحة وطنه، لا عن مصلحة وطن آخر ويحترم مبادئ شعبه وثقافته وتاريخه لا ثقافة المحتل، ويقدس مهنة الصحافة القائمة على النزاهة والسرية ونشر الحقائق.
إن الصحفي الجزائري الذي يفتخر بفرنسا ولغتها يشبه الصحفي الفرنسي الذي يفتخر بألمانيا ويكتب بالألمانية والفرق هو أن الصحفي الفرنسي الذي يفعل ذلك غير موجود، بينما الصحفي الجزائري الذي يفعل ذلك هو سيد الموقف في الساحة الإعلامية ويحظى بالرعاية والحماية!
خلا لك الجو فبيضي وفرّخي! كما يقال.
نحن في بلد عربي مسلم كما تقول صحيفة الوطن لكن أكثر العناوين الصحفية فيه تصدر بلغة المحتل القاتل ونحن في بلد أمازيغي لكن كل أنصار الأمازيغية يكتبون بالفرنسية وينشرون بها!
وتتأسف الوطن في نهاية مقالها أن الإسلام والعربية قد انتصرا في الجزائر ونحن نبشرهم أنهما سينتصران دائما وأبدا؛ لأنهما ما لهما في هذا البلد من عدو إلا فرنسا ولغتها وما عرف التاريخ أنهم انتصروا من قبل حتى ينتصروا اليوم ولا عرف أن الجزائريين انهزموا يوما حتى ينهزمون اليوم.
أما أتباع فرنسا وأنصار لغتها وعودتها، فإننا والله ننظر نحوهم بعين المشفق الراثي، يكفيهم أنهم خسروا وطنهم وهويتهم وغدوا يقدسون فرنسا كحركى الأمس وخونة الثورة، ويكفيهم أن أحد منتخبي فرنسا قال لهم (عار عليكم يا من بعتم إخوانكم وأتيتم تتسولون عندنا، اذهبوا فنحن لا نريدكم ولا نحترمكم!)
وقديما قال شاعر العربية الأول:
من يهن يسهل عليه الهوان ** ما لجرح بميت إيلام!
د. علي حليتيم