وإخوانا، حسبتهمُ دروعاً… ولكن.. ! /الدكتور عبد الرزاق قسوم
اشهدي يا سماء بلادي العربية، أنّ أسراب الطائرات العسكرية، التي خرقت عفاف أجوائك الطاهرة، حاملة إليك الخراب، وزارعة فيها الضباب، لم تقلع من قاعدة بني صهيون، ولا من محطة البنتاغون، وإنما هي عربية اللون، يقودها قوم، من آل فرعون.
واكتبي، يا أرض بلادي العربية، أنّ الطيارين الذين أغاروا على درنة، و”الهون”، وأذاقوا الشقيقة ليبيا كل ألوان الدمار والهون، فأحرقوا الأخضر واليابس من الشجر، وقتلوا الرضّع والنساء، وكل بني البشر، ولم يسلم منهم لا الحيوان ولا الحجر، هؤلاء الطيارون، أيضا، هم من بني جلدتنا، يحملون سحنتنا، ويتقنون لغتنا، ولكنهم يدوسون كرامتنا وعزتنا، وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين.
ذلك هو حال ما يتعرض له، هذا الجزء الغالي من وطننا العربي، ليبيا، الشقيقة، فلم يُكتف في التآمر عليها، التناحر القبلي، والتقاتل الجهوي، وها هو العدوان الأخوي، يصبّ على النار الزيت، ويشعل الفتنة في كل بيت، ويحوّل كل حيّ – في ليبيا- إلى ميت.. وليتَ! وهل ينفع شيئا ليت؟
سبحانك اللهم! علمتَنا سنتك الكونية فنبذناها، وأنزلت علينا، آياتك القرآنية، فجهلناها، فسلطت الأخ على أخيه، يستخدم القوة ليرديه، والنفوذ ليقصيه، والسلاح ليذله ويخزيه، وكل ذلك لحكمة تعلمها أنتَ ولا نجليها، فسبحانك، مجرى السنن، تظهرها لمن تشاء أو تخفيها.
حقا، لقد توقف العقل، أمام ما يحدث في بلادي العربية من تناقضات، من الحاكم والمحكوم، والظالم والمظلوم، والعالم والمعلوم. ونريد من فقهاء السياسة والمتخصصين في علوم الرئاسة، وحتى الضليعين في ممارسة النخاسة، أن يبيّنوا لعقلي الضعيف هذه الألوان من التعاسة، ما هي الحكمة من وجودها، وما هي المقاصد من بنودها وحدودها؟
فالذي تربينا عليه منذ نشأتنا، أنّ العربي أخو العربي، والمسلم أخو المسلم، وهما، الواحد للآخر كالبنيان يشد بعضه بعضا، وأنّ الأمة العربية، من المحيط إلى الخليج، وأنّ محور طنجة جاكرطة، محور مقدس، تحكمه عهود، وتنظم علاقاته قوانين وبنود، وتسهر على حمايته معاهدات وجنود، فكيف نبرر عدوان مصر الشقيقة الكبرى على ليبيا الشقيقة الصغرى؟ وكيف نفسر إقدام الضابط الليبي الأكبر “حفتر” على المواطن الليبي الأصغر في درنة، أو الهون، أو بنغازي، وما لم يذكر؟
نريد من علمائنا في الفقه، ومن فقهائنا في السياسة، ومن ساسة الشؤون العسكرية، أن يقنعونا بجدوى ما تقوم به القوات العسكرية المصرية، على بلد صغير كليبيا، كنا نعتقد أنهم دروعه الواقية من أي عدوان، ولكن ما راعنا إلا وأنهم كانوا السهام القاتلة له، حماية له من الإرهاب السراب، وهل هناك إرهاب أكبر، من أن تأتي أسراب من الطائرات محملة بشتى ألوان القنابل المدمرة، فتقتل الأطفال، والنساء والعجزة؟
إنّ الذي نعرفه، أنّ ليبيا كانت من خلال ملحمة سيرت وغيرها، كانت السباقة إلى مقاومة الإرهاب، وإخراج أهله من سيرت، فكيف يُتهم الليبيون بموالاة الإرهاب؟ والأنكى من هذا، أن يتهم الليبيون بإيواء المتآمرين على مصر، وعلى أقباطها بالذات، فمن تكون ليبيا، حتى تتحول إلى مأوى للتآمر على الشقيقة مصر وهي العاجزة عن حماية أمنها، الغارقة في فتنها الداخلية، المكتوية بشتى ألوان التآمر عليها.
يذكرني هذا بقول الشاعر:
يقولون لا فتوى، ولا فقه عندنا
فمن أنتم حتى يكون لكم عِنْدُ؟
إنّ ليبيا، وديعة الوطن في ذمة البلدان الشقيقة المجاورة لها، وأي مساس بوحدتها أو بسيادتها، هو مساس بوحدة وسيادة كل بلد مجاور لها.. لذلك، تدعونا النخوة العربية، والأخوة الإسلامية، والإستراتيجية الوطنية، أن نهب لنجدة ليبيا، مما يراد لها، ومما يقع من كيد لنفطها ووحدتها، وسياستها.
لقد أخنى الزمن على شقيقتنا ليبيا، فقضى على معالم الدولة فيها، من جيش، وحكم، ونظام سياسي، فأصبحت لقمة في أفواه الضياغم، كل يريد أن يبتلعها لمصلحة شخصية أو إقليمية، أو دولية، طمعا في زيتها، وصيتها، ونبتها، ولكن القوة الحية في ليبيا، هي شعبها الطيب، الذي يأتي في مقدمة الشعوب العربية الأبية.
فلا ينبغي – إذن- أن نستغل طيبتها، من بعض المغامرين أو المتآمرين، وعلى أشقائها أن يخافوا الله في ليبيا، لأنهم دروعها الواقية، وسهامها الباقية.
وإخوان حسبتهم دروعا ****** فكانوها.. ولكن للأعادي
وخلتهم سهاما صائبات ****** فكانوها.. ولكن في فؤادي
إنّ على إخوتنا في ليبيا أن يتحلوا بمزيد من الوعي فيوحدوا صفوفهم، ويعززوا كفهم، ويكفكفوا دمعهم، ويوقفوا همهم، فيتصدوا لكل باغ، ولكل متآمر، ولكل دخيل أو عميل.. وقديما سأل أحدهم حكيما: كيف نتغلب على الأقوياء؟ فأجاب الحكيم: بتوحيد صفوف الضعفاء… فالقوة الحقيقية في توحيد الصف والكلمة.