ما قل و دل

حب العلم والهيام بالمجد

الشيخ محمد الصالح الصديق/

عرضتِ الشاشة الصغيرة خلال هذا الأسبوع، صورة بعثة علمية يتسلقون جبلا شامخا مكسوا بالثلوج، وهم معلقون بالجبال بين الأرض والسماء، في وضع مرهق للغاية، وكلما صعدوا خطوة بجهد كبير ومشقة كؤود، نظروا في تطلع وتلهف واشرئباب إلى أعلى، فيرون القمة ما تزال بعيدة، بل كأنها تزداد بعدا كلما ازدادوا صعودا، ولكنهم مع ذلك مصرّون على الصعود، مصممون على الوصول مهما كانت أهوال الصعود ومخاطر التسلق، وتساءلت: ما القوة التي تدفعهم إلى هذه المحاولة وتهوّن عليهم أهوالها ومهالكها، وتجعلهم يتجشمون هذه المشاق وهم يبتسمون؟
إن القوة الدافعة لهم بلا ريب، والتي تجعلهم يقدمون ولا يحجمون ويندفعون إلى الأمام ولا ينثنون هي حب العلم، وحب الاستطلاع، والاكتشاف، وحب المجد والهيام به، وتذكرت ما نشرته الصحف والمجلات المصرية في شهر مايو 1930 من نبإ بعثة علمية دولية تتسلق الجبال من كبار العلماء برئاسة الأستاذ الشهير (دیر نفورث)، إذ أخذت هذه البعثة تتسلق جبال همالايا المسماة ( كانش جونجا) وأهوال هؤلاء المتسلقين أعالي الجبال أشد من أهوال رواد القطب الجنوبي والشمالي، لأن الجليد يغطي قمم الجبال بسمك (200) قدم . وهؤلاء المرتادون يعيشون فوق الجليد والرياح العاتية تعصف بهم. ولقد حاولت ثلاث بعثات علمية الوصول إلى تلك القمم فلم تصل، ومات أكثرهم بالرياح العاصفة والثلوج المتراكمة.
وفي تلك السنة المذكورة ذهبت بعثة رابعة . والسؤال المطروح دائما: لم هذا الإصرار على التسلق إلى قمم هذه الجبال الرهيبة التي كثيرا ما كانت مقبرة لمرتاديها ؟ إنه حب العلم وحب الاستطلاع والاكتشاف، المجد، إنه الإصرار على تحقيق الرغبة، ونيل الهدف، وإنجاز التخطيط ! والذي لا شك فيه هو أن الهدف إذا كان شريفا ساميا يحقق، ويصنع التاريخ، يرخص في سبيله كل غال ونفيس، ولذا قيل: من طلب الحسناء لم يغله المهر! أو يحقر ما بذل! فإذا كان الهدف عزيز المنال تحمّل الإنسان في سبيل نيله كل مشقة، وخاطر من أجله بنفسه غير مبال بما ينجر وراءه من عواقب، وشعر بقرب المسافة بينه وبين هدفه وإن كانت بعيدة طويلة، ومن هنا نفهم قول مجنون لیلی:
وإني إذا ما جئتُ ليلى أزورها   أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com