حديث في السياسة

الأمازيغية مكسب أماريغي أم مكسب وطني؟

حضرت يوم الأربعاء الماضي 11/04، يوما دراسيا بعنوان “واقع الأمازيغية في الجزائر مكاسب الحاضر ورهانات المستقبل”، بمقر مجلس الأمة، والجهة المنظمة هي بطبيعة الحال المجلس الذي يمثل الغرفة الثانية في هرم الدولة الجزائرية = أي مجلس الشيوخ.

وقبل الاستماع إلى مداخلات المتدخلين لفت انتباهي عنوان اليوم الدراسي “واقع الأمازيغية في الجزائر مكاسب الحاضر ورهانات المستقبل”، وتساءلت بيني وبين نفسي، هل الكلام سيكون عن مكاسب أمازيغية أم مكاسب جزائرية؟ ذلك أن الكلام عن مكاسب أمازيغية، يعني الكلام عن مكاسب فئة من الجزائريين، ناضلوا ولا يزالون يناضلون من أجل “أمزغة” الجزائر بجميع الوسائل وفي جميع المجالات؛ وهذا ليس همُّ كل الجزائريين في الشكل أو في المضمون أو فيهما معا، وإذا كان الأمر سيأخذ منحى الكلام عن مكاسب للدولة والمجتمع في مجال الارتقاء بالأمازيغية، فما أظن دولة تحترم نفسها، تتكلم عن مكون من مكونات مجتمعها بهذا المنطق وهذه الصفة؛ لأن العمق الأمازيغي في الفرد الجزائري ليس غريبا عن الحركة الاجتماعية عامة، ولم يغب عن الضمير الجزائري في يوم من الأيام، وإنما لم يكن الانشغال به، انشغالا عنصريا كما فعل بعض القوميين في القوميات الأخرى أو حتى في ضمير بعض الانفصاليين من الجزائريين، ولم تغب كمقوم فعال في الحركة الوطنية وفي الثورة وبعد الاستقلال وقبل الاعتماد الرسمي للغة الأمازيغية وبعدها وإلى أن تقوم الساعة سوف يبقى جزء من هوية كل من أوجده الله في هذه البقعة بالقوة أو بالفعل، ولكن يبدو أن الحزبية السياسة والطائفية والشعوبية هي التي تملي على الدولة ورجالها ما ينبغي أن تتبناه.

وما كشف لي عن أن المكاسب التي أراد مجلس الأمة الاحتفاء بها هي مكاسب أمازيغية “وليست مجرد مكاسب دولة ومجتمع”، الكلمة الرئيسية الأولى لمؤسسة رسمية أيضا وهي “المحافظة السامية للأمازيغية”، التي جاءت فيها الإشارة إلى الذكرى الثامنة عشر…، ويقصد ترسيم اللغة، وتنظيم هذا اليوم الدراسي في شهر أفريل ذي العلاقة بالربيع الأمازيغي المؤدلج.

وهذا ما جعل المداخلات في هذه الندوة تأخذ منحيان مختلفان، منحى سار في اتجاه أن الأمازيغية حققت مكاسب كبرى، وكأنها كانت في صراع مع المجتمع الجزائري بمكوناته المتنوعة، ومنحى آخر يرى أن المشكلة ليست بهذه السهولة والتسطية، وإنما هي أعمق من مجرد صراعات فئوية، بدليل أن جل الحضور لا يعرفون الأمازيغية، وما استمعوا إليه من مداخلات كان أغلبه باللغة العربية وقليل منه الفرنسية. أما بالنسبة لتدخلات الحضور وتعليقاتهم فقد كانت خارج المنطق الفوقي المفروض على المتابعين، حتى أن شابة وهي أستاذة بالمعهد العالي للإعلام وباحثة في علم الاجتماع السياسي، قالت بالفم المليان، أين موقع الفرد الجزائري من هذا؟ ماذا نقول للتلميذ الذي لا يريد أن يتعلم هذه اللغة؟ وتقصد الأمازيغية.

إن الأمازيغية “في تقديري” بالنسبة للجزائري ليست مجرد لغة نتعلمها ومكاسب حققتها الحركة البربرية في نضالها الطويل، وإنما هي قيم أعمق وأدق من مجرد لغة لأنها متعلقة بالهوية الوطنية، والهوية الوطنية تتجاوز العرق واللون واللهجة أو اللهجات. ولو كانت اللغة بمفردها خاوية من روحها وعصب حياتها كافية لبناء هوية وطنية متكاملة، ما تفرعت عن اللغات لهجات ولهجات تصل إلى العشرات في اللغة الواحدة التي لا يكاد يفهم بعضها بعضا.

ومجلس الأمة كمؤسسة ذات ثقل في الدولة، ما كان له أن يسقط هذه السقطة في الكلام عن مكاسب فئوية لا تزال محل جدل في كيفية نقلها إلى مكاسب اجتماعية ثقافية حقيقية، اللهم إلا إذا كان غرض المجلس سياسيا آنيا وهذا لا يليق بمكانته ومقامه؛ لأن المكاسب الخادمة للمجتمع تهم الكل الجزائري، وعندما نقول مكاسب، ينبغي أن يكون الحديث عن أمور تحققت وأصبحت إضافة إلى الحقائق القائمة في الوجود الجزائري، وليس لمجرد وجود ألفاظ مسطورة في الأوراق.

ولذلك نرى أن من الضروري التنبيه إلى ما يعتبره البعض مكاسب، وهو في الواقع لا يعد إضافة إلا عندما يدمج ويتحول إلى قيم ثابتة في الكل الوطني، وإلا صار توجها عنصريا غير وطني ولا إنساني؛ لأنه مضاد للتوجه الإنساني الحضاري العام، الذي تتجمع فيه الكتل البشرية على ما يحقق لها المكاسب الأكبر والأنفع. ومن مقترحات جمعية العلماء المسلمين في هذا الموضوع، كتابة الأمازيغية بالحرف العربي، حفاظا على الاستقرار والوحدة الوطنية الثقافية والسياسية، اسمنتها المسلح الإسلام؛ لأن كتابة الأمازيغية بالحرف العربي إبقاء على التواصل بين اللغتين العربية والأمازيغية، ثم إن التعلق بالعمق الأمازيغي لا ينبغي أن ينسينا العمق العربي، وهما العمقان اللذان انصهرا دمهما في العرق الجزائري في ظل عقيدة واحدة هي العقيدة الإسلامية التي ساهم المجتمع الجزائري بفضلها في بناء الحضارة الإنسانية، يوم كان الإسلام مهيمنا على العالم بثقافته وعطائه العلمي، الذي اعترف به العدو قبل الصديق.

ومستقبل الأمازيغية في بلادنا مرهون بمدى هضمه لهذه الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها، وإلا بقيت الأمور تراوح مكانها مع المزيد في التدهور والتشتت والانهيار لا قدر الله.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com