أيا قادة أمتنا! إلى متى ليل محنتنا؟

أ. د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
فقد طفح الكيل، وفاض السيل، وعظم الويل، ولا يبدو من آخر لهذا الليل. في كل ساعة دماء تراق، وأنفس تزهق وأعراق، وأسر بكاملها تباد وتدفن في الأعماق، بزعم البحث عن الأنفاق فهل لمحنتنا من راق؟
أيرضيكم، يا قادة أمتنا، إبادة شعبكم في غزة، وأنتم تنظرون؟ وبلاء مجاهديكم ضد المحتلين الغاصبين، واستشهادهم في ساحة الشرف، وأنتم لا تشعرون؟
والأنكى من كل هذا، أنكم لازلتم تتبجحون بالتطبيع والهرولة نحو الذين هم لشرف أمتكم يطعنون.. ألا ساء ما تفعلون!
يا بخس غزة في عهد العزة! أيتصدى لحمايتها أطفال بصدور عارية، ويصد العدوان عنها مسنّون بأسلحة بالية، بينما تدير الظهر لها جيوش هاوية، وقيادات خاوية، وأسلحة مرصودة صدئة بالية؟
فأين الفحولة، والرجولة؟ وأين النخوة والنشوة؟ وأين الإباء والفداء، وإجابة النداء؟
واخجل التاريخ من واقعنا الذليل! واخجل الأمهات من تردي الجيل السياسي العليل!
فقد أسقطت غزة، بمقاومتها، وكتائب قسامها، ورق التوت عن العرب المزيفين، وهدمت أنصاب القادة الممثلين، ومرغت في الرغام أنوف الزعماء المدسوسين.
فيا كبراء أمتنا! أما آن لكم أن تستيقظوا من نوم التخدير؟ وأن تتوبوا إلى الله من موالاة العدو الصهيوني الحقير؟ وأن تكفروا عن ذنوبكم، باحتضان قضايا أمتكم العادلة بالمشاركة في معركة التحرير وتقرير المصير؟
إن تاريخ الأمة العربية يكتب اليوم من جديد بدماء المجاهدين المخلصين، والشهداء الصادقين وبعرق جيل المقاومة، الذي يكفر بالانهزام والمساومة، ويقدم على الموت ببسالة وإيمان، ومداومة.
إن الجيل الذي أنجب لنا يحيى السنوار، وأبا عبيدة المغوار، وإخوانهما من الثوار الأحرار هم الذين لقّنوا العدو الجبان دروس الفداء، والاستبسال، فجعل جنود العدو يولون الأديار.
سبحانك اللهم، بعثت فينا جيل طوفان الأقصى، فبعثت القضية الفلسطينية من غفوة دامت عقودا من السنين، وأعادت للمفاهيم الإسلامية الدقيقة والعميقة صحة معانيها، مما جعل الناس يقبلون على دراسة الإسلام في سلوكه الجديد، ومفهومه التليد والسعيد .
لقد بات النصر –اليوم- بفضل جيل القسام وباقي المقاومين أقرب إلينا من حبل الوريد، وصار يؤمن بحقيقته حتى الطفل الوليد، ووالده، ووالد الشهيد .
ويومها تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه، فأما الذين اسودت وجوههم، فهم الذين مالئوا العدو المحتل، المختل، طمعا منهم في انتصاره المزعوم، وها هم اليوم في الدرك الأسفل من التاريخ المذموم.
وأما الذين ابيضت وجوههم، فهم أولئك الذين آمنوا بربهم ووثقوا في جهاد وطنهم فزادهم الله هدى، وخلد الوطن أسماءهم أبدا.
ففي تاريخ الشعوب والأمم أيام.. أيام تسجل فيها الأعمال بالدماء، والدموع، والذهب والماس، وأيام تكتب فيها المواقف والأفعال بمداد الخزي والعار، والذلة والشنار، ويومها يخجل هؤلاء من تاريخهم، ويعتز أولئك بجهادهم وجهدهم .
تلك قوانين السنن الإلهية، التي وضع الله مناهجها وقوالبها للأفراد والشعوب، فالعقلاء هم من أحسنوا تدبير تلك السنن فأخضعوها للحكمة، والحنكة، فاستفادوا من معانيها، ووضعوا قوانينها في خدمة الغالي والعالي من قضاياها ومغانيها.
ويا بؤس من سولت لهم أنفسهم الأمور معكوسة، فساروا في الحياة برؤوس منكوسة، ونفوس مبخوسة، وهاهم يحصدون من سوء أعمالهم كل النتائج المنجوسة .
ذلك هو حالنا اليوم، مع المعركة المصيرية الدائر رحاها في غزة العزة، بقيادة كتائب القسام، وفصائل المقاومة الذين يخوضون غمار المعركة ليثا وشبلا، رائدهم في ذلك قول الشاعر الجزائري:
دعونا نسكن الأنفاق إنا وجدنا مسكن الأنفاق أحلى
ومن بنزالنا غرته نفس تركنا أمه تبكيه ثكلى
ألا فليتعظ كل عربي، وكل مسلم، وكل إنسان حر بأنّ الصراع بين الحق والباطل سيحسم لصالح الحق ضد الباطل.
وليدرك الجميع أن قضية فلسطين، بقيادة غزة، والقدس، هي أحق القضايا في عصرنا اليوم، وهاهي بعد أن وحدت المؤمنين بعدلها، تسجل كل يوم نصرا جديدا، ومجدا تليدا، وعند الصباح يحمد القوم السرى .
إنه نداء اللحظة الأخيرة، نوجهه لكبرائنا وبعض قادتنا، الذين لم يفيقوا بعد، نحذرهم بأن الساعة ساعة حسم وعزم، وقد أذن مؤذن النصر، فويل لمن تصاممت أذناه عن سماع أذان الحق، فقد أطل فجر الانتصار، وآذن ليل المحنة بالانكسار، وإنه لجهاد، وإنه لنصر واستشهاد.