عسر الامتحان.. على نواب البرلمان – الدكتور عبد الرزاق قسوم
يا إخواننا، ويا أخواتنا النواب، بالقوة أو بالفعل. يا أيها، الميمّمون شطر قبة البرلمان، من كلّ حدَب وصوب، ومن كلّ مكان. أيها الحاملون لمختلف القناعات، والحزبيات، والإيديولوجيات، بشتى الألوان!
أيًّا كان ما أثير حول انتخابكم، من طعون أو خروقات، وما شاب اقتراعكم من مقاطعات، فأنتم نواب الأمة بالقوة أو بالفعل، بعيدا عن كل الأحكام والتأويلات. نحن نهنئكم على هذه المسؤولية، ونذكركم، بأن الأمة تنظر إليكم نظرة ألم، وأمل.
أما الألم، فمبعثه هذه الجراحات النفسية التي خلّفتها الانتخابات، بدء، بالعض على الأيدي ندما، وقضم أصابع اليد حسرة، وانتهاء بالاكتئاب، والانتحاب. وأما الأمل فهو ما يناط بأمثالكم، من النواب في كل أمة، وخاصة في أمتنا، بأن تصلحوا ما أفسده الدهر، وأن تغيروا، ما قد يكون تسلل إلى واقعنا من مظاهر الفساد، والخداع، والخيانة، والمكر.
إنكم – يا إخوتنا النواب- ستكتشفون تحت قبة البرلمان، الكرسي الأثير، والنفوذ الكبير، والمكسب الوفير، وكل ذلك باسم الحصانة، والحماية، والتقدير. غير أنكم ستلتقون – أيضا- تحت قبة البرلمان بما يشبه الادغال بمختلف الكائنات المفترسة، من الذئب، إلى الثعلب، إلى النمر، إلى جانب السمك، والحوت الكبير. فسبحان من مكّن من تعايش كل هذه الأضداد، في محاولة لسن قوانين التسيير والتغيير.
عليكم –إذن- أن تضعوا نصب أعينكم، أنّ عهدتكم البرلمانية، تأتي في مرحلة بالغة الحساسية، مما يتطلب الكثير من اليقظة والتحلي بأعلى قيم الوطنية.
فاذكروا –أولاً- أنكم ملأتم الدنيا عهودا ووعودا، وشعارات، بأنكم، ستجعلون من الجزائر، المدينة الفاضلة التي نادى بها الفيلسوف المسلم، المعلم الثاني أبو نصر الفارابي، والجمهورية التي بشَّر بها، الفيلسوف المثالي اليوناني أفلاطون، والفيلسوف المسيحي ابن سوق أهراس القديس أوغسطين الذي وعد بمدينة الله.
فماذا أنتم فاعلون – يا نواب الجزائر- بالجزائر، بعد أن استتب لكم الأمر، ودانت لكم الدنيا، بالمكاسب والمناصب؟ اعلموا أنّ التاريخ صحائف، فخلّدوا فيها جميل الذكر!
إنّ الجزائريين يعانون من وطأة الفساد بكلّ ألوانه، فهم يئنون تحت رحى الغلاء، وكل أنواع البلاء، من عنف الإرهاب، إلى محنة الاغتراب، إلى مصائب الآفات الاجتماعية، كالمخدرات، والمسكرات وفاحش القول في الطرقات، ويا لها من ويلات!
نصحتكم – يا إخوتنا- في مقال سابق- أن تكونوا نوابا، لا نوائب، ومن متطلبات النيابة الحقة أن تتحلوا بالشجاعة في القيام بعملية التغيير وهي مهمة تتطلب القيام، بتغيير كليّ للمناهج في النتائج، وأهمها من وجهة نظرنا:
- أن تقلبوا المنهج المتبع، فتعملوا بالمنهج الصاعد بدل المنهج النازل، ومعنى ذلك أن تكونوا أنتم المخبر العلمي والاجتماعي والوطني، الذي تصاغ فيه القوانين والأحكام المستوحاة من نبض الأمة، لتصعد إلى مصادر القرار للتطبيق، خدما لأمتكم، وأنتم أعلم بشؤون أمتكم.
- اعلموا أنّ مصدر التأزم في الجزائر ليس غلاء النفط أو رخسه، فهناك بلدان ليس لها نفطا، وتعيش دون تأزّمنا، إنّ المصدر الحقيقي للتأزم يكمن في تأزمنا العقلي المجسد في تخلفنا العلمي، وتدهورنا التربوي، وتذبذبنا الديني، واغترابنا الفكري، واهتزازنا العائلي، وكلها عوامل سلبية، تُلقي بظلال تأزمها على واقعنا الاقتصادي، والثقافي وحتى السياسي.
- أعيدوا إلى مواطنيكم وإلى وطنكم، يا نواب الجزائر، الوجه الحقيقي للوطن والمواطن، بأن تزيلوا عنه هذا القبح الثقافي الذي يشوه واجهات محيطنا، بالهجانة، ويعيق ألسنة أبنائنا، بالرطانة، ويزعزع الثقة، بين المعلم والتعليم، والأستاذ والطالب، في كيفية أداء الأمانة.
- العمل على تصحيح المفاهيم، وتعميق التعاليم، بإحلال العلم والعلماء المكانة اللائقة بهم، في جزائر العلماء والشهداء، فتعيدوا للمفكرين والفقهاء والأدباء، والحكماء، الملتقى العلمي العالمي الذي كان وساما على جبين الحكام، والمصلحين، والعلماء، ونعني به ملتقى الفكر الإسلامي الذي غيّبه الجهل، ومعاداة النبلاء والشرفاء.
- إصدار القوانين التطبيقية، التي تجسد الأحكام الدستورية، الملزمة لتعميم استعمال اللغة العربية، في الدواوين والمحلات وفي المواثيق والسجلات، وفي شتى العلاقات والمعاملات، وذلك بالضرب على أيدي العابثين بالدستور، وسحب تطبيقه، من الكافرين به، أو المثبطين لمواده، ونصوصه.
نقول، للسادة والسيدات النواب، أنّ ساعة الامتحان الوطني قد دقت، وإنَّها لساعة العسرة لمن لا يصدق مع الجزائر والجزائريين، ويومها يكرم النائب أو يهان.
إنّ النيابة، -بعد مختلف التجارب- لم تعد، استحلال مال الأمة بما أمكن، واستغلال نفوذ الدولة كيفما أمكن، والقفز على القوانين بالتي هي أخشن.. يجب أن.ندرك أن.للنائب حرمته وللبرلمان صولته، وللقانون هيبته، إذا أردنا، -حقا– أن نقضي على حزب المقاطعة، ودعاة الممانعة، فهؤلاء سيظلون أقوى ما لم نقض على الفساد والمفسدين، وعلى التزوير والمزورين، ودعاة الانفصال والانفصاليين، فوطننا الموحّد، وشعبنا الموحِّد أمانة في ذمة النبلاء والشرفاء والعلماء، والشهداء، فلئن لم يصنها الأحفاد من النواب، والوزراء، والأغنياء، والوجهاء، ولئن لم نُعد لوطننا مكانته بين الأوطان، وحصانته وتحصينه ضد أي شنآن، وما لم نحافظ على استقراره، وانتصاره، وتخليصه من أيدي الزبانية من التجار بأحراره، لئن لم نفعل ذلك كله ونحن عصبة إنا إذن لخاسرون.
فيا نواب البرلمان ! أمامكم عسير الامتحان، فاتعظوا بما يحدث من حولن في البلدان !