ملحمة غزة: بين نصوص التلمود الـمدنس وآيات الإسلام الـمقدس

أ. د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
من أراد أن يتجدد دينه، وعنوانه، ويعلو –في الحق- صيته وإيوانه، وأن تتجذر في الوطن والوطنية قواعده وأركانه، فلينظر إلى ملحمة كتائب القسّام البطولية، ليستلهم منها حقوق الإنسان والإنسانية.
وهل يستويان؟ تلمود حرفت تعليماته، ونأت به عن جانب الصواب حاخاماته، فهم يدعون باسمه إلى قتل الصبية الرضّع، والشيوخ العزّل الركّع، والبهائم الصماء الرتع.
وإسلام تقدست آياته، وعلت قيمه وتجلياته، فهو يدعو إلى صيانة النفس البشرية، حتى وإن خالفت العقيدة الإسلامية «إنكم ستجدون أناسا حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له». وقوله تعالى:
﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [سورة البقرة 190].
«إن الجهاد في الإسلام تحكمه أخلاقيات صارمة ملزمة، فلا يجيز قتل إلا من يقاتل، ولا يجيز قتل النساء، ولا الولدان، ولا الشيوخ الكبار ولا الرهبان، ولا الفلاحين أو التجار، ولا يجيز الغدر، ولا التمثيل بالجثث، ولا قطع الأشجار، ولا هدم الأبنية، ولا تسميم الآبار أو تطبيق ما يسمونه سياسة الأرض المحروقة، أي التي تدع كلّ ما وراءها خرابا يبابا.
هذا ما ثبت بالنصوص الصحيحة وطبقه الخلفاء الراشدون، والمسلمون من بعدهم» (انظر كتاب الميثاق الإسلامي، منشورات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين).
فأين هذه القيم مما يدعو إليه اليوم الحاخامات اليهود، باسم التلمود المدنس، ويطبقه الصهاينة في حربهم الإبادية، من قتل الأطفال والنساء، والشيوخ العزل؟ وهل يوجد عقل إنساني يدعو إلى هدم المسجد على مصليه، والمستشفى على أطبائه، ومرضاه، وممرضيه؟ والقسم الدراسي على تلاميذه ومعلميه؟
فأية ديانة هذه، التي يباركها دعاة حقوق الإنسان المزعومين، باسم الدفاع عن وجود كيان الصهاينة المعتدين؟
إننا نحيل الباحثين المنصفين، والمثقفين الموضوعيين، والساسة الوطنيين، نحيلهم جميعا على واقع الملحمة الغزاوية وعلى الأطراف المتحاربة فيها.
وشهد شهود من أهلها، فالأسيرات اليهوديات المحررات من كتائب الأقصى شهدن بعلو المعاملة، وسمو الأخلاق، والعفة في حسن التعامل.
ولماذا يعاقب الكيان الصهيوني بغرامة باهظة كلّ يهودي يشاهد تصريح أبي عبيدة؟
ولماذا عزل من منصبه الناطق الرسمي باسم الكيان الصهيوني، لمجرد أنه سمح للأسيرة اليهودية المحررة، بعقد ندوة صحفية، أشادت فيها بما لقيت من حسن معاملة من جند الله جند كتائب القسّام؟
أفبعد هذا كله، نجد في مجتمعنا العربي المسلم، على مختلف المستويات، من لا يزال يكفر بالمقاومة، ويؤمن بسياسة التطبيع والمساومة؟
لقد أدّب الإسلام جنود كتائب القسّام فأحسن تأديبهم، حين جعل القرآن الذي يحفظونه ويفقهونه، ميثاقا عمليا، يسيل من قلوبهم شجاعة، ومن عقولهم منطقا إنسانيا وحكمة، وحسن أخلاق تواضعا ومعاملة.
إن هذه القيم النبيلة التي جسدها المقاومون الفلسطينيون في ملحمة غزة، هي التي بهرت العالم، وجعلت العقلاء من غير المسلمين يقبلون على الإسلام عن طواعية وحسن اقتناع وإن القيم التي تجلت في شجاعة وبطولة وإيمان جنود كتائب القسّام وغيرهم، هي التي قلبت الموازين لدى الجماهير الغربية، التي خرجت تتظاهر في مختلف العواصم، وحتى داخل الكيان الصهيوني منددة بسياسة الهمجية والتوحش التي يطبقها الصهاينة على الشعب الفلسطيني المستضعف.
فيا كبراء العالم العربي الإسلامي! ويا علماء ودعاة المساجد في بعض المنابر!
ألا تستجيبون لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم؟
ألا تزالون في غيكم تترددون، وقد سقطت الأقنعة، وظهر الحق لكلّ ذي عينين، ولكل من يملك الحد الأدنى من العقل، والحد الأدنى من التدين؟ فما لكم كيف تحكمون؟
إننا نبرأ إلى الله، مما يأتيه بعض العلماء في أمتنا، ومما يتخذ من مواقف من بعض كبرائنا، من ملحمة غزة، ومن القضية الفلسطينية، وما تفرزه من جرائم الصهاينة، من قتل وإحراق للجثث، وتمثيل بالموتى، وكلّ ما يتقزز العقل، والذوق منه.
إن للتاريخ منطقا تحكمه سنن الله، وإن سنن الله لعادلة، فمن حاد عن منطق التاريخ، وكفر بسنن الله، ستحكم عليه سنن الله العادلة، وسيلقي به التاريخ إلى قبر العدم، وويل للظالمين من حكم التاريخ !